العدسة – ياسين وجدي:

“إدلب” .. محافظة سورية محط أنظار المتصارعين منذ بدء الثورة السورية ، ولكن على مدى الأسابيع المقبلة تدخل تحت مجهر الديكتاتور السوري بشار الأسد بعد تصاعد مؤشرات بهجوم واسع ضدها في ظل وجود تركي وروسي.

خبراء مركز كارينجي لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن سلطوا الضوء علي السيناريو الأبرز لمستقبل محافظة إدلب في سوريا على مدى الأسابيع المقبلة ، وخلصوا إلى أن الوضع معقد وأن تركيا لن تقبل بتحرك بشار الأسد ما ينذر بأزمة جديدة.

  هجوم محدود

في تقدير الموقف الذي وصلالعدسة ” أكد توما بييريه الخبير في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن يشنّ النظام هجوماً محدود النطاق يستهدف أطراف محافظة إدلب الغربية والجنوبية والشرقية، حيث أن تركيا لن تقبل إطلاقاً بتنفيذ عملية أكثر طموحاً ترمي إلى إعادة المنطقة بكاملها إلى سيطرة النظام، لأن هكذا عملية قد تؤدّي إلى نزوح جماعي للمدنيين ومقاتلي المعارضة (بما في ذلك المجموعات الجهادية) نحو الحدود التركية والمناطق الواقعة تحت سيطرة أنقرة داخل الأراضي السورية.

وأضاف أن تركيا تمتلك امكانيات عسكرية قادرة على عرقلة هجوم النظام بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وتبدو على الأرجح مستعدّة لفعل ذلك نظراً إلى الرهانات التي تواجهها، و كذلك، تعي روسيا أن شنّ هجوم شامل على إدلب قد يقوّض بشكلٍ كبير علاقاتها مع تركيا خاصة في ظل ما يقال عن أن قدرة موسكو على ضبط الرئيس السوري بشار الأسد وإيران محدودة، لكن نظراً إلى أن دفاعات المتمردين قوية نسبياً في إدلب، سيكون من الصعب للغاية على القوات المهاجمة تحقيق التقدّم في حال حُرمت من الدعم الجوي الروسي.

أمور معقدة

من جانبها ترى هديل الصيداوي الخبيرة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أنه بقدر ما قد يرغب النظام السوري في الإفادة من زخم الانتصار الذي حقّقه في جنوب غرب سورية، يبقى أن الوضع في إدلب أشدّ تعقيداً بكثير، فلدى كلٍّ من روسيا، في المدى القصير على الأقل، وتركيا مصلحة في تفادي التورّط في عملية عسكرية شاملة، والتوصّل في نهاية المطاف إلى نتيجة قد تكون شبيهة بتلك التي تحقّقت في بصرى الشام، حيث سلّمت الفصائل سلاحها، ومع ذلك، لايزال من غير الواضح إلى أي حدٍّ ستتمكّن روسيا من ثني الرئيس السوري بشار الأسد عن تنفيذ الهجوم، أو إلى متى ستلتقي المصالح الروسية والتركية.

واستندت الصيداوي إلى ما قاله المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، مؤخّراً: “لن يكون وارداً في الوقت الحاضر شنّ هجوم واسع على مدينة إدلب”، مع إدراج ملفّ عودة اللاجئين في صُلب أولويات الجولة الجديدة من محادثات سوتشي، وهو ما يعني أن من شأن الهجوم العسكري أن يقوّض جهود روسيا التي بدأت بتنظيم إعادة حوالى ألف لاجئ من لبنان إلى سورية في وقت مبكر من هذا الشهر.

وأوضحت أن هذه المسألة تشكل نقطة التقاء للمصالح الروسية والتركية، إذ يعيش في محافظة إدلب راهناً 2.5 مليون شخص تقريباً، نصفهم من النازحين داخلياً، إضافةً إلى حوالى 70 ألف مقاتل معتدل أو متطرّف. لذا يُحتمل أن يؤدّي أي هجوم يشنّه النظام إلى حدوث أزمة لاجئين جديدة، وهذا ما لن تسمح به تركيا على الأرجح، إضافةً إلى نزوح مجموعات متطرّفة مرتبطة بالدولة الإسلامية والقاعدة.

وأشارت الصيداوي إلى أنه في غضون ذلك، ينبغي على تركيا وروسيا حلّ المسألة المتعلّقة بهيئة تحرير الشام والمقاتلين الأجانب، خاصة أنه يُفترض أن أنقرة تسعى، منذ فبرايرإلى توحيد الفصائل الكبرى في إدلب تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير التي يُتوقّع أن تحاول الحدّ من الهيمنة العسكرية لهيئة تحرير الشام في حال رفضت هذه الأخيرة حلّ نفسها، لكن من غير الواضح ما إذا سيتمكّن هذا الائتلاف الجديد من تحقيق ذلك.

وأضافت أنه في ظل تواتر أنباء مفادها أن قوات الأسد تتمركز قرب إدلب، قد نشهد تنفيذ عملية عسكرية محدودة في جنوب جسر الشغور وغربه، لتعزيز المنطقة المحيطة بقاعدة حميميم الروسية، أما الخطوات التي ستعقب ذلك، فتبقى رهناً بالجهود الروسية والتركية.

بشار مخادع !

أما تشارلز ليستر الخبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، ومدير مشروع المعهد لمكافحة الإرهاب فيؤكد أنه نظراً إلى ما حدث سابقاً في أماكن أخرى من سورية، أستبعد ألّا يلتزم نظام الأسد بكلامه، وأن يقوم في نهاية المطاف بشنّ حملة ضخمة في إدلب، وسيكون ذلك على الأرجح مسبوقاً بمروحة من اتفاقيات “مصالحة” على أطراف مناطق المعارضة، أو قد يتزامن معها، وهذه العملية بدأت تسير على قدم وساق،  لكن الوصول إلى نهاية هذه العملية قد يتطلّب بعض الوقت. كذلك، لا ينبغي تجاهل استثمار تركيا الكبير والمحفوف بالمخاطر، المتمثّل في إقامة آليات ردع في إدلب.

وأضاف أنه علاوةً على ذلك، لن تؤدي التهديدات التي أطلقتها وحدات حماية الشعب الكردية في سورية مؤخراً بأنها ستساعد النظام (سواء أكانت تهديدات واهية أم لا) سوى إلى ترسيخ موقف أنقرة المُعارض تماماً للأعمال العدائية، ولا بدّ أن تقوم دمشق ببعض المناورات وأن تجري موسكو بعض التغييرات البسيطة لإقناع أنقرة بالتنحّي جانباً.

وأشار ليستر إلى أنه يترقب بشدة في الوقت الراهن المحاولات التي قد يقوم بها المسلحون العنيفون لإطلاق شرارة صراع يهدف إلى تطهير المنطقة من المقاتلين المعتدلين والأقل التزاماً، ويترك وراءه آخرين يكونون على الأرجح، في نظرهم، أكثر عرضة للتأثُّر بهم والانضمام إلى حرب العصابات الشرسة التي يخوضونها.

العامل التركي!

من جانبه يرى ألكسي خليبنيكوف المتخصّص في قضايا الشرق الأوسط في المجلس الروسي للشؤون الدولية، ان الصراع في سورية يتبع نمطاً مألوفاً، فقد تمّ إلغاء مناطق خفض التصعيد تدريجياً، وقامت القوات المسلحة السورية، بدعم من القوات الجوية الروسية، بتنظيم هجمات خوّلت موسكو عقد صفقات لإجلاء عدد كبير من المتمرّدين المسلّحين إلى محافظة إدلب.

وأضاف أنه نتيجةً لذلك، بقيت إدلب المنطقة الوحيدة التي لم تسيطر عليها الحكومة السورية من بين مناطق خفض التصعيد، وتتمركز فيها مجموعات المعارضة المسلّحة والجماعات الإرهابية، إضافةً إلى المدنيين، فأصبحت إدلب، بسبب هذا المزيج، منطقة رمادية نوعاً ما بالنسبة إلى موسكو.

وأشار إلى أن العامل التركي يتسبب في تعقيد الوضع في إدلب، التي كانت لفترة طويلة منطقة نفوذ تركي، إذ إن أنقرة قدّمت الدعم إلى مجموعات المعارضة هناك، إضافةً إلى ذلك، وبموجب اتفاقات الأستانة، كان من المفترض أن تقوم تركيا بتوفير الأمن للمنطقة، وإنشاء اثنتي عشرة نقطة مراقبة لهذا الغرض، ولكن بعد الانتصار العسكري الذي حقّقته قوات النظام السوري مؤخراً وازدياد الدعم الروسي، بات دور الأستانة يتضاءل تدريجياً، وتجلّى ذلك جزئياً في حقيقة أن الجولة الأخيرة من المحادثات عُقدت في سوتشي، وليس في العاصمة الكازاخستانية.

وأضاف أنه من المهم بالنسبة إلى روسيا، كي تبقى خطواتها متماشية مع سياساتها المتّبعة في سورية، أن تعيد إدلب في نهاية المطاف إلى سيطرة الحكومة السورية. لكن، في الوقت نفسه، لا تريد موسكو خوض مواجهة مع تركيا حول هذه المحافظة.