العدسة – ياسين وجدي:

لم ينجح الانقلاب المباشر ، فانطلقت محاولة جديدة للانقلاب ضد مباديء ثورة “بوعزيزي” في تونس الخضراء تحت لافتة الحريات ، فصدر تقريرا يتعارض مع الدستور التونسي والقيم السماوية الراسخة والاخلاقية .

هكذا يرى المراقبون المنحازون لمباديء الثورة المشهد التونسي الساخن يوما بعد يوم في مواجهة الشذوذ الذي أعلن تدشين انقلابا علي ارادة الشعب هناك.

“العدسة” يرصد أجواء المشهد المتوتر، ويستشرف أبعاد المؤامرة الجديدة ضد الثورة التونسية من باب البعد الثقافي الديني، والتي تدور شكوك كثيرة حول وقوف الامارات حولها.

التقرير الكارثة !

سقط “تقرير لجنة الحريات والمساواة” التي شكلها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بمقتضى أمر رئاسي رقم (111 لسنة 2017) ا في 13 أغسطس 2017م من السطر الأول بالضربة القاضية، وكشف عن انقلاب بحسب مراقبين ، حيث خالف دستور 2014، وقدم بعض المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتوجّهات المعاصرة ، ورفض قانون الاعتداء على المقدسات؛ بزعم جاء نتيجة ضغط منظمة المؤتمر الإسلامي إثر اعتداءات 11 سبتمبر، واعتبرته ساهم في “توتير الأوضاع في العالم”، واستنكر ادانة الملحدين واللادينيين وتجريم التكفير.

اللجنة كذلك ترى ضرورة حماية الحياة الخاصة للشواذ واباحة اللواط والمساحقة من الدولة ومن الأفراد، مع ضرورة التوقف عن معاقبة المجاهرة بالفحش أو التعدي على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة أو مضايقة الناس بما يخل بالحياء، وطالبوا بالغاء عبارة “مسلمين” من المجلة الجزائية، والغاء قرار وقف بيع الكحول للتونسيين المسلمين، مع الاكتفاء بتغريم من اتي عملا جنسيا أمام الناس أو كشف اعضاءه التناسلية ، وتدعم الزنا والممارسات خارج اطار الزواج، كما تقر اللجنة ضرورة إلغاء ما تراه تمييزاً في المواريث، وإلغاء عدة المرأة المتوفى زوجها أو المطلقة.

التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة” في تونس قالت من جانبها : إن مقترحات التقرير هي “في مجملها قوانين هادمة للأسرة ومخلّة بتعاليم الدين الإسلامي، وتتعارض مع ما ورد في توطئة الدستور، علاوة على أنها تبيح الشذوذ، وتلغي القوامة، وتحرم المرأة حقها الشرعي في النفقة”.

انقلاب متكامل الأركان

لم يخف انصار “تقرير الشذوذ” نواياهم الحقيقة من انه تدشين لثورة يرى كثيرون أنه انقلاب على مباديء ثورة بوعزيزي ودستور تونس ، حيث وصفت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة، التقرير بـ “الثوري”، وحذرت من تجييش الشارع ضده .

الحقوقي العضو السابق للمكتب السياسي للحزب الجمهوري أحمد فرحات حمودي اعتبر  التقرير ثورة جديدة بحسب زعمه ، وقال في تصريحات صحفية : ” هذا التقرير أعتبره بالفعل ثورة اجتماعية ثانية بعد مجلة الأحوال الشخصية الصادرة سنة 1956، وبداية لعصر جديد وجيل جديد من الحريات والحقوق،  يكسر تابوهات كان الحديث حول المحرمات “.

تفاصيل المؤامرة الجديدة ، رصدتها حركة النهضة جيدا ، واعتبر نائب الحركة في البرلمان ، ناجي الجمل،”، أن رئيس البلاد  أعاد تونس إلى مربّع صراع الهويّة وكأن مشاكل تونس الاقتصادية والتنموية قد حُلَّت، مشيرا إلى أن النهضة كانت الأولى في نتائج الانتخابات سنة 2011 وهي الأولى أيضا بعد التصدعات التي حدثت سنة 2015، لكنها لم تشأ الاقتراب من مجلة الأحوال الشخصية التي تؤسس لجملة من الحقوق التي تتمتع بها المرأة التونسية، رغم تحفظاتها على بعض المضامين.

زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، حسم التكهنات بتأكيد المؤامرة ، موضحا أن هناك متآمرين يعملون لإجهاض الثورة ببلاده، واصفا الثورة في تونس بأنها تمثل آمال المسلمين وخطتهم وحلمهم بالنهوض، وبين أن تونس لم تطلق الثورات فقط، وإنما تمكنت من الحفاظ على ثورتها إلى الآن فيما أكد أن الشباب قاموا بإسقاط النظام الدكتاتوري (نظام بن علي)، وأسسوا نظاما ديمقراطيا يليق بالقيم الإسلامية.

ولم تكن حركة النهضة وحدها من دقت طبول الخطر ، حيث أكد الأمين العام لحزب التيار الشعبي التونسي زهير حمدي  أن الجدل المتصاعد حول التقرير قد “يؤدي بالبلاد إلى حالة من الاستقطاب الخطير الذي كان سائدًا في عام 2011، وأن تصبح المعركة بين مُدافعين عن الدين ومعادين له، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا يهدد الاستقرار والمجتمع، خاصة أمام دعوات التحريض والفتنة”.

الغرض مما يحدث وفق مراقبون حشر حركة النهضة في الزاوية، بعد ان أحال المبادرة التشريعية إلى البرلمان وجعل النهضة بين خيارين، إما أن تُوافق على المساواة وتخسر قواعدها، أو ترفض وتقع في إحراج مع المجتمع الدولي.

أصابع الامارات !

بحسب المراقبين ، تقف الامارات كثيرا خلف محاولات الانقلاب التي تتحدى ثورة الياسمين ، بهدف اسقاط حركة النهضة ، وآخرها ما كشفه موقعموند أفريكالفرنسي، عن محاولة “انقلاب” فاشلة على النظام السياسي القائم في تونس، خططت لها الإمارات للسيطرة على البلد عبر إزاحة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، وإقصاء حركة “النهضة”.

وبحسب الموقع إن وزير الداخلية المُقال “أخطأ التقدير حين بلغ به الكبرياء حدّ الاعتقاد أنه سيصبح قائد اللعبة السياسية في تونس بفضل أصدقائه الإماراتيين”، مضيفاً أنه من ضمن أولويّات الخطّة الإماراتية أيضاً: “التخلّص نهائيّاً، أولًا وقبل كل شيء، من حركة النهضة”، والتي حلّت أولًا في الانتخابات التشريعية التي أعقبت ثورة الياسمين، وتنخرط اليوم ضمن تحالف الحكم في تونس”.

مخطط الفتنة الدائر في تونس ، تكررت ذات تفاصيله برعاية اماراتية مبكرة في مصر، ما يرجح شكوكا تتزايد عن وقوف الامارات وراء فتنة تونس الحالية ، حيث دشن موالون لها معارك الهوية في مصر عقب ثورة 25 يناير وتحديدا في جولة استفتاء  مارس 2011 ، حيث طرحت قضية الهوية أولا وأثارت انقساما بين الثوار في مصر ، حتي ساهمت في تطور الخلافات واحداث أول شرخ فى جدار الثورة وصولا للمشاركة في تمرير البعض لانقلاب 3 يوليو 2013 وفق ما يرى كثيرون.

ما يعزز الشكوك في وقوف الامارات وراء هذه الجولة ،بحسب البعض، تصريح  سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة علي خلفية فرض الحصار على قطر، حيث أكد أن الخلاف مع الدوحة ليس دبلوماسيا بقدر ما هو خلاف فلسفي حول رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط، فنحن نريد للشرق الأوسط بعد عشر سنوات حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة.

اعلاميا ، كشفت المنصات الاماراتية الرسمية تبني ابوظبي للمؤامرة الجديدة ضد ثورة الياسمين ، وبحسب تحليل مضمون مبدئي اجراه (العدسة ) ، فقد كشفت السياسية التحريرية لصحيفة البيان الاماراتية الرسمية عن دعم كامل للتقرير المشبوه والحراك المناهض للقيم وحركة النهضة في تونس، وهو ما تكرر في منصات أخرى اماراتية.

وفي تقرير لصحيفة البيان تحت عنوان : “السبسي: سنعرض قانون المساواة في الميراث على البرلمان” ابرز التقرير ما اسماه ” احتشاد الآلاف وسط العاصمة لدعم الإصلاحات” في اشارة الى مقترحات اللجنة المشبوهة ، فيما حجب أي ردود أفعال مناهضة للتقرير ومفندة له خاصة من جانب حركة النهضة التي تحظى بنسب تشويه عالية في المجلة.

في نفس التوجه ، وصفت صحيفة الاتحاد الاماراتية في تغطية لها للتقرير المشبوه بأنه ” مشروع إصلاحات اجتماعية واسعة وغير مسبوقة تتناول خصوصاً المساواة في الإرث وإلغاء عقوبة الاعدام وغيرها من القضايا الحقوقية المثيرة للخلافات في البلاد”، فيما أبرزت الصحيفة اللجنة بشكل ايجابي في تغطيتها مؤكدة أنها تضم مجموعة من الخبراء لإعداد مقترحات إصلاحات اجتماعية تنسجم مع ما ورد في دستور 2014 على صعيد الحريات الفردية بحسب زعمها، وهو ما يؤكد وجود تعليمات مسيسة وفق ما هو معروف عن الصحافة في الامارات.