العدسة – محمد العربي
اكتفت جامعة الدول العربية بالتعاطي مع قانون تهويد إسرائيل ببيان رفض وإدانة صدر عن أمينها العام في عدة أسطر، وهي الأسطر التي أضافها أحمد أبو الغيط لشهادة وفاة جامعة الدول العربية التي يتم كتابتها منذ سنوات، وأصبحت أشبه بخيال المآتة، الذي لا يحرك ساكنا في القضايا الساخنة بالوطن العربي والتي تلاحق بعضها بعضا.
وحتي الظاهرة الكلامية التي أضفاها الأمين العام الأسبق عمرو موسي على الجامعة، اختفت برحيل الرجل، ليدخل بيت العرب لبيت الطاعة الأمريكي والصهيوني على يد قادة الدول العربية أنفسهم وفي مقدمتهم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وشقيقه عبد الله، ومن ورائهم محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي، الذين رأوا في أي صحوة للجامعة تهديدا لمشروعاتهم بالمنطقة.
قمم أصحابها رمم
عقدت جامعة الدول العربية 29 قمة على مستوي الرؤساء والحكام العرب، كان آخرها قمة الظهران التي استضافتها المملكة العربية السعودية، وانتهت القمة للاشيء إلا بتثبت أركان الإنقلابات التي شهدتها دول الربيع العربي، وباتت قبضة الجامعة على القضايا المحورية واهنة مثل أمينها العام الذي حاز بدون منافس على لقب الأضعف بين ووزراء الخارجية الذين تولوا مسئولية هذه الوزارة بمصر، وهو ما انعكس على تعاطي الجامعة مع ملفات سوريا واليمن والعراق وفلسطين، واخيرا فشلها في إنهاء الحصار الرباعي ضد دولة قطر.
ورغم التغيير الجيوسياسي التي تشهده المنطقة في ثلاثة ملفات هامة وهي سوريا واليمن وفلسطين وليبيا، إلا أن بيت العرب يتعامل معها وكأنها لا تعنيه، وهو ما أرجعه المختصون إلي أن الدول العربية التي تدير المشهد في الساحة العربية الآن، انزعجت من الجامعة التي كان لها موقفا جيدا في دعم المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، كما أنها لعبت دورا في تهيئة الأجواء الفلسطينية الداخلية كداعم للتحركات المصرية، إلا أن هذا النشاط الذي شهدته خلال فترة تولي عمرو موسي ونبيل العربي، كان يسمح بوجود نشاط بارز لقطر في هذه الملفات، ومن هنا كان العمل على تهميشها وتقليص دورها لصالح “البروز” الشخصي لكل من ابن زايد وابن سلمان والسيسي، ولذلك لم يكن غريبا اختيار أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة ليقوم بدور رائد بإماتة الجامعة في وقت تشتعل فيها الملفات المتعلقة بأعضائها.
ثأر قديم
وكشف العديد من المتابعين لنشاط الجامعة أن هناك ثأرا قديما بين إدارة الجامعة ووزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، والذي كان كثيرا ما يصفه عمرو موسي الأمين العام السابق في جلساته الخاصة بـ “الولد التافه”، وهو الخلاف الذي بيتته الإمارات ليس ضد عمرو موسي وإنما ضد الجامعة، ولذلك جاءت تحركات الإمارات بعد القضاء على الربيع العربي بأن تقضي على الجامعة نفسها، باعتبارها كانت ساحة للتنافس بين الإمارات والسعودية وقطر خلال فترات ممتدة، ولعب من خلالها وزراء خارجية قطر أدوارا مميزة كانت تصطدم مع توجهات السعودية والإمارات، إلا ان وجود دول أخري ذات تأثير مثل سوريا والجزائر، والتوازنات التي كان يلعبها نظام مبارك، كان يمثل حائط صد ضد تحركات الرياض وأبو ظبي لإنهاء هذا المحفل الرسمي الذي تظهر من خلاله قطر، وهو ما تحقق بعد ذلك بعد غياب دول التأثير العربي داخل مجلس الجامعة.
ملفات ساخنة
وتحفل الساحة العربية بالعديد من الملفات التي تلزم جامعة الدول العربية بتفعيل ميثاقها الخاص للتعاطي مع هذه الملفات وأبرزها الملف السوري الذي يشهد العديد من الأطراف اللاعبة، بينما الذي يمسك بخيوط اللعبة جميعهم من خارج الجامعة العربية، وهم بالترتيب روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا، ورغم تنوع المبادرات والإطروحات الدولية مثل مبادرة الإستانة ومبادرة موسكو، إلا أن الجامعة لم تتواجد فيهما، ولم تهتم حتي بعدم دعوتها للقيام بدور فاعل لإنهاء الأزمة السورية.
وحتي على الجانب الإغاثي ودعم اللاجئين السوريين فإن الجامعة اكتفت بدور المتفرج، ولم تنسق مع هيئة غوث أو مفوضية اللاجئين أو الاتحاد الأوربي أو حتي الدول العربية التي هرب إليها السوريين، وكأن الجامعة تعاقب الشعب السوري على ثورتهم ضد نظام بشار الأسد الذي مارس ضد شعبه كل أشكال الإجرام العسكري والإنساني، وبالتالي كان طبيعيا أن يغيب أي دور للجامعة في محاربة انتشار تنظيم داعش بالدول العربية.
ولعل هذه الحالة من الضعف كشفها موقف الجامعة الهزيل من مظاهرات حق العودة، والقصف الإسرائيلي لغزة، ومبادرات إنهاء الحصار، والتضييق على القطاع وصفقة القرن، وأخيرا إقرار الكنيست لقانون تهويد إسرائيل، على الرغم أن فكرة قيام الجامعة ارتبط في الأساس بالتصدي لتهويد القدس، وسبق لها أن لعبت أدورا بارزة في ذلك كان أبرزها حشد الجيوش العربية في حرب 1948، ورفضها العديد من المبادرات الدولية لتصفية القضية الفلسطينية وفرض التطبيع علي الشعوب العربية، وهي أمور تصدت لها الجامعة التي كانت حاضنة كذلك للكثير من المبادرات والمؤتمرات التي كانت محل ترقب من كل الأطراف، حتي تبنت مبادرة السلام التي طرحها الراحل عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية خلال قمة بيروت عام 2002، لتتحول بوصلة الجامعة 180 درجة كاملة.
وتمثل أزمة اليمن قمة الفشل لجامعة الدول العربية بعد تخليها عن كل أدوراها طواعية لإنهاء الأزمة، سواء في بدايتها مع انقلاب الحوثيين او فيما بعدها بعد احتلال الامارات لمعظم الأراضي اليمنية، وكان الغياب واضحا عندما شكلت السعودية والإمارات قوات التحالف العربي بمعزل عن الجامعة، وهو ما تعاملت معه بيت العرب ببرود قاتل ورثته عن أمينها العام.
وما يمثل خطورة ابتعاد دور الجامعة عن اليمن هو أن ما يحدث من قوات التحالف يمثل احتلالا من دول عربية عضوا بالجامعة العربية لدول هي الآخري عضوا مؤسسا بالجامعة، وهو ما كان يتطلب منها تفعيل ميثاقها الخاص للتصدي للتحركات السعودية والإماراتية داخل الأراضي اليمنية.
بعيدا عن الخلافات
ويري الخبراء أن الجامعة التي أصبحت ترجمة حقيقة للخلافات العربية العربية، كان يمكنها تفعيل دورها في قضايا أخري من أجل استمرار بقاءها علي الساحة الدولية خاصة وأنها تمثل أول منظمة دولية يتم إنشائها على مستوي العالم، وبالتالي فهي اقدم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، كما أن مجموع مساحة الدول المشاركة فيها هو الثاني بعد الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا حاليا، وعدد سكان الوطن العربي هو الرابع بعد الصين والهند والاتحاد الأوروبي، وهي مميزات تمكنها من لعب دورا في ملفات داعمة للدول العربية مثل أزمة سد النهضة الذي يمثل ضررا لكل من مصر والسودان، وكذلك الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران، فضلا عن تفعيل الاتفاقيات الإقتصادية التي نص عليها الفصل التاسع من ميثاق الجامعة، بهدف الارتقاء بالمواطن العربي، من خلال خلق سوق عربية مشتركة والقيام بتكامل اقتصادي بين الدول العربية، إلا أن الأحداث حولت الجامعة لهياكل صماء لا تستطيع أن تقدم شيئا.
اضف تعليقا