كتب- باسم الشجاعي:
على الرغم من مشاركة الأردن في الحصار المفروض على قطر مِن قِبل الرباعي العربي “الإمارات والسعودية والبحرين ومصر”، إلا أن الدوحة منذ اللحظات الأولى للأزمة الخليجية لم تتخلى عن دعم عمان، وخاصة في أزمتها الاقتصادية التي شهدتها منتصف العام الجاري، وذلك على عكس ما تفعله دول الحصار مع عمان.
فقد تعهدت قطر بتقديم دعم اقتصادي للأردن ربما يكون الأكبر خليجيا، على الرغم من أن الدوحة لم تشارك في قمة مكة المكرمة التي انعقدت يونيو الماضي لبحث سبل دعم الاقتصاد الأردني، وهي القمة التي شاركت فيها كل من السعودية والإمارات والكويت إلى جانب الأردن.
وأعلنت وزارة الخارجية القطرية، آنذاك، عن توفير 10 آلاف فرصة عمل لعمال أردنيين في قطر، كما قررت استثمار 500 مليون دولار أمريكي في مشاريع البنية التحتية والسياحة في الأردن، الأمر الذي كان من شأنه إنعاش الاقتصاد الأردني.
بتوجيهات من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى دولة قطر تتعهد بتوفير ١٠ آلاف فرصة عمل في دولة قطر لشباب وشابات المملكة الأردنية الهاشمية بالإضافة إلى استثمار ٥٠٠ مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في الأردن الأمر الذي من شأنه إنعاش الاقتصاد الأردني
— أحمد بن سعيد الرميحي (@aromaihi) June 13, 2018
ورغم كل هذا الدعم إلا أن عمان ماتزال مستمرة في المشاركة في الحصار المفروض على قطر رغم خسارتها الاقتصادية ، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات، عمّا إذا كان القرار أردنيا خالصا، أم أنه جاء بإيعاز وضغط خارجي، ولماذا تقبل الأردن بأن يكون قرارهم رهن إشارة دولٍ أخرى كـ”السعودية والإمارات”.
هل تورط الأردن؟
يبدو أن الأردن زُجّ به في الأزمة الخليجية، وهو ما ظهر من خلال مشاركتها؛ حيث قامت بتخفيض نسبة التمثيل الدبلوماسي القطري لديها وإغلاق مكتب قناة الجزيرة الفضائية وسحب ترخيصها، على عكس الرباعي العربي الذي قام بحصار بري وبحري وجوي.
فعملية تخفيض المستوى الدبلوماسي لا يعني قطيعة بكل الأحوال، أما إغلاق مكتب قناة “الجزيرة” الفضائية فيبدو أنه الخطوة الفعلية الوحيدة المطلوبة عمليا من الحكومة الأردنية بصورة مباشرة ودون مواربة، وهو ما يأتي أصلا على هوى الحكومة.
ولعل الأردن اختارت تلك الطريق، بسبب المصالح الاقتصادية العميقة التي تربطها مع قطر؛ حيث أن الاستثمارات القطرية في عمان تبلغ 1.6 مليار دولار حسب تصريحات سابقة للسفير الاردني في الدوحة “زاهي الصمادي”، بالإضافة إلى تبادل تجاري يبلغ حجمه 400 مليون دولار سنويا بحسب أرقام غرفة صناعة الأردن.
وبالإضافة للاستثمارات القطرية في الأردن والتبادل التجاري، لا يمكننا أن ننسى مصير أكثر من 47 ألف أردني يعملون في قطر، ولن يكون السوق المحلي قادرا على تحمّل عودتهم في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة والديون التي تعاني منها عمان.
وانعكس الحصار المفروض على قطر على أسعار الواردات الأردنية من قطر؛ حيث زادت بنسبة 20%، ما يعني استمرار ارتفاع الأسعار، لأن الأردن لا تمتلك مسارات بديلة لعملية الاستيراد والتصدير.
وهو ما يؤكد فرضية أن مشاركة الأردن في حصار قطر جاء تحت ضغط خارجي؛ حيث أن الرياض وأبوظبي، دائما ما يعملان على تأجيج الأوضاع في عمان كما حدث الشهر الماضي، وكما حدث أيضا في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت مطلع العام الجاري والتي أدت حينها إلى كل من “فيصل بن الحسين” و “علي بن الحسين” و”طلال بن محمد”، وهو ما رصدناه في تقرير سابق.
دوامة المؤامرات السعودية الإماراتية
الضغوط الإماراتية السعودية على الأردن لم تكتفي بالزج بها في حصار قطر وإنما الهدف الأكبر منها هو إرغامها على القبول ببنود “صفقة القرن”
وفي حال رفض الأردن لـ”صفقة القرن” أو الخروج من تحت عباءة الإمارات والسعودية، فلن يكون أمامها سوا خيار الدخول في دوامة من المؤامرات التي تحاك ضدها.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية؛ كشفت في وقت سابق أن “السعودية والإمارات”، كان لهما دور في تصاعد الأحداث والاحتجاجات التي عمت الأردن بسبب مشروع قانون ضريبة الدخل، منتصف العام الجاري.
ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل في أواخر يناير الماضي اعتبر الملك “عبدالله” أن جزءً من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلاده يعود إلى الضغط المطبق عليها بسبب مواقفها السياسية، وقال إن “رسائل وصلتنا مفادها امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم”.
الصديق اللدود والمتهم الأول
فعلى الرغم من دعوة السعودية لقمة مكة لدعم البحرين في أزمتها الاقتصادية، وإعلانها دعم عمان ماليا، ليظهر الملك “سلمان” على أنه المنقذ للأردن من أزمتها، إلا أن الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” كشف عكس ذلك.
“هيرست” قال في أحد مقالاته “كان الملك “عبد الله” قد أرسل مبعوثًا له إلى الكويت قبل أن تنفجر المظاهرات في الشوارع الأردنية احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وعلى خطة لزيادة ضريبة الدخل، ونتيجة لذلك تعهدت الكويت بإيداع 500 مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني ووعدت بإعطاء الأردن 500 مليون دولار أخرى على شكل قروض بفوائد منخفضة.
وأوضح هيرست أنه بمجرد أن طلت الأزمة الاقتصادية الأردنية برأسها طرقت قطر أبواب عمان؛ حيث اتصل أميرها الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” بالملك “عبد الله” وعرض عليه دعمًا ماليًا قطريًا كبيرًا، وأنه لم يجري الإعلان عن تلك المكالمة الهاتفية بناء على طلب الأردن، الذي كان ما يزال يأمل في أن تبادر المملكة العربية السعودية بشيء من طرفها، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تهب لنجدة الأردن بحزمة مساعدات قيمتها 2.5 مليار دولار، رغم أن الملك سلمان كان يرغب جدًا في أن يبدو الأمر كما لو أن المساعدة جاءت من طرفه.
وتبعًا لذلك ساد الديوان الملكي الأردني شعور بالخيبة من تصرف “سلمان”؛ لأن الأردن كان قد تلقى فعلًا مليار دولار من الكويت، وكان الأردنيون يتوقعون أن يأتيهم من المملكة العربية السعودية ما هو أكثر من ذلك، وخاصة أن السعوديين توقفوا عن تمويل الأردن لمدة عامين.
وعلى مايبدو أن الرياض رفعت في وجه عمّان شعار “يجب الاعتماد على الذات”؛ حيث أظهرت بيانات أردنية رسمية تراجُع حجم المساعدات السعودية للأردن خلال عام 2017؛ إذ بلغت 165 مليون دولار، في حين كانت 474.3 مليون دولار في عام 2015.
متى ترد الأردن الجميل لقطر؟
المثير للدهشة أنه رغم ما يحاك ضد الأردن مِن قِبل الإمارات والسعودية، إلا أن الأردن مازالت تستمر في سياسة مسك العصا من المنتصف، ولم تلغي قرارتها الخاصة بقطر.
ولكن على الجانب الأخر حاولت الأردن كسر جمود العلاقات مع قطر، و بدا ذلك مبكرا، ففي 7 ديسمبر 2017، تواصل العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني” هاتفيا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان بشأن قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”.
وفي 14 من نفس الشهر هنأ العاهل الأردني الأمير تميم بالعيد الوطني لاستقلال بلاده، وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” حينها إن الملك “عبد الله” قدم “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنيا للأمير تميم موفور الصحة والعافية وللشعب القطري مزيدا من التقدم والازدهار”.
كما تصاعدت محاولات كسر الجمود بشدة، ففي مارس الماضي، وقّع 45 نائبا في مجلس النواب الأردني (أكثر من نصفه) مذكرة نيابية تطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة.
وفي ذات الشهر، استقبلت غرفة تجارة وصناعة قطر وفدا اقتصاديا أردنيا برئاسة رئيس غرفة تجارة الأردن ورئيس اتحاد الغرف العربية، “نائل الكباريتي”، وناقش الطرفان، السبل الكفيلة بتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وإمكانية إقامة مشروعات مشتركة.
ويبدو أن هذا التوجه الأردني لم يكن وليد اللحظة لكنه بمثابة رد فعل تجاه الأفعال التي اتخذتها دول حصار قطر خاصة السعودية والإمارات ضد مصالح عمان، الأمر الذي يفسر كون محاولة العودة لأحضان قطر مجرد مكايدة سياسية أردنية بوجه رباعي الحصار، وعليه يبقى التساؤل الآن: “متى تنتهي سياسية مسك العصا من المنتصف وترد الأردن الجميل لقطر”.
اضف تعليقا