كتب- باسم الشجاعي:

على عكس ما يحاول نظام عبدالفتاح السيسي الترويج لنجاح العملية العسكرية الشاملة التي أطلقها الجيش في فبراير الماضي تحت اسم “سيناء 2018″، واقتراب نهاية تنظيم “ولاية سيناء” الموالي للدولة الإسلامية، وعودة الحياة لشمال سيناء، تبدو الصورة أكثر قتامة، خاصة بعد الهجوم الأخير الذي وقع على نقطة تفتيش أمنية بمدينة العريش.

ومازاد الطين بله، إعلان وكالةأعماق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، “داعش”، “الأحد” 26 أغسطس، مسؤوليتها عن هجوم مسلّح على نقطة التفتيش، والذي سقط خلاله 15 جنديا بين قتيل وجريح.

ويعد الهجوم الأكبر من نوعه، منذ بدء العملية الشاملة العسكرية في سيناء المعروفة إعلاميا باسم “سيناء 2018″، التي تعتبر الأكبر للجيش المصري منذ حرب أكتوبر 1973؛ حيث دخل هناك 5 أضعاف القوات المسموح بإدخالها وفق اتفاق كامب ديفيد مع “إسرائيل”.

تضارب معلوماتي

ويتناقض بيان تنظيم الدولة الإسلامية مع ما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في البلاد “أ. ش. أ”، يوم 25 أغسطس أن قوات الشرطة المصرية أحبطت هجوما على نقطة تفتيش أمنية غربي مدينة العريش وقتلت أربعة مسلحين بينما فرّ آخرون.

وبحسب ما نشرته وكالة “أعماق” الناطقة بلسان حال التنظيم، فإن مسلحي “ولاية سيناء” استهدفوا حاجز الكيلو 17 غرب العريش -دون أن تورد أي دليل أو تفاصيل عن عدد المشاركين في الهجوم-، وأسقطوا 15 جنديا.

إلا أن الوكالة الرسمية المصرية “أ. ش. أ”، نقلت عن مصدر أمني (لم تسمه) قوله إن قوات الشرطة تصدت “لمجموعة إرهابية” هاجمت نقطة التفتيش الأمنية وقتلت أربعة منهم وفر الباقون.

كما لم تنشر صفحة المتحدث العسكري المصري على موقع “فيسبوك”، أيّ أخبار تتعلق بالهجوم الأخير؛ حيث غالبا ما تنشر الصفحة صورا وفيديوهات تقول إنها “لإرهابيين” قتلهم الأمن المصري.

وتعبر صفحة المتحدث العسكري فضلا عن البيانات الرسيمة الصادرة عن الشؤون المعنوية في الجيش المصري، وتعتبر وكالة أعماق التابعة لتنظيم “داعش”، المصدر الوحيد للمعلومات الواردة من هناك؛ حيث يفرض النظام على العمليات في سيناء سياج من السرية التامة، بسبب منع وسائل الإعلام المستقلة من نقل ما يحدث على أرض الواقع.

وعن تقاصيل الهجوم، نقل موقعمدى مصر عن مصدر أمني (لم يسمه) قوله إن الهجوم بدأ بإطلاق قذائف “آر بي جي” على الكمين، واستهداف أحد أبراج المراقبة المتواجدة في مقدمة الكمين من ناحية الطريق الدولي، ثم محاولة تسلل عناصر ترتدي أحزمة ناسفة، “انغماسيين”، إلى وسط الكمين، وذلك بالتزامن مع إطلاق رصاص كثيف بأسلحة ثقيلة لتغطيتهم لاقتحام حرم الكمين، مستخدمين سيارات دفع رباعي.

رسائل الهجوم

تبني “ولاية سيناء” الهجوم الأخير في العريش يشير إلى أن التنظيم ما زال قادرا على القيام بعمليات عسكرية حتى لو كانت محدودة.

ولكن الهجوم له دلالة كبرى؛ حيث يعتبر “كمين الكيلو 17” أحد الارتكازات الأمنية الحصينة في شمال سيناء، ويقع فوق منطقة رملية مرتفعة، ومزود بأبراج حراسة وكاميرات مراقبة.

وأسس الكمين في أوائل العام 2017 بعد ازدياد حوادث زرع العبوات الناسفة وتفجير الآليات الشرطية والعسكرية على الطريق الدولي “العريش- القنطرة”.

كما أن الهجوم يؤكد أن تراجع العمليات الفترة الماضية كان بمثابة استراحة وليست وفاة لجانب كبير من عناصر التنظيم، أو انهيارا في قواه الأساسية، ورسالة من قبل التنظيم تمهيد لمرحلة جديدة من العنف.

ماذا عن “العملية الشاملة”؟

وعلى مايبدو أن الهجوم الأخير جاء بعد فشل قوات الأمن المصرية في القضاء على تنظيم “ولاية سيناء” الموالي لـ”داعش” خلال العملية العسكرية الشاملة المتواصلة منذ 9 فبراير الماضي.

وظهرت بوادر الفشل مؤخرا من خلال ما تقوم به أجهزة الاستخبارات المصرية بمحاولة إغراء العاملين في صفوف التنظيم والمحيطين به بالأموال.

وحتى لاتظهر المخابرات في الصورة، نشرت صفحة “اتحاد قبائل سيناء” على موقع “فيسبوك”، والتي يديرها أحد الأفراد التابعين لرجل الأعمال السيناوي “إبراهيم العرجاني” بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، إعلانا عن جائزة مالية قدرها مليوني جنيه لمن يدلي بمعلومات عن أماكن وجود قيادات التتظيم.

وبعدها بعدة أيام نشرت الصفحة صورة لشخص يدعي “بلال البراهمة”، وكنيته “الدن”، وأرفقت بعض المقاطع المصوّرة قالت إنها اعترافات للقيادي في التنظيم أدلى بها، بعد أن تم القبض عليه في منطقة المزحلف التابعة لجنوب رفح والشيخ زويد.

ولكن لاتتوفر معلومات كافية عن “الدن”، غير إنه كان مطلوب سابق لقوات الأمن المصرية في قضايا عديدة في سيناء، وكان محكوما بالإعدام غيابيا قبل ثورة 25 يناير 2011.

السياسة الجديدة التي تنتهجها السلطات المصرية في الوصول إلى المطلوبين أمنيا من قيادات تنظيم “ولاية سيناء”، يشي بفشل القدرة الاستخبارية والعسكرية للأمن المصري في الوصول للمطلوبين.

كما يعتبر دليل قوي على فشل جديد للعملية العسكرية الشاملة، إذ إن القيادات الأولى للتنظيم ما زالت بعيدة عن يد الأمن، وتدير الهجمات المتواصلة في سيناء ضد قوات الأمن.

لماذا لايحسم الجيش المعركة في سيناء؟

هناك أسباب كثيرة وراء تأخر الجيش المصري في حسم معركته التي بدأها منذ أكثر من 6 سنوات من الصراع المسلح في سيناء، والعملية الشاملة التي انطلقت مؤخرا في 9 من فبراير 2018.

ومن أبرز تلك الأسباب ما كشفه التحقيق الاستقصائي الذي بثته قناة “الجزيرة” الفضائية، والذي حمل اسمه “سيناء.. حروب التيه“، عن وجود أعين لتنظيم “ولاية سيناء”  داخل الجيش المصري، ما يؤكد وجود خلل كبير في المنظومة الأمنية المصرية.

ولعل ذلك يفسر قدرة التنظيم في الوصل إلى العمق وإفقاد القوات المسلحة والشرطة المصرية قيادات من الصف الأول، ومحاولة استهداف وزيري الدفاع والداخلية في ديسمبر الماضي، أثناء زيارتهما لتفقد القوات والحالة الأمنية في مدينة العريش.