العدسة: محمد العربي
لا تمضي عدة أسابيع حتي تكون القاهرة على موعد مع مبادرة جديدة لحل الأزمة السياسية التي تعيشها مصر منذ الإنقلاب العسكري الذي جري علي يد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013. ومع كل مبادرة تزداد حدة النقاشات بين المؤيدين والمعارضين، وفي كل مبادرة أيضا تصورا لحل الأزمة حسب توجه صاحبها وموقفه من أطراف الصراع الدائر، إلا ان هذه الأطراف هي الوحيدة التي لم تطرح من جانبها مبادرة لحلحلة الأزمة السياسية، بالإضافة إلي أن أيا من المبادرات المطروحة لم تكن معبرة عن هذه الأطراف.
ومع كل مبادرة يثار عشرات التساؤلات عن جهة المبادرة وعلاقاتها بأجهزة ما، ومدي قبول الأطراف بالتراجع خطوات للوراء، سواء الإخوان بالتخلي عن عودة الرئيس محمد مرسي للحكم مرة أخري، أو العكس بقبول النظام برحيل رئيسه، وبدء الحركة من جديد.
جديد الأخيرة
وتعد المبادرة الأخيرة التي طرحها السفير المصري السابق معصوم مرزوق عبر صفحته علي الفيس بوك مختلفة نوعا ما عما سبقها من مبادرات باعتبارها الأولي التي تحدثت عن نظام السيسي باعتباره جزءا من الأزمة، ودعت الجماهير للاستفتاء علي بقاءه وفقاً للمادة 157 من الدستور، وفي حال التصويت بنسبة ( 50% +1 ) علي إستمراره، يعد ذلك بمثابة إقرار شعبي بصلاحية هذا النظام في الإستمرار ، والموافقة علي سياساته المتبعة في كل المجالات ، ووجب علي الجميع إحترام هذا الخيار، وفي حال التصويت بنفس النسبة بالعكس فإن هذا الاستفتاء يعد بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحالي ، وتنتهي ولاية الرئيس الحالي ويعتبر مجلس النواب منحلاً ، وتعلن الحكومة القائمة إستقالتها ، ويتولي أعمال الحكم والتشريع مجلس إنتقالي يكون مسئولاً عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام، يتشكل من ثلاثة عشر عضواً يمثلون بشكل متوازن المحكمة الدستورية العليا، ومجلس الدولة ، والأحزاب السياسية غير المؤتلفة أو المتعاونة مع نظام الحكم الحالي.
المؤيدون للمبادرة اعتبروها حجرا في الماء الراكد وبالتالي فهي تعبر عن وجود تأزم سياسي وليس كما تردد أبواق السيسي بأن الأوضاع استقرت إلا من بعض المناوشات، وبالتالي فطرح المبادرة في حد ذاته يمثل اعترافا بفشل النظام، أما تفاصيل المبادرة فهي محل نقاش بين مختلف الأطراف التي وافقت على الفكرة سواء من المعارضين أو المؤيدين لانقلاب 3 يوليو 2013.
وعلى الجانب الآخر فإن المعارضين للمبادرة انقسموا لفريقين الأول من داخل رافضي الانقلاب والذين يرون المبادرة ترسيخا للانقلاب وإغفالا لعودة الشرعية التي انتزعها العسكر بالقوة، وبالتالي إغفال الحديث عن الرئيس مرسي وكذلك منح السيسي ونظامه حصانة قانونية رغم المجازر التي ارتكبها هي في النهاية لا تعد مبادرة تمثل جميع أطراف الخلاف.
أما الفريق الثاني من معارضي المباردة والمحسوبين علي الانقلاب في الأساس، فيرون أن أي حديث عن مبادرات هو خيانة للشعب ودعم للإخوان وبالتالي فالرفض بالنسبة لهذا الفريق مبدأ لا يمكن التخلي عنه إلا إذا كان ذلك توجها للنظام السياسي الحاكم بمصر.
إلا أن جديد هذه المباردة هو ليونة الموقف الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين والتي أشادت من خلال نائب مرشدها إبراهيم منير بشخصية السفير معصوم مرزوق، وقالت أنها تتعامل مع كل المبادرات لحل الأزمة السياسية بصدر رحب، وليس لدي الجماعة ما يمنع من مناقشة ما جاء في بنود مبادرة مرزوق.
حرث في الماء
ويري العديد من المحللين للشأن المصري أن هذه المبادرات غير ذات جدوي وهي أشبه بالحرث في الماء، خاصة وأن الطرف الأقوي في الأزمة المصرية هو النظام الحاكم ليس لديه من يُخيفه حتي يقبل بالتنازل عن مكانته ويقبل بمثل هذه المخاطرة، بأن يساوي نفسه بخصومه وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين.
وطبقا لذلك فإن أية مبادرة غير مدعومة من القوي العظمي بالمجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة لن يكتب لها النجاح، في ظل خروج الطرف الثالث في معادلة الخصوم من أية حسابات سياسية للنظام الحاكم والمقصود بهذا الطرف هو الشعب المصري، وهو ما لا يعول عليه نظام السيسي كثيرا في ظل قبضته الأمنية الشديدة، ولغياب أي محرك جماهيري له بعد الحرب التي شنها السيسي على جماعة الإخوان وأنصارها، وكذلك انكشاف حقيقة ضعف الأحزاب والقوي السياسية التي أثارت الرأي العام ضد جماعة الإخوان طوال الفترة من 30/6/2012 وحتي 3/7/2013، وهي الإثارة التي كان يقف ورائها الأجهزة الأمنية بجناحيها الأمني والمخابراتي.
ويري المحللين أنه يضاف لذلك بُعدا آخر وهو مدي قبول الذين دفعوا ضريبة ما جري بعد 3 يوليو 2013، سواء من أسر الشهداء أو المعتقلين الذين تزدحم بهم السجون والمعتقلات، لمثل هذه المبادرات التي لا تعطيهم سوي الحق في الوجود، بينما لم تتحدث عن أي عقاب لمرتكبي مجازر رابعة والنهضة ومن قبلها وما بعدها، فضلا عن التعويض المادي والمعنوي لما نالهم من أذي وصل لحد تدمير أسر بكاملها.
ويشير المحللين أن هذا الفريق رغم أنه الأضعف في الحلقة إلا أنه يمثل عامل هام في التوصل لأي حل سياسي، باعتبارهم من ينطبق عليهم منظومة العدالة الانتقالية، وفي حال فشلت هذه المنظومة في تعويضهم فإنهم سوف يتحولون لقنابل موقوتة تهدد المجتمع ككل.
لماذا لا؟:
المحايدون في المشهد السياسي المصري يرون أن هذه المبادرات أقرب لـ “كلام الجرائد”، ويدخل بعضها في “الشو الإعلامي” لبعض الشخصيات، خاصة وأن نجاح أية مبادرة لابد أن تحيطه عدة أمور، أبرزها هو قناعة كل أطراف الأزمة بأهمية التوصل لحل من خلال هذه المبادرات، والقبول بما تنتهي إليه من قرارات تمثل إلزاما لمن في الحكم قبل من يكون خارجه، وهو ما لا يتوافر في الحالة المصرية حتي الآن.
ومن الشروط الأخري أن تكون هناك ضمانات لحماية تنفيذ ما يخرج عن هذه المبادرات، وهذه الضمانات الحامية إما أن تكون من خلال جهات دولية كما حدث في اتفاقيات السلام التي تم توقيعها بين أنظمة حاكمة والقوي المعارضة لها مثل السودان والجزائر وجنوب السودان مؤخرا، أو يكون الشعب نفسه هو الجهة الحامية والضاغطة علي جميع الأطراف.
ويري أصحاب هذا الرأي أن غياب رموز مجتمعية سياسية وفكرية تستطيع أن تكون رمانة الميزان في الصراع الدائر، هو أكثر ما يهدد تحقيق مثل هذه المبادرات أي انجاز علي ارض الواقع، خاصة وأن طارحي المبادرات الأخيرة لا يقفون علي مسافة وسط بين جميع الأطراف المعنية، وهو ما يشكك في مصداقية ما يطرحونه من جانب، ويضعف المحتوي من جانب آخر.
أبرز المبادرات
وقد شهدت السنوات الماضية العديد من المبادرات السياسية الهادفة لإنهاء الأزمة الراهنة، بعضها كان يقف وراءه جهات سيادية سواء بدعم مباشر أو تبني واضح ومن أبرز الذين لعبوا هذا الدور كان رئيس مركز ابن خلدون الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي قام بجولات مكوكية بين القاهرة وبيروت وتركيا ولندن، وتوصل مع العديد من الأطراف وفي النهاية كانت مبادراته محل تشكيك من كل الأطراف.
ويعد الدكتور حسن نافعة واحدا من الذين تقدموا بالعديد من المبادرات السياسية لإنهاء الاحتقان الدائر بمصر، إلا أن مصير ما طرحه نافعة لم يختلف عما طرحه رئيس مركز ابن خلدون.
وتمثل المبادرة التي طرحها قبل أشهر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان كمال الهلباوي الأكثر رواجا بين المبادرات التي تم طرحها، لأنها الأولي التي حددت أسماء بعينها تكون بمثابة مجلس أمناء لتفعيل المبادرة وهي الأسماء التي تمثل ثقلا في مصر والوطن العربي، إلا أن مصيرها لم يكن أفضل حالا من سابقيها.
اضف تعليقا