إبراهيم سمعان

عقار الترامادول أو “هيروين الفقراء”، يصنف ضمن مسكنات الألم الشديد، لكنه أصبح في إفريقيا أحد أنواع الإدمان، حيث ينتشر بشكل متزايد بين الشباب في العديد من بلدان القارة السمراء، بما في ذلك الأطفال.

ووفقا لتقرير نشره موقع  “vice”بنسخته الفرنسية، في الوقت الذي تحتل فيه أخبار متعاطي ومهربي الأفيون الولايات المتحدة وكندا، العناوين الرئيسية في الصحافة الدولية، تمر القارة الأفريقية بأزمة مماثلة بسبب الترامادول.

إذا كان تعاطي المواد الأفيونية منظم بشكل صارم في الولايات المتحدة، يمكن للجميع الحصول عليها في أفريقيا، سواء من الباعة المتجولين أو عبر الصيدليات، يوضح الموقع، ويضيف “لكن هناك مشكلة أخرى، وهي أيضا مثيرة للقلق جدا، الأطفال هم أكثر السكان تضررا من هذه الظاهرة”.

“في المدارس الحكومية من الأفضل أن تسأل عن الطلاب الذين لا يتعاطون كوبولو” يقول أحد مدرسي مادة الموسيقى في الجابون، في إشارة إلى المصطلح العام هناك للترامادول، موضحا أن طلابه يبدؤون في تناوله في سن الثانية عشر.

عام 2016، قدّر المدير السابق لوكالة الأدوية في نيجيريا، أن سبعة من أصل عشرة أولاد في الولايات الشمالية من البلاد قد يتعاطون المخدرات مثل الترامادول.

في نيجيريا، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان بإفريقيا، أصبحت المشكلة حرجة، ويبين أولواتوسين فاتونجاسي، وهو صيدلي نيجيري أنه “قبل ثلاث سنوات، لاحظت أن المزيد من الناس يقبلون على شراء الترامادول دون وصفة طبية، وخاصة الشباب، لا أفهم من أين جاء هذا الجنون”.

تركز السلطات الإفريقية بشكل عام على الحشيش، المنتشر على نطاق واسع في العديد من بلدان القارة، كما أنه من الصعب شراء مخدرات مثل الكوكايين أو الهيروين باهظة الثمن.

لكن حبوب الترامادول – الذي يصل في القوارب من المصانع الهندية قبل أن يتم توزيعها في أفريقيا من خلال كل القنوات الشرعية وغير الشرعية – رخيصة بشكل لا يصدق: حوالي 30 سنتا من شريط به عشرة حبات.

ويقول آدم وينستوك مؤسس Global Drug Survey “إذا كنت تاجر مخدرات، وترغب في منتج رخيص يمكن أن يعبر الحدود بسهولة، وله نفس الآثار المرغوب فيها، ويمكن أن يحقق لك الكثير من المال بسرعة، مع الحد الأدنى من المخاطر فهو الترامادول”.

يقول فاتونجاسي: عندما تسأل الشباب لماذا يأخذون هذه الحبوب، يخبرونك بأنه يمكنهم العمل لمدة أطول أو ممارسة الجنس لعدة ساعات، لكنهم ينسون الآثار الجانبية، يقعون في غيبوبة ويموتون إنه لأمر فظيع حقاً”.

يسبب الترامادول في أفريقيا، آلاف الوفيات نتيجة الجرعات الزائدة، يكتب الموقع، كما أنه يدمر الشباب ويساعد في تمويل أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بالإضافة إلى كونه المخدر المفضل لمقاتلي “بوكو حرام”.

لكن المشكلة أن الأفارقة لا يستطيعون الوصول إلى النالوكسون – وهو الترياق المضاد للأفيون، فالأزمة تفاقمت بسرعة بحيث لم تتوفر بعد إحصائيات الوفيات، ولا حتى من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) .

وتؤكد هيلين موسو، ممثلة منظمة غرب ووسط أفريقيا: “ليس لدينا معلومات كافية في الوقت الحالي للإجابة على أسئلتكم. عودوا إلينا في أواخر نوفمبر أو أوائل ديسمبر”.

من جهته قال مدير برنامج مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة جيفري باوا في وقت سابق لشبكة “سي إن إن”: “في رأيي، المشكلة تتجاوز وباء عقار الفنتانيل الذي تشهده أمريكا الشمالية، الفرق هو أنه يؤثر على أكثر البلدان ضعفا في العالم”.

في مارس 2017، بمصر، ما يقرب من 70 ٪ من الأشخاص الذين خضعوا لبرنامج تأهيل من المخدرات كانوا يتعاطون الترامادول.

أما بالنسبة للكاميرون، الوضع غريب: عام 2013، يعتقد العلماء انهم عثروا على نبات يسمى Nauclea latifolia  لها نفس اثار الترامادول، في الواقع، استهلكها الفلاحون بكميات كبيرة وأعطوها لأبقارهم، بحيث اخترقت المخلفات التربة وتم امتصاصها من قبل النباتات.

المشكلة أن الحكومات الأفريقية لا تعرف كيفية حل هذا الأمر أيضًا، وقال مدير مستشفى جابون العام لصحيفة ديلي نيشن الكينية “السلطات الصحية تصم الآذان”، أما نيجيريا فضبطت ملايين من الحبوب وتعهدت بإطلاق حملة توعية عامة ضخمة.
وفي هذه الأثناء، لا يزال وباء الترامادول يعيث فسادا بين الشباب في جميع أنحاء القارة، فهذا الدواء الذي يُستهلك بشكل أساسي من أجل الشعور بالنشوة، من الممكن أن يكون له وظيفة مختلفة تمامًا.

ووفقاً لآدم وينستوك ، نتيجة المعدلات المرتفعة للفقر والأمراض الاجتماعية الأخرى في جميع أنحاء أفريقيا، يعاني الملايين من الشباب الآن من الصدمات النفسية أو اضطرابات ما بعد الصدمة – هذا هو السبب في أنهم اتجهوا إلى الترامادول، “فالعديد من المرضى يصفون الأفيون كأفضل مضادات الاكتئاب في العالم”.