العدسة – ياسين وجدي:

منذ صعود الرئيس الامريكي دونالد ترامب المثير للجدل لسدة القرار بعد طعون ، شهد البيت الأبيض حالة جديدة من الادارة بعقلية رجل يسيطر عليه الشعوبية ، فتكبدت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر كثيرة في جبهات عدة .

“العدسة” يرصد زمن الخسائر الذي تمر به الولايات المتحدة الامريكية تحت حكم ترامب.

خسارة الحلفاء!

خسرت الولايات المتحدة في عهد ترامب الكثير من حلفاءها كالاتحاد الاوروبي وتركيا بحسب مراقبين.

الاتحاد الاوروبي دخل بشرسة في حرب تجارية واضحة مع امريكا بعد اعلان ترامب فرض رسوم  جمركية ضده ، وصرح رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة لا يترك أمام الاتحاد الأوروبي خيارا آخرا سوى فرض تدابير مقابلة ، فيما أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأمريكي بأن قراره “غير شرعي” و”خطأ”، وتعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن الرد على (شعار ترامب) “أمريكا أولا” سيكون “أوروبا الموحدة”.

 

ووفق المراقبين فإن أمريكا خسرت الحلفاء في سوريا بجدارة ، وباتت موسكو تتفوق على واشنطن في المرحلة الراهنة من الحرب السورية بعد أن خسرت واشنطن حلفاءها في المنطقة، حيث لم يتبق من المعتدلين إلا القليل معها .

“مع السلامة ” كان الرد الأخير من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة في مواجهة الحملة الامريكية ضد أنقرة ، حيث هدد بقطع علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة مؤكدا أن بلاده سترد على واشنطن بالتحول إلى أسواق جديدة ، قائلا: “لن نستسلم، إن هاجمتمونا بدولاراتكم، فسنبحث عن طرق أخرى لتسيير أعمالنا” .

 

وفي مقال نشرته له صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، حذر الرئيس أردوغان واشنطن من المخاطرة بعلاقاتها مع أنقرة، مشيرا إلى أن ذلك قد يدفع بلاده إلى البحث عن “أصدقاء وحلفاء جدد”.

وجاء ذلك بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أنقرة حيث يجري محادثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، لتوسيع الشراكة واستغلال الموقف ، وهو التحذير الذي سبق وأن اطلقه معهد واشنطن للدراسات من أن الضغط الأمريكي على تركيا سيدفعها إلى موسكو على حساب التحالف مع البيت الأبيض.

وخسرت الولايات المتحدة الحلف التلقيدي في رام الله ، بصورة درامية ، بعد نقل قرار “ترامب” نقل السفارة الامريكية إلى القدس ، حيث اصطف للمرة الأولى فريق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع خط المقاومة في رفض ما يعرف اعلاميا بصفقة القرن والهجوم على نقل السفارة ، وصرح “محمود عباس” بأن الإدارة الأمريكية باتت غير مؤهلة أخلاقيا أو سياسيا لفرض أي حل أو تمرير أي صفقة تقوم على هضم واجتزاء الحقوق الفلسطينية لشرعنة الاحتلال الصهيوني، حيث ارتضت على نفسها أن تكون خارج الإجماع الدولي لحل القضية الفلسطينية، فيما دعا رئيس وزراء محمود عباس ، “رامي الحمد لله “، العالم إلى دعم السلطة الفلسطينية الحالية في مواجهة أمريكا.

دولة “تويتر” !

وبحسب مراقبين ، خسرت الولايات المتحدة الامريكية صورة دولة المؤسسات التي تتحكم في ادارة العالم ، وباتت دولة “تويتر”هي صاحبة القرار وفق تعبير البعض ، حيث سجل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رقم قياسي في احصاء حديث في العام 2017 رصدته منصة التدوين المصغر “تويتر” ، كونه الأكثر استخداما لموقع تويتر بين قادة الدول في العالم.

 

ترامب” اعتاد استخدام موقع التواصل الاجتماعي”تويتر” كمنصة لقراراته ومعاركه الكلامية ، ومن أبرزها إقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون وتعيين المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” مايك بومبيو مكانه و إلغاء مجلسين استشاريين عقب استقالة مديريه، احتجاجًا على تصريحات لترامب حول تجمّع لدعاة تفوق العرق الأبيض في فرجينيا، وإقالة كبير موظفي البيت الأبيض راينس بريباس، وإقالة وزيرة العدل سالي ييتس بعد رفضها الدفاع عن قرار ترامب الذي يخص منع سفر مواطنين من ست دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ووفق دراسات حديثة فإن ترامب يصر على تغييب دولة المؤسسات ، وهو ما رصده المركز العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في مايو 2018 ، حيث أوضح أن مؤسسات صنع القرار تتنوع في السياسة الخارجية الأمريكية ما بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كجماعات الضغط والمصالح، وذلك وفق نوعية القضايا المطروحة؛ حيث يبرز دور مستشار الرئيس للأمن القومي، ووزارة الدفاع (البنتاجون)، ووكالة الاستخبارات المركزية في القضايا التي ترتبط بالمعادلة الأمنية للولايات المتحدة، ولكن مع ولوج دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، زاد تدخل العسكريين والمقربين في ظل إعلاءه من قيم الفردانية على حساب المؤسساتية.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من جانبها ، وصفت تغريدات ترامب عن العلاقات الخارجية بأنها تعبر عن مدى انحرافه عن الطريقة التقليدية التي اتبعها الرؤساء سابقًا في علاقاتهم الخارجية وتعامله المنفرد مع الدبلوماسية، وعدم التزام ترامب بكلماته إلا في حالات نادرة، كما أن الدول ما زالت غير واثقة هل تأخذ كلماته على أنها تعهدات سياسية، أم تتجاهلهم وهي مطمئنة من عدم وجود رد فعل، وإذا كانت تهديدات ترامب جوفاء، ماذا يعني هذا بالنسبة للمصداقية الأمريكية؟ وهو ما رد عليه  ترامب واصفًا نفسه بـ “شخص عبقري”.

 خسارة المؤسسات الدولية !

ووفق تقدير موقف حديث من مركز المستقبل للدراسات والابحاث إن أمريكا خسرت المؤسسات الدولية في عهد ترامب ، موضحة أنه منذ أن اعتمد الرئيس ترامب شعار “أمريكا أولا” وهذا الشعار وضع الولايات المتحدة في موقف متناقض مع العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية والمتعددة الأطراف التي يرى ترامب أنها تمثل قيودا على سيادة الولايات المتحدة، ويتم استغلالها من قبل أطراف أخرى ضد مصلحتها.

المصداقية الأمريكية سددت لها ثلاث ضربات مؤخرا بعد أن انضم مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى اتفاقية المناخ والاتفاق النووي مع إيران، ليكون ثالث انسحاب لـ”ترامب” من إطار دولي ما يزيد الشكوك من الإطارات الدولية التي قد توجد فيها أمريكا في عهد “ترامب”.

 

وخسرت أمريكا في عهد ترامب التواجد في مجلس حقوق الإنسان الدولي بعدما أعلنت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، انسحاب بلادها من المجلس دعما لجرائم الاحتلال الصهيوني التي تصنفها السفيرة على أنها دفاع مزعوم عن النفس ، فيما اعتبرت مفوضية الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان قرار الولايات المتحدة مخيب للأمال ويمنع تفاعلها مع القضايا الرئيسية للحقوق في العالم ، بالتزامن مع تصاعد الانتهاكات نفسها في أمريكا بسياسية فصل الأطفال عن آبائهم المهاجرين الذين لا يحملون وثائق عند الحدود المكسيك لدى محاولتهم دخول الولايات المتحدة.

وبحسب مراقبين فإن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران واتفاقية المناخ أيضًا باتا يشكلان نقطتي عزلة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن تصعيد الغضب ضدها في أكثر من مكان.

وتبرز “اتفاقية المناخ” في هذا الصدد ، حيث انعكس الانسحاب الأمريكي مباشرة على أسعار النفط، حيث هبط سعر خام برنت القياسي بنحو دولار للبرميل الواحد؛ نتيجة المخاوف من أن يؤدي قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية العالمية إلى زيادة نشاط التنقيب عن النفط،  فيما اعتبرت المعارضة الامريكية قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بأنه تنازل عن قيادة الولايات المتحدة للعالم في مواجهة أحد التحديات الرئيسية، كما قالت متحدثة باسم الامم المتحدة إنها كانت “خيبة أمل كبرى لجهود العالم لتقليل انبعاث الغازات الدفيئة وتعزيز الأمن العالمي”.

 

كما لازالت تداعيات الخروج من الاتفاق النووي مع ايران تؤثر على مصداقية الولايات المتحدة نفسها في عقد الاتفاقات ، وهو ما جر البيت الأبيض إلي مواجهة مفتوحة مع ايران ، اثارت انتقاد اقرب المتحالفين معه ، وهو ما رصده مراقبون موالون له مؤكدين أن قرار ترامب ” يصب فى مصلحة المتشددين في طهران مع ابتزاز أوروبا لانتزاع امتيازات اقتصادية .

 

ويرى مراقبون أن طهران بعد قرار ترامب لن تخسر شئ، حيث لديها تجربة قاسية فى تحمل العقوبات والالتفاف عليها، ويعلمون جيدا الإجراءات التى تمكنهم من ذلك، وهو كذلك ما أكده النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية فى مجلس الدوما الروسى، ديمترى نوفيكوف، حيث وصف القرار الأمريكي بأنه يصب في صالح طهران وضد أمريكا ، فهو يعطي إيران من الناحية النظرية حرية التصرف، بما فى ذلك إمكانية تطوير أسلحة نووية وتنفيذ البرامج المعنية”.