العدسة: محمد العربي

كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة جلوبال فير باور الأمريكية المعنية بالشئون العسكرية، خروج مصر من قائمة العشرة الكبار للجيوش علي مستوي العالم عام 2018، واحتلالها المركز الثاني عشر متخلفة عن تركيا ومتقدمة علي إيران.

وقال التقرير إن مصر مازالت مشغولة في مواجهات داخلية متمثلة في مكافحة الإرهاب داخل أراضيها، بالإضافة للمشاكل الموجودة في منطقة الشرق الأوسط والتي تجعلها منطقة ساخنة علي الدوام.

ويأتي هذا التصنيف بعد قفزة طارئة للجيش المصري عام 2017 التي احتل فيها المركز العاشر عالميا، متقدما علي تركيا، بعد أن كان ترتيبه 14 عام 2016، و18 عام 2015، و13 عام 2014.

وطرح التصنيف المصري في الترتيب العالمي بين أقوي الجيوش عدة تساؤلات عن أسباب هذا التراجع، وهل فشل القوات المسلحة المصرية لإنهاء عمليتها العسكرية بسيناء التي بدأت في فبراير الماضي، ومازالت جارية، يمكن أن يكون سببا في هذا التراجع، بعد أن باتت قدرة الجيش الفعلية علي محك التقييم الدولي، وليس فقط التقييم الذي كان يتم علي الورق؟!

تنازع

المحللون المحايدون يرون أن التعامل مع كل ما يتعلق بالجيش المصري بات مجال منافسة بين فريقين، الأول هو الداعم لانقلاب الجيش العسكري في يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي، وهو الفريق الذي يدافع عن الجيش المصري حتي الممات، ويقدم تبريرات لكل ما يقوم به حتي لو كان واضحا للعيان أنه كان خطئا.

أما الفريق الثاني فهو الرافض للإنقلاب والذي يشكك في قدرات ووطنية قادة الجيش وفي بعض الأحيان في الجيش كله، ولذلك فمع كل تصنيف دولي متعلق بالجيش المصري، فإن أنصار كل فريق يتعامل مع الموضوع من وجهة نظره فقط.

رؤية محايدة

وفي مساحة وسط بين الفريقين تقف مجموعة أكثر هدوءا تنظر لما يتعلق بالجيش المصري بنظرة مختلفة، ربما تكون أكثر عقلانية من الفريقين المتنازعين، ويري هذا الفريق الوسيط أن احتلال مصر المركز الـ 12 علي مستوي العالم، في التصنيف المتعلق بقوة الجيوش العاملة، ليس سيئا خاصة وأنه يأتي بعد الدول الأكثر تصنيعا وانتاجا للسلاح، مثل الولايات المتحدة ورسيا والصين والمانيا والهند وكوريا الشمالية وتركيا وبريطانيا وفرنسا، وبالتالي فإن وجود مصر في هذا المركز لا يمثل تقليلا من شأنها، كما أنه لا يعكس كذلك أنها أكثر قوة من الذين جاءوا بعدها.

ويري هذا الفريق أن المؤسسات المعنية بالتصنيفات الدولية للجيوش، تعتمد علي عدة معايير، حددها خبراء عسكريون تحدث إليهم “العدسة” بأنها تقوم علي ميزانية التسليح والإنفاق العسكري، ثم مقدرة الدولة علي تصنيع السلاح محليا وتصديره خارجيا، وعدد مقاتلي هذه الجيوش سواء القوة الأساسية العاملة أو القوة الاحتياطية، ونوعية الأسلحة وتوفر قطع الغيار الخاصة بها، وأخيرا القدرات القتالية والدفاعية لهذه الجيوش.

ويشير المحللون أن الجيش المصري يتفوق في بعض هذه المعايير، ويواجه تراجعا في البعض الآخر، حيث يتفوق في البند الخاص بعدد المقاتلين سواء الأساسيين أو الاحتياط، خاصة وان القوة العاملة للجيش المصري تصل إلي أكثر من نصف مليون مقاتل ما بين ضابط وجندي، و800 ألف احتياط، مما يجعل قوام الجيش المصري أساسيا واحتياطيا يتجاوز المليون مقاتل، وهو رقم ضخم يجعله بين الدول الأقوي والأكبر.

ويتفوق الجيش كذلك في مزانية التسليح والتي وصلت إلي 4.4 مليار دولار كما جاء في التقرير الأخير لمؤسسة جلوبال فير باور الأمريكية، لتحتل مصر المركز 45 من 136 بين الدول الأكثر إنفاقا علي القدرات العسكرية، وكذلك تتفوق مصر في تنوع مصادر التسليح والتي تتنوع بين السلاح الأمريكي والروسي والفرنسي والصيني، وهو ما يمنحها حرية حركة في عدم الاعتماد علي مصدر واحد في السلاح.

وعلي الجانب الآخر يري هذا الفريق أن الجيش المصري سقط في اختبار الفاعلية وهو معيار هام تعتمد عليه التصنيفات الدولية، نتيجة الحرب الدائرة في سيناء، والتي تمثل غموضا عسكريا وسياسيا للجيش المصري، حيث بدأت العملية العسكرية التي ينفذها الجيش في سيناء بالتاسع من فبراير الماضي، ورغم أن المدة المقررة لها كانت شهرين، إلا أنها امتدت لأكثر من 7 أشهر، ومازال موعد انهاء العملية غير معلوم.

ويشير المحللون كذلك أن فشل الجيش المصري في إنهاء بيان الحرب الذي أعلنته القوات المسلحة في بداية العملية والذي شمل الأهداف والتكليفات، يؤكد أن الجيش يواجه أزمة مع مجموعة من المقاتلين غير النظاميين المنتمين لولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش، وأنه رغم الآلة العسكرية الكبري التي استخدمها الجيش في العملية سواء من الجو أو البحر أو البر، إلا أنه لم يستطع حتي الآن الإعلان عن خلو سيناء من مقاتلي داعش أو الإرهاب كما تزعم الحكومة المصرية، بل إن الخسائر البشرية التي تشهدها القوات المقاتلة تدعو للقلق حيث تجاوز عدد قتلي الجيش 50 مقاتلا بين ظابط وجندي، من بينهم 14 قتيلا خلال الأسبوعين الماضين فقط.

ويؤكد المحللون أن مصر استخدمت في هذه الحرب طائرات الرفال الفرنسية والـ f16  الأمريكية، كما أنها استخدمت واحدة من أقوى نظامات الدفاع الجوي في العالم، وهي المنظومة الروسية الحديثةبوك إم2 القادرة على اعتراض أهداف تطير بسرعة 830 مترا في الثانية وعلى مسافة 30 كيلومتر، وكذلك المنظومةتور إم2“، والقادرة على إسقاط أي هجوم صاروخي ضد القوات المصرية، وما يميز هذه المنظومة طبقا لبيان القوات المسلحة المصرية أنها قادرة على مسح منطقة القتال مهما كانت درجة الوعورة، كما أنها قادرة على رصد وإسقاط أربعة أهداف في نفس الوقت، ورغم كل ذلك فإن مقاتلي داعش مازالوا يهاجمون الكمائن العسكرية ويشنون الهجمات علي نقاط التمركز الرئيسية للجيش.

ويري المحللون أن تنظيم الدولة تفوق علي الجيش النظامي عندما استطاع نقل ساحة الحرب من شمال إلي وسط سيناء، وهو ما يشير لفشل خطة التأمين الدفاعي للجيش بمحاصرة مقاتلي داعش في مساحات ضيقة لا تسمح لهم بنقلة استراتيجية كبري لصحراء وسط سيناء، وهو ما يمثل استنزافا خطيرا للقوات المسلحة المصرية.

أرقام

وطبقا لتقرير مؤسسة جلوبال فير باور فإن سبب التأخر المصري في التصنيف يعود لعدم الاستقرار الداخلي الذي تعاني منه البلاد، في وقت لا تزال ملتزمة بمحاربة الإرهاب داخل حدودها.

وطبقا لتقرير المؤسسة عن قدرات الجيش المصري فإن القوات المسلحة  تحتل رقم 45 فى ميزانية الإنفاق العسكرى بإجمالى مبلغ 4.4 مليار دولار، كما أنها تمتلك 4462 دبابة، و1133 طائرة قتال وتدريب ونقل ومروحيات وهليكوبتر، ويصل عدد القوات الرئيسية إلى 470 ألف ضابط وصف وجندى، بالإضافة إلى 800 ألف احتياطى، كما تمتلك القوات البحرية المصرية 319 قطعة بحرية ما بين فرقاطات وغواصات ولنشات سريعة، بالإضافة لحاملتي طائرات.

وأشار التقرير كذلك إلي أن الجيش المصري أحد أقوى جيوش المنطقة، ويلعب دورا مباشرا في الحياة السياسية منذ ثورة عام 1952، خرج منه معظم رؤساء مصر، ومنذ عام 1948، قدمت الولايات المتحدة ما مجموعه 70 مليار دولار لدعم القوات العسكرية المصرية، بينها مساعدة سنوية تصل إلى 1.3 مليار دولار منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979.

وطبقا للموازنة العامة المصرية لعام 2017-2018 فإن ميزانية الجيش زادات أكثر من 7 مليار جنيه حيث ارتفعت بند مخصصات الجيش لـ 65.7 مليار جنيه، مقارنة بـ 58.1 مليار جنيه بموازنة 2016/2017.