العدسة – معتز أشرف:
أثار كسر رئيس النظام المصري للبروتوكول العسكري في ترقية الفريق محمد زكي وزير الدفاع إلى رتبة فريق أول ، الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ، وحضر بقوة سيناريو “الليثي ناصف” الذي دعم الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في الإطاحة بخصومه ليلقى مصيره مقتولا وسط ظروف غامضة ذهبت الآراء فيها إلى تصفية نظام السادات له كجزاء سنمار.
“العدسة” يرصد أوجه الشبه ويستشرف من زاوية ما قامت به اجهزة الدولة العميقة في مصر في حقبة السادات بحق الليثي ناصف ، ويترك الإجابة لمتواليات الأحداث.
مصير دموي!
هو أيقونة مهمة في حياة السادات ، ولكنه الأخير بات المتهم الأول وفق رواية أهله في مقتله ، إنه الفريق محمد الليثي ناصف ( 22 أغسطس 1922- 24 أغسطس 1973)، وهو مؤسس الحرس الجمهوري المصري، وأول قائد له، حيث ساند الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في القضاء على مراكز القوى وقام بإلقاء القبض على خصوم السادات من كبار القيادات والمسؤولين في الدولة، فيما عرف بثورة التصحيح في 15 مايو 1971.
الليثي ناصف ، كالفريق محمد زكي للسيسي ، شارك السادات في تحقيق حلمه يومها الذي لخصه في جملة شهيرة في أحد خطاباته ، وهي : “إتغديت بيهم قبل ما يتعشوا بي”، وتتحدث التقارير عن اجتماع شهير للسادات قبل أيام من انقلابه مع قائد الحرس الجمهورى اللواء الليثي ناصف، وطلبه القسم على المصحف بالوقوف إلى جانب الشرعية التى يمثلها، وأعطاه اللواء القسم بحمايته ضد أي انقلاب عليه، ثم خرج السادات من العملية بانتصار منقطع النظير، فقد قبض على كل من يعلم بخيانته وخدع قائد الحرس الجمهورى.
وفي كتابه “عرفت السادات” يقول طبيب السادات الخاص وجليسه منذ طفولته د. محمود جامع أن الفريق الليثي ناصف أنقذ السادات من عدة محاولات اغتيال، وأنه أنقذ بالتالي مصر من حرب أهلية يدفع الجيش ثمنها غالياً.
وفى أبريل 1973 قرر السادات نقل الفريق الليثى إلى وزارة الخارجية بدرجة سفير كى يكون بعيدا عن المقر الرئاسي بعد مشادات معه على خليفة ما جري في يوم 15 مايو ، وفي أغسطس 1973 تصدر الخارجية المصرية قرارا بتعينه سفيرا في اليونان، لكن توقف الفريق الليثى في لندن مع أسرته للعلاج وهو في طريقه للسفر إلى اليونان، وقامت الاسرة بالمبيت في شقة تتبع رئاسة الجمهورية في الدور العاشر من عمارة ستيوارت تاور ( وبالمناسبة هو نفس البرج التي سقطت منه الفنانة سعاد حسني عام 2001) ، وفي اليوم التالي وتحديدا في 24 أغسطس وفى التاسعة من صباح ذلك اليوم ألقى به من شرفة الشقة، حيث سقط دون نقطة دماء واحدة وهو ما يؤكد على توقف الدورة الدموية قبل سقوطه ودون أن يفقد “الشبشب” من قدميه.
وبحسب الشهادات وصل السفير المصرى كمال رفعت والوزير المفوض نبيل حمدى ونائب القنصل مصطفى الفقى إلى مكان الحادث ، فيما كانت حرم الفريق الليثى تصرخ أمامهم وتتهم السادات بأنه قتل زوجها، بينما كانتا ابنتاه منى وهدى تقفان تبكيان في حرقة، وهو ما أكده اللواء جمال الرفاعى – صديق الفريق الليثى – عندما أكد أن المرحوم قد أخبره قبل فترة قصيرة من مصرعه في لندن بأن السادات يود الخلاص منه.
ووفق صلاح الشاهد، كبير أمناء رئاسة الجمهورية مع، عبد الناصر والسادات، ومبارك فى سنواته الأولى، والذي كان قريبا من الليثى، فإن “السادات متهما، حيث قال :” الليثى لا ينتحر أبدا، وكان خائفا من انتقام السادات، لكنى لا أعرف ما حدث فى لندن”، وبحسب الشاهد: «احتد الليثى على السادات للمرة الأولى بعد بدء محاكمات من قام باعتقالهم وطلب أن يعفيه من منصبه، فرد السادات: وماله ياليثى، لكنك ستعين فى وزارة الخارجية بدرجة سفير».
وصرحت ابنة الفريق الليثي الصغرى هدي في احدي البرامج التليفزيونية أن والدها هو من طلب الابتعاد عن قيادة الحرس الجمهوري والشأن السياسي والعمل بوزارة الخارجية بعد علمه بتدبير مؤامرة ضده للإطاحة به بعد خلافه مع الرئيس السادات وبعد أن تأكد من معلومات من سفراء عرب تفيد بالتخلص منه بقتله.
شبيه الليثي ناصف !
أوجه شبه كبيرة إذن بين الفريق الليثي ناصف ، وبين الفريق أول حاليا محمد زكي، فالرجل ساهم مع السيسي في الاطاحة بأول رئيس مدني منتخب للبلاد وهو الدكتور محمد مرسي ، وحصل على نفس الترقيات غير المسبوقة لقائد بالحرس الجمهوري مثلما حدث مع الفريق الليثي ناصف في مفارقة عجيبة!.
الفريق “زكي” الذي تولى منصبه كقائد لقوات الحرس الجمهوري في 8 من أغسطس 2012، كان له دوره البارز بحسب شهادات متواترة في انقلاب 2013 وإقصاء الرئيس مرسي في 3 من يوليو 2013 بجملته الشهيرة ” جئت أُنفذ إرادة الشعب الذي جاء بكم .. أنتم معتقلون” التي قالها للرئيس مرسي وقيادات الإخوان بالقصر الرئاسي، حسب شهادته أمام السلطات القضائية في أكثر من قضية ، كما احتجز الدكتور مرسي بدار الحرس الجمهوري الذي انتقل إليها خلال تظاهرات 30 من يونيو 2013، ونقله فيما بعد إلى قاعدة بحرية، احتجزه فيها لفترة، قبل أن يظهر في أول جلسة محاكمة علنية في 4 من نوفمبر 2013.
السيسي لم ينس مغامرة “زكي” معه ، وأصدر قرار مفاجئاً، بترقيته في يناير 2017 من رتبة اللواء إلى رتبة الفريق، وهو المنصب الأعلى لأي قائد بالمنصب منذ العام 1973 الذي شهد وفاة الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات رغم أن آخر رتبة متعارف عليها في الجيش المصري لقائد الحرس الجمهوري رتبة اللواء ولكن تشابه الليثي ناصف ومحمد زكي في الرتبة الأعلى.
وبحسب المتابعين للشأن العسكري المصري فإن قائد الحرس الجمهوري ليس عضوًا في المجلس العسكري ولكن بحكم أنه ثالث أعلى رتبة في الجيش بات الأمر مختلفا ، فالترقية الأولى جعلت زكي يتجاوز جميع قادة الأفرع الرئيسية – عدا قائد القوات الجوية، وينضم للمجلس ، ثم جعلته يتجاوز الحصانة الدستورية للفريق صدقي صبحي وزير الدفاع السابق ويحتل موقعه وسط دهشة المراقبين ، ثم جعلته يصعد بعد فترة وجيزة في الرتب إلى رتبة فريق أول.
المخاوف حاضرة !
أوجه الشبه والصعود بعد دعم ، رشحا لدى بعض المراقبين استحضار النهايات ، خاصة أن القرارات التي اتخذها رئيس النظام المصري ضد أعضاء المجلس العسكري والذين شاركوه في الانقلاب العسكري في 2013 ، باتت ذات نهاية واحدة لم يفلت منها حتى الآن سوى الفريق محمد زكي الذي تقلد سلطة القرار في الجيش بعد طول انتظار ، واللواء عباس كامل الذي ذهب من القصر الرئاسي حيث كان بجوار “السيسي” دائما للسيطرة على جهاز المخابرات العامة وفق المراقبين الذي كانت له تقارير تحذيرية من سوء الاوضاع لا تلقى اعجاب السيسي وفق ما قيل.
وبحسب رصد لـ”العدسة“ فقد تخلص السيسي من كل قيادات المجلس العسكري الذي كان عضوًا فيه أثناء اندلاع ثورة يناير، والذي عرف اصطلاحًا بمجلس طنطاوي في إشارة لوزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي، حيث نجح السيسي في تفتيته بصورة غير مفهومة؛ عن طريق إقالة البعض ودفع آخرين إلى تقديم استقالتهم، ونقل بعضهم إلى مناصب مدنية، وترقية آخرين إلى تولّي قيادات وأفرع القوات المسلحة، ولم يتبقَّ من هذا المجلس أحد على الإطلاق، بعد أن تخلص منه السيسي على مدار أربع سنوات من الإحلال والتجديد، ووصل تفتيت المجلس العسكري للمشير محمد حسين طنطاوي الذي أصبح ظلًّا للسيسي، في حين تمّ حبس الفريق سامي عنان بعد عزمه على الترشح أمام السيسي خلال ” انتخابات 2018″.
ويتبقى السؤال حاضرا لدى مراقبين كثيرين : هل يتلقي الفريق أول محمد زكي مصير الفريق الليثي ناصف بعد أوجه الشبه الصارخة ، في ظل تخلص السيسي من كل من ساعده في الانقلاب العسكري ؟ ، والإجابة بحسب البعض ووفق قراءة لطريقة السيسي في الادارة قد تكون بالايجاب ولكن هي اجابة مؤجلة حتى لا نستبق الأحداث.
اضف تعليقا