إبراهيم سمعان

لا أحد في مأمن من التعرض لحادث عسكري على الأرض السورية، وكذلك الأمر بالنسبة لمجالها الجوي، حتى لو كانوا حلفاء أقوياء مثل روسيا وإسرائيل.

تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة “لوريون لو جور” الناطقة بالفرنسية الضوء على حادثة الطائرة الروسية التي أسقطت عن طريق الجيش السوري وألقت الضوء على العلاقات المتوترة بين موسكو وتل أبيب.

وقالت على الرغم من التنسيق الوثيق، أسقت طائرة استطلاع روسية عن طريق الخطأ فوق البحر الأبيض المتوسط، خلال عملية جوية إسرائيلية في اللاذقية مستهدفة بنية تحتية للجيش السوري كان من المفترض أن يمر عبرها أسلحة دقيقة لحزب الله، وفقا لإسرائيل.

 

وبعد ساعات من الارتباك اعترفت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرة أسقطت عن طريق صاروخ أطلقته منظومة 200 S الموجودة لدى الجيش السوري، ورغم ذلك أكد أن الحادث الذي أدى لمقتل 15 من أفراد الطاقم، وقع بسبب إسرائيل.

 

وعقب المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيجور كوناشينكوف بالقول “نتيجة للأعمال الإسرائيلية غير المسؤولة، قتل 15 جنديا روسيا، نقيم التصرفات الاستفزازية لإسرائيل على أنها عدوانية، ونترك لنفسنا حق الرد”.

 

من جهته قال الجيش الإسرائيلي، في بيان له إن طائرته هاجمت منشأة تابعة للجيش السوري حيث “كانت أسلحة فتاكة دقيقة على وشك أن تُنقل من إيران إلى حزب الله في لبنان”، لكن موسكو، ردت بأن إسرائيل لم تبلغهم بهذه العملية وأعلنت عنها قبل أقل من دقيقة من الهجوم، الأمر الذي لم يسمح للطائرة الروسية للعودة بأمان.

 

وفي منتصف فترة ما بعد الظهر، تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغة أقل عدوانية تجاه إسرائيل، موضحًا أن تحطم الطائرة جاء نتيجة “سلسلة من الظروف العرضية المأساوية”، مع استبعاد مسؤولية تل أبيب.

 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال من جهته في اتصال هاتفي مع بوتين إن إسرائيل مصممة على وقف توسع الجيش الإيراني في سوريا، وكذلك محاولات طهران نقل أسلحة إلى حزب الله.

 

نفذت إسرائيل في السنوات الأخيرة ، وخاصة منذ 2017، العديد من الهجمات في سوريا ضد نظام بشار الأسد،

وبشكل خاص ضد حلفائه الإيرانيين واللبنانيين، لمنعهم من تعزيز وجودهم على الأرض، وقد نفذت هذه الغارات الجوية العديدة، حتى ذلك الحين، بالتعاون الوثيق مع موسكو حليف دمشق.

 

فمنذ تدشين القاعدة الروسية في عام 2015، وضعت إسرائيل نوعًا من الآلية لمنع المواجهة الجوية، وعشية اجتماعه مع الرئيس الروسي في موسكو مايو الماضي، أعرب بنيامين نتنياهو رسميا عن رغبته في الحفاظ على التنسيق الأمني ​​بين الجيش الروسي والجيش الإسرائيلي في سوريا.

 

يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يمتد هذا التنسيق لأكثر من ذلك، على أمل أن تحشد موسكو أخيراً قواتها للضغط على طهران، وقد حذر نتنياهو في موسكو من أن “إسرائيل يحق لها أن تدافع عن نفسها ضد العدوان الإيراني” وأنها “ستتخذ الإجراءات اللازمة للدفاع”.

 

بيد أنه من خلال إرسال طائراتها لاستهداف البنية التحتية العسكرية في محافظة اللاذقية، أظهرت تل أبيب أنها تحتفظ بكل حقوق التدخل، حتى في قلب المنزل الروسي في سوريا، وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يخترق فيها سلاح الجو الإسرائيلي المنطقة لضرب المصالح الإيرانية، إلا أن هذا النوع من الهجوم القريب من المواقع الروسية نادر للغاية.

 

غضب بوتين

 

ويقول مايكل هورويتز، المستشار في شركة LeBeck International وهو مركز أبحاث مقره البحرين: منذ الاتفاق بين روسيا وإسرائيل على الوجود الإيراني في جنوب سوريا، وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق أدى إلى انخفاض في الضربات الإسرائيلية خلال أغسطس، ظهرت خلافات.

وأضاف “تشمل، من بين أمور أخرى، وجود قواعد الإيرانية على الساحل السوري بالقرب من القواعد الروسية، لذلك كان الهدف من الضربات الأخيرة هو التأكيد على وقف بناء القواعد الإيرانية على الساحل ونقل رسالة مفادها أنه يجب على موسكو أن تتدخل”.

وتابع الباحث: “الهدف هو إثبات أنه بدون جهود موسكو لتقليص نفوذ إيران على الساحل، سيكون على إسرائيل أن تتجاوز حدود معينة تفرضها روسيا”.

 

ونفذت إسرائيل خلال شهر مايو الماضي، وبقوة ضربات في جميع أنحاء سوريا، وليس في الجنوب فقط، وخاصة حماة وحلب، على الرغم من حقيقة أن روسيا تسيطر على الأجواء في هذا الجزء من البلاد. إن استمرار وجود القوات الأمريكية في غرب وشرق الفرات يساعد الإسرائيليين على تنفيذ رغباتهم ومشاريعهم.

 

ومع هذا الحادث الذي لم يسبق له مثيل ، عبرت إسرائيل عن “حزنها” بعد مقتل خمسة عشر من أفراد الطاقم الروسي ثم ألقت باللوم على دمشق وحلفائها على الفور، فيما اتهمت موسكو الطيارين الإسرائيليين بتعمد تعريض طائرتها للخطر ما وضعها تحت “نار الدفاع السوري المضاد للطائرات”.

تصريحات بوتين، بعد مكالمته الهاتفية مع بنيامين نتنياهو، من شأنها تهدئة اللعبة لمنع التصعيد، لكن سيتعين على الإسرائيليين القيام بكل ما في وسعها دبلوماسيا لاحتواء الغضب الروسي ومنع العلاقات بين البلدين من التفكك، فاستمرار غاراتهم ضد المواقع الإيرانية، بدون موافقة موسكو، يمكن أن يعرضها للخطر.