كتب- باسم الشجاعي:

تشهد محافظات جنوب العراق وخاصة البصرة، الغنية بالنفط، مظاهرات منذ مطلع الشهر الحالي “سبتمبر”، تطالب بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية؛ حيث خلفت تلك الاحتجاجات 11 قتيلا -حتى كتابه تلك السطور-، وأصيب عشرات آخرون، في أسبوع.

ويوما بعد يوم تتوسع الاحتجاجات في البصرة، على عكس السنوات الماضية، والتي كان أقربها في 2015، فالآن من المفترض أن تمنح الانتخابات التشريعة التي أفرزت البرلمان الجديد مؤخرا هدوء نسبيا واستقرارا داخليا في البلاد، وهو ما يثير العديد من التساؤلات على رأسها هل احتجاجات المحافظة الغنية بالنفط مشروعة، أم أن هناك جهات خارجية تقف وراء تأزم الموقف في العراق.

التربة شبه مهيأة

محافظة البصرة تعتبر هي رئة الاقتصاد العراقي؛ حيث إنها المنتج الأول للنفط في البلاد، وخيراتها كثيرة غير أنها لم تستفد من تلك الخيرات والعوائد المالية للنفط في حل مشكلاتها المتفاقمة منذ سنوات خاصة أزمة شح المياه والكهرباء ونقص الخدمات، لدرجة أن أكثر من 30 ألفا نقلوا إلى المستشفيات جراء التسمم من المياه الملوثة.

ورغم أن البصرة تمتلك موارد اقتصادية هائلة، إلا أن واقعها الحالي يعكس غير ذلك؛ حيث بلغت نسبة الفقر في المدينة ما يقارب 50% من عدد سكانها وفق ما أعلنه المجلس البلدي.

وهذا الرقم يعتبر من الأكثر ارتفاعا في العراق؛ حيث تصل نسبة السكان الذين يرزحون تحت خط الفقر 30% في عموم البلاد وفق ما أعلنته وزارة التخطيط العراقية.

ولعل ذلك بيبرر حالة الانفجار لدى أهل البصرة، التي ظهرت في شكل تظاهرات، التي تعد حقا مشروعا، طالما لايتجاوزوا حدود الاحتجاج السلمي.

ولكن مع قيام بعض المحتجين بأعمال شغب من اقتحام مؤسسات نفطية ومبان حكومية والاضرار بها، فضلا عن إحراق القنصليّة الإيرانية، ومحاصرة السفارة الأمريكية، في واقعة غير مسبوقة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، هو ما قد دفع بعض المسؤولين للقول بأن الاحتجاجات تقف ورائها أياد خفية.

 

واتهم رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، أياد خفية بالوقوف وراء تأجيج الوضع في البصرة، قائلا: “ما يحدث في البصرة تصعيد خطير تقف وراءه جهات تسعى إلى صبّ الزيت على النار باستخدام الاحتجاجات”، جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي له عقده، “الخميس” الماضي، 6 سبتمبر.

كما سبق، وأن قال محافظ البصرة “أسعد العيداني”، إن “الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تأججت بعد تحريض من أشخاص عبر صفحة فيسبوك، تدار من جنوب فرنسا، جاء ذلك في مقطع فيديو بثه ناشطون نهاية الشهر الماضي “أغسطس”، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

“المحافظ”، أشار -في المقطع الفيديو المتداول- إلى أن “ثمة صفحة تدار من جنوب فرنسا لتحريض (العراقيين) على المظاهرات.

ولايعرف بالضبط تاريخ الفيديو أو المناسبة التي تحدث فيها “العيداني“، الذي تولى منصب محافظ البصرة العام الماضي.

 

إيران طرف أصيل

ربما يوجد مندسين في أوساط المتظاهرين، ومدوعمين أيضا من جهات خارجية، ولكن في نهاية المطاف هذا الأمر لا يفعي الحكومية الحالية من المسؤولية عن الأوضاع المتدهور في البصرة وباقي محافظات العراق.

وهو ما قد يدفع بعض المتابعين للإشارة بأصبع الاتهام إلى دولة إيران، فطهران لا تكاد تغيب عن الأحداث العراقية الكبرى طيلة الخمس عشرة سنة الماضية؛ حث تعتبر هي صاحبة إطلاق شرارة الاحتجاجات، حين قررت طهران قطع الكهرباء على مناطق الجنوب العراقي.

وجاء قرار إيران بقطع الكهرباء عن العراق في شهر يوليو الماضي، وهو الفترة التي تتضاعف فيها الحاجة إلى الطاقة الكهربائية، بسبب موجه الحر الشديد التي تشهدها البلاد؛ حيث يصعب احتمال دارجات الحرارة دون تبريد أو حتى مروحة تحرك الهواء الساكن.

وينتج العراق 15.7 ألف ميجاوات من الكهرباء، ويستورد من إيران 1200 ميغاوات، فيما يحتاج إلى 23 ألف ميجاوات لضمان عدم انقطاع الكهرباء عن العراقيين والنتيجة هي 12 ساعة يوميا تمثل معدل انقطاع الكهرباء عن المحافظات العراقية.

قرار قطع الكهرباء ربما أعمق بكثير عن إثار الغضب وإشغال فتيل الاحتاجات، فالبنظر للمناطق التي قطع عنها التيار الكهربائي، تجدها في جنوب العراق تحديدا، وهي مناطق آبار النفط، مايعني أن أي عملية احتاجات أو أعمال شغب في تلك الحيز الجغرافي سيرباك إنتاج البترول وتصديره، الأمر الذي قد يحدث هزة في سوق النفط العالمية، وبالتالي توجيه إنذار للولايات المتحدة العازمة على خنق صادرات النفط الإيرانية، بأن طهران تمتلك أوراقا لإرباك السوق العالمية ورفع الأسعار إلى مستويات فلكية.

بعض المتابعين للشأن العراقي، ذهبوا إلى أن إيران تسعى أيضا لعرقلة العملية السياسية في مجملها وتصفية حساباتها مع رئيس الوزراء الحالي، “حيدر العبادي”، ولعل ذلك ما يفسر دعم قيادات الحشد الشعبي للحراك الاحتجاجي والتي ارتأت أهمية استثماره لممارسة مزيد من الضغط على “العبادى” وإجهاض محاولات التجديد له.

حرب نفوذ

وعلى إثر ذكر النفوذ الإيراني في العراق، لايمكن استبعاد الإمارات والسعودية من نظاق الحديث، فالرياض تشعر بالقلق دوما من النشاط الإيراني، خاصة مع صعود ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”.

وبدأت الرياض مؤخرا في استقطاب حلفاء عراقيين في مواجهة النفوذ الإيراني، وهو ماظهر خلال العام الماضي؛ حيث قام وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” بزيارة إلى العاصمة العراقية بغداد للمرة الأولى منذ 14 عاما، أتبعها رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” للمملكة تلبية لدعوة من الرياض، وما تلا ذلك من زيارات كان أهمها زيارة زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر”.

ولعل السعودية وجارتها الإمارات، يسعون للعلب في الحديقة الخلفية لإيران من خلال تلك الاحتجاجات، يتأجيج مشاعر الغضب الشعبي ضد إيران.

وهو مابدا ظاهرا من خلال إضرام المتظاهرين النار في القنصلية الإيرانية، فضلا عن بعض المقار الحزبية التابعة لنظام الملالي، التي أقدمت المحتجون على اقتحامها وحرقها، وتصاعدت هتافات “إيران بره بره”، وهو رأه البعض حركة عفوية بسبب التدخلات، التي زادت عن حدها كثيرا لإيران في الشأن الداخلي العراقي.

اللاعب الكبير

وبعيدا عن الدور السعودي الإماراتي الضعيف كما هو واضح من الصورة الحالية، يبقى اللاعب الكبير في المنطقة والعالم بأسره الولايات المتحدة الأمريكية التي تراقب عن قرب كل صغيرة وكبيرة تحدث في هذا البلد.

وعلى مايبدوا أن وشنطن التي فقدت كثيرا من نفوذها في العراق بعد توغل النفوذ الإيراني فيه، وجدت ضالتها في تأجيج الشارع العراقي، وذلك لاستثمار هذا الغضب الشعبي لإحداث تغير حقيقي في المنظومة الحاكمة في العراق، من خلال دعم انقلاب عسكري، بالتعاون مع أذرعها في المنقطة، ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، ونظيره الإماراتي الأمير “محمد بن زايد”، اللذان يبحثان عن موطأ قدم له في البلد الغنية بالنفط.

ومن المعروف لدى المتابعين للشأن العراقي، أن السنة تتولى رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة الحكومة، بموجب عرف دستوري متبع في البلاد منذ الإطاحة بنظام “صدام حسين”، في 2003.