كتب- باسم الشجاعي:
تطورات متسارعة تشهدها القضية الفلسطينية الأونة الأخيرة؛ حيث تشهد العاصمة المصرية “القاهرة”، اجتماعات مكثفة هذه الأيام، لبحث ملف المصالحة الفلسطينية والتهدئة بين المقاومة و”إسرائيل”.
اللقاءت الأخيرة التي تجري على الأراضي المصرية تشير إلى أن القاهرة قد حصلت ضوء أخضر لتجاوز الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، لانقاذ المصالحة الفلسطينية والتهدئة مع “إسرائيل” بعد محاولات تجميدها المتعمدة من قبل “أبو مازن”.
وهو ما دفع البعض للتساؤل حول مايدور في الكواليس التي دفعت مصر لتجاهل “عباس” في المفاوضات التي تجيريها بين “إسرائيل” والمقاومة، وهل هذا الأمر تم يإيعاذ من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود مايعرف بـ”صفقة القرن”، ولماذا تريد دولة الاحتلال توقع هدنة مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الآن، ولماذا يقف “محمود عباس” سدا أمام اتفاق التهدئة الجديد؟
توتر غير مسبوق
استبعاد الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، من المفاوضات التي تجرى حاليا في القاهرة، ربما ترجع للتوتر الواقع بين “أبو مازن” وقائد الانقلاب والرئيس المصري الحالي “عبد الفتاح السيسي”، بحسب ما كشف موقع “العربي الجديد“، مطلع الشهر الجاري.
ونقل “الموقع” على لسان مسؤول فلسطيني (لم يسمه) قوله إنّ السلطات المصرية راجعت الرئاسة الفلسطينية بشأن ما وصل إليها من تهجّم “عباس” على “السيسي” في أحد اللقاءات الداخلية الخاصة في حركة “فتح”، ووصفه بألفاظ لم يعتد عليها “أبو مازن”، منها وصفه بقائد “الانقلاب”.
“المسؤول” ذاته كشف عن أن الورقة المصرية للمصالحة، التي راعت شروط ومطالب حركة “حماس” كانت أيضاً عاملاً لتأزيم العلاقة بين الطرفين، التي لم تصل إلى حدّ القطيعة الكاملة، لكنها ليست طبيعية، ولم يكن متوقعًا أن تصل إلى التوتر الحالي.
ولعل ذلك يوضح سبب غياب وفد حركة “فتح”، في اجتماع الفصائل الفلسطينية المنعقدة في العاصمة المصرية القاهرة، لبحث ملفات التهدئة والمصالحة.
فقد طلبت مصر إيفاد وفد من حركة فتح للتوصل إلى اتفاق تهدئة مع “إسرائيل” وبحث ملف المصالحة، لكن السلطة الفلسطينية طلبت تأجيل الزيارة إلى ما بعد عيد الأضحى بدعوى استمرار جلسات المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله.
تجاهل “عباس”
وردا على ما قام به “عباس”، لم يلتقِ رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء “عباس كامل”، بالرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، والتقى برئيس الحكومة الإسرائيلية، “بنيامين نتنياهو”، في “إسرائيل”، وذلك خلال الزيارة التي قام بها المسؤول المصري للأراضي المحتلة.
وتأتي تحركات “كامل” الأخيرة لدى “إسرائيل”، لدعم التحركات المصرية الراعية لمشاورات التهدئة عبر حزمة تسهيلات بشأن الأوضاع المعيشية في قطاع غزة المحاصر.
وعلى يبدو أن هذه التحركات جاءت بعد أن حصلت مصر من الولايات المتحدة على ضوء أخضر، لتجاوز الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”؛ حيث يرى مراقبون أن القاهرة تريد ترويض ردة فعل السلطة الفلسطينية، وإقناعها بالاستمرار في مسار المصالحة، وعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها نسف ما تقدم في هذا الملف.
ماذا لوتمت “الهدنة”؟
رفض “أبومازن” لترؤس “فتح” اتفاق التهدئة المنعقد في القاهرة ليس فقط بسبب الخلاف المكتوم بينه وبين “السيسي”، ولكن جاء ردا أيضا على اقتراح الفصائل برفع العقوبات مقابل المشاركة.
فـ”عباس” يدرك أن نجاح مسار التهدئة يعني المسّ بشرعية تمثيله وتمثيل القيادة الحالية لمنظمة التحرير للشعب الفلسطيني، وهو ما يقلص من هامش المناورة المتاح أمامه في الساحة الدولية، وهذا ما يدفعه لوضع العراقيل المختلفة لإحباط فرص المسار.
اللمسات النهائية
ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تعبأ لما يقوم به “عباس”؛ حيث يبدو أن الأمور تسير نحو “التهدئة”؛ حيث كشف مصدر أمني مصري عن أن القاهرة بدأت في وضع اللمسات النهائية لبنود هدنة طويلة الأمد بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بحسب ما أوردت وكالة “رويترز”.
ومن شأن التوصل إلى هدنة طويلة الأمد التمهيد لإجراء محادثات بشأن قضايا أخرى بما يشمل تخفيف الحصار الذي قوض اقتصاد القطاع ومبادلة محتملة لأسرى فلسطينيين مقابل رفات جنديين إسرائيليين.
فقد حسمت الفصائل الفلسطينية المجتمعة في مصر أمرها بالموافقة على اتفاق التهدئة مع “إسرائيل”؛ حيث اتفقت على أن يكون العام الأول من اتفاق التهدئة بمثابة “اختبار حسن نوايا”، وأن يتم البدء بشكل عاجل في رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة، وفتح المعابر وتوسيع دائرة الصيد وإقامة ميناء بحري للقطاع، مقابل وقف مسيرات العودة وإطلاق البالونات الحارقة، وخلال هذا العام يتم إبرام صفقة تبادل أسرى بين “حماس” و”إسرائيل”.
وفيما يوحي بأن إقرار اتفاق الهدنة ينتظر التصديق عليه رسميا من قبل سلطات الاحتلال، ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية “الكابينيت”، صادق مبدئيا على بعض البنود الرئيسية لاتفاق التهدئة، وهي: “وقف إطلاق نار شامل وفتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد ومساعدات طبية وإنسانية وتبادل أسرى ومفقودين وترميم بنية تحتية واسعة النطاق في القطاع بتمويل أجنبي، ومحادثات حول ميناء ومطار”.
“التهدئة” المقترحه بين دولة الاحتلال والمقاومة، ربما توفر حلولاً لبعض المشاكل الاقتصادية والإنسانية التي يواجهها قطاع غزة، ولا سيما مشاريع تطوير قطاع الطاقة، الصحة، المياه، إلى جانب إدخال البضائع لقطاع غزة وتحسين حرية الحركة عبر معبر رفح.
فقد دخلت خلال الأيام الماضية للمرة الأولى بعد غياب دام لأسبوعين شاحنات تقل وقودا ومواد بناء والكثير من السلع التي منعت “إسرائيل” دخولها للسكان، كما سمحت السلطات الإسرائيلية لصيادي غزة بالإبحار بشكل أعمق في البحر، والوصول إلى مسافة تسعة أميال بحرية بدلا من ثلاثة أميال.
فرص نجاح محدودة
لكن في المقابل، فإنه من الصعب أن يحل مسار التهدئة المشاكل الناجمة عن الإجراءات العقابية التي فرضها رئيس السلطة “محمود عباس” على قطاع غزة، والتي تضمنت تقليص رواتب الموظفين التابعين لحكومة رام الله في قطاع غزة بنسبة 50 في المائة، وتقليص الموازنات التشغيلية للوزارات والدوائر المختلفة.
ومما يفاقم الأمور تعقيدًا أن “عباس” يمكن أن يلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة، في مسعاه لإحباط مسار التهدئة الجديد، مثل توقف السلطة عن دفع الرواتب وتقديم الموازنات التشغيلية بشكل مطلق.
اضف تعليقا