العدسة: محمد العربي

تساؤلات عديدة تطرح نفسها حول موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “أبو مازن” من اتفاق التهدئة التي تسعى مصر لإقراره بين فصائل المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس، والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو.

عباس الذي لم يوجه سهامه على عدوه الإسرائيلي، كانت كل تهديداته ضد أبناء شعبه في قطاع غزة، تارة بقطع الرواتب وأخرى بفرض عقوبات على القطاع المحاصر والذي يعتبره أبو مازن متمردا ومنشقا، إلا أن الحقائق التي بدأت تتكشف خلال الساعات الماضية تشير لحقيقة موقف أبو مازن الذي استخدم كل أسلحته التشريعية والتنفيذية لإجهاض أي اتفاق للتهدئة.

طي الصفحة الأخيرة

موقع “المونيتور” الإسرائيلي كشف في تقرير مطول نشره السبت 19 أغسطس الجاري حول ملف التهدئة التي تتولاه مصر وترعاه الأمم المتحدة، كشف عن الأسباب التي جعلت أبو مازن يمارس ضغوطا عديدة لإجهاض الاتفاق، أهمها كما كشف الموقع الإسرائيلي هو أن عباس يشعر بالقلق على مكانته بعد دخول غريمه في حركة فتح محمد دحلان كلاعب أساسي في تمرير الاتفاق.

ونقل الموقع عن مقربين من دحلان بأن ما يمنع أبو مازن من قبول اتفاق المصالحة، وأن يكون جزء من اتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل قضايا شخصية وليست قضايا مبدئية، والمعارضة الشديدة لأبو مازن نابعة من أن دحلان لعب دوراً في المفاوضات بين مصر وحركة حماس، وهذا ما أوصله لدرجة الغليان

وطبقا للموقع الإسرائيلي فإن أبو مازن يرى في دحلان عدوه اللدود، ورغم طرده من الضفة الغربية، وفصله من حركة فتح، فإن معظم جماعة دحلان يعيشون في قطاع غزة، التي لجئوا إليها بعد أن شعروا أنهم ملاحقين في الضفة الغربية، وعودتهم كانت بعد المصالحة التاريخية بين حماس ودحلان، كما كان دحلان وسيط بين مصر وحماس بعد أن اعتبرها السيسي حركة خارجة عن القانون بسبب علاقاتها مع الإخوان المسلمين.

وأكدت المصادر ذاتها أن أبو مازن يرى أن القاهرة بدأت تطوي صفحته مقابل بزوغ نجم دحلان الذي يتمتع بعلاقات قوية مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد صاحب الكلمة المسموعة لدى رئيس الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، وطبقا للموقع فإن عزام الأحمد ممثل أبو مازن في المباحثات مع حركة حماس، أكد له أن رئيس جهاز المخابرات المصرية على تواصل مستمر مع دحلان وأنه يتشاور معه بشكل مستمر.

ويرى المتابعون لمجريات الأحداث أن القاهرة التي حاولت إقناع أبو مازن بالدخول ضمن إطار التهدئة بإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني، باتت على قناعة بأن أبو مازن لم يعد ذو جدوى خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل إصراره على إفشال كل الجهود التي تقوم بها القاهرة للتهدئة بين الطرفين المتحاربين بشكل واقعي وهما حماس والحكومة الإسرائيلية، وانطلاقا من ذلك فإن أبو مازن بات خارج حسابات القاهرة، وكذلك حسابات إسرائيل، وبالتالي خارج الحسابات الأمريكية والأوروبية، وهو ما يبرر موقفه الرافض لإتمام التهدئة واشتراطه بأن يكون هو صاحب التوقيع على التهدئة نيابة عن الفصائل الفلسطينية باعتباره الممثل للشعب الفلسطيني من خلال مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية التي يسطير عليها أبو مازن.

تهديدات واطروحات

حكومة أبو مازن كانت واضحة في تهديدها للقطاع في حال إبرام إتفاق منفرد للتهدئة مع إسرائيل، حيث صرح مسئول بالسلطة لموقع “ريشت كان” العبري أن محمود عباس سيوقف ميزانية قطاع غزة بالكامل إذا تم توقيع اتفاقية بين إسرائيل وحماس، وأضاف المسئول “في اليوم التالي لمثل هذا الاتفاق سنوقف على الفور تحويل 96 مليون دولار كنا نرسلها إلى غزة كل شهر، ونحن لسنا صراف مالي، وإذا وقعت حماس اتفاقات مع دول فعليها تحمل المسؤولية كاملة.

هذه التهديدات اعتبرتها حماس غير ذات جدوي، خاصة وأن السلطة كثيرا ما استخدمت هذه الورقة ضد القطاع، بالإضافة إلي أن الأطراف المعنية برعاية التهدئة سوف تقوم بتعويض ما سيتم خصمه من قبل السلطة التي تخضع في الأساس لتحكم الحكومة الإسرائيلية والمعونات الدولية.

وطبقا لمحللين فلسطينيين فإن تهديد أبو مازن يهدف في الأساس لفصل غزة عن الجسد الفلسطيني، وفي حال نفذ تهديداته فإنه يفرض واقعا جديدا سوف يعيد ترتيب أوراق القضية الفلسطينية مرة أخري، وهو ما يمثل ضغطا مباشرا علي حماس أو إن جاز التعبير فإن حماس سوف تكون أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو المضي في إتمام اتفاق التهدئة دون الالتفات لتهديدات أبو مازن، وهو ما يعزز فصل القطاع عن الضفة ويؤثر سلبا علي القضية الفلسطينية المركزية، أم الخيار الثاني فهو أن تقبل حماس بشروط أبو مازن حرصا علي عدم تعميق الإنفصال، وبالتالي سوف تقبل بلي ذراعها الذي يقوم به أبو مازن.

أين أبو مازن؟!

ويطرح فريق من المتابعين تساؤلا عن الأدوار التي لعبها أبو مازن قبل ذلك في إنهاء الحروب التي جرت بين المقاومة في القطاع وبين إسرائيل، بدءا من حرب 2007/2008، ومرورا بحروب 2012 ثم 2014 وأخيرا المواجهات التي جرت قبل أيام بين الطرفين والتي لم يكن لأبو مازن أي دور في إنهائها أو المساهمة في وقف معاناة أبناء القطاع الذين يواجهون الحصار منذ 2006، وكان أبو مازن أحد الشركاء الرئيسين فيه.

وتساءل نفس الفريق عن موقف أبو مازن من اتفاقيات التهدئة السابقة بين الاحتلال والمقاومة وخاصة 2014 التي تعد هي الورقة الرئيسية للاتفاق الجديد، ولماذا لم يصر في الاتفاقيات السابقة بأن يقوم بالتوقيع نيابة عن فصائل المقاومة، وطبقا لهذا الفريق فإن أبو مازن يشعر بدنو أجله السياسي وبالتالي يستخدم كل أوراقه من أجل إنقاذ تاريخه السياسي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل غرفة العناية الحرجة، وهو ما يبرر فتح أبو مازن لخط اتصال بكل من تركيا وقطر، مقابل التهرب من الالتقاء بالمصريين، في محاولة مكشوفة لضرب “إسفين” يمنحه الحق في الوجود داخل دائرة الاهتمام الدولي والإقليمي وكسر العزلة التي فرضها علي نفسه وفرضها عليه كذلك اللاعبين الرئيسين في الملف الفلسطيني الساخن.

أمر واقع

علي جانب آخر بدأت القاهرة تتعامل مع أبو مازن بشيء من الملل والرتابة، حيث باتت القاهرة علي قناعة بأنه يقف حجر عثرة أمام تحقيق إنجازا سياسيا للسيسي يسعي إليه منذ فترة بما يفيد تهدئة الأوضاع علي الحدود الشرقية الساخنة لمصر، وما يؤكد ذلك التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أمنية مصرية لم تسمها، بأن القاهرة وضعت اللمسات الأخيرة على اتفاق هدنة طويلة بين إسرائيل وحماس، وأنها تسعي الآن لموافقة حركة فتح عليها، في ظل توقعات بأن يتم التوقيع عليها خلال الأسبوع المقبل.

وكشفت المصادر أن التهدئة ستكون لمدة عام قابلة للتمديد لأربع أعوام أخرى، وأن الأمور مرهونة الآن علي اللقاء الذي سيجمع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال الأيام القادمة، لإنهاء التشدد الذي تتعامل به السلطة مع الاتفاق المزمع إعلانه الأسبوع المقبل.

وطبقا لما تم الاتفاق عليه فإن التهدئة تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، مقابل فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد، علي أن يتم إدخال مواد طبية ومساعدات إنسانية، ومن ثم العمل على إجراء ترتيبات خاصة لحل قضية الأسرى والمفقودين الإسرائيليين بغزة، على أن تجري بعد ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية لغزة بتمويل أجنبي، ثم إقامة مشروعات كبيرة من بينها المطار والميناء، من خلال فتح ممر بحري من غزة إلى قبرص تحت إشراف إسرائيلي.