العدسة: محمد العربي

انتقادات متواصلة صاحبت موقف الكنيسة المصرية من زيارة رئيس الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة الأمريكية خلال مشاركته في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

الانتقادات تناولت موقف الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذي استبق زيارة السيسي بسلسلة لقاءات عقدها مع أقباط المهجر دعا فيها لدعم السيسي خلال زيارته لواشنطن، مؤكدا أن السيسي يمثل لهم الأفضل من بين كل الذين حكموا مصر.

ورغم أن تواضروس أكد أن زيارته ليست مرتبطة بزيارة زعيمه السيسي، وأنها مقررة من أكثر من عام، إلا أن النداءات التي وجهها لحسن الترحيب بالسيسي والتي وصلت لحد الحشد الكنسي له، يشير إلى أن العلاقة الخاصة بين السيسي وتواضروس، تسير على عكس العلاقات السابقة بين الكنسية ورأسها، وبين النظام الحاكم بمصر، كما أنها تشير إلى أن ما قدمه السيسي للأقباط فاق كل ما كان يتوقعونه، وكما يري المحللون فإن السيسي بات أكثر اعتمادا على  الأقباط وتحديدا الكنيسة في دعم وجوده والترويج لسياساته التي أصبحت محل انتقادات واسعة في الغرب.

لوم هادئ

الفقيه الدستوري الدكتور نور فرحات قرأ مشهد استقبال مجموعة من الأقباط للسيسي أمام مقر إقامته بواشنطن، كما قرأها غيره من المحللين والسياسيين، إلا أن الرجل كان أكثر هدوءا في التعليق، وإن جاز التعبير كان أكثر هدوءا ورصانة في لومه للبابا على وضع الأقباط في هذا الموقف الذي كان محل سخرية وانتقادات على وسائل التواصل الإجتماعي.

فرحات قال في رسالته للبابا عبر صفحته على الفيس بوك إن الكنيسة المصرية عزيزة على كل المصريين لأنها تاريخهم .. أفهم تعقيدات علاقتها بالدولة، ووجهة النظر المعتمدة فيها أن في الاقتراب من الدولة الأمان، ولكن تجربة السادات وتجربة مبارك تثبتان أن الدولة الظالمة وغير الرشيدة ضارة بالمصريين جميعا أقباطا قبل المسلمين، ولذا فالابتعاد عن المناطق الشائكة، وابتعاد الكنيسة عن السياسة وخلافاتها أدعي لإعلاء قيم المواطنة وإلا سيختلط مفهوم الطائفة بالتحزب لنظام معين، وهذا ما لا نرضاه لشركائنا في وطن واحد”.

هذه الرسالة الهادئة التي وجهها فرحات عكست حالة الخوف الكامنة في نفوس عدد من المثقفين الذين يرون في تحركات وتصرفات تواضروس إضرارا بالوطن ككل وليس بالأقباط فقط، خاصة وأنه يرمي الكنيسة في أحضان نظام السيسي الذي لم يعد محل قبول من معظم طوائف الشعب.

وكما يري المحللون فإن تواضروس بهذا التصرف يزيد من فكرة ترسيخ الطائفية الدينية وهو ما يخالف الدستور، بل إنه يخالف مبادئ أنصار ودعاة 30 يونيه 2013، والذين خرجوا ضد الرئيس محمد مرسي بحجة أنه يدعم الطائفية الدينية بتقديم جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها في المشهد السياسي للدولة خلال فترة حكمه.

بلحة وانجازات

المتابعون لتصريحات تواضروس وتحركاته بواشنطن، أكدوا أن الرجل خانته فطنته السياسية كما خانته تصريحاته الداعمة لرأس الإنقلاب بمصر، ويبدوا من تصريحات تواضروس وإلحاحه أنه كان يواجه بحالة رفض واسعة من قبل الأقباط الذين دعاهم في أكثر من مناسبة لدعم السيسي، وتنظيم استقبال يليق بما قدمه للأقباط، ومن هنا جاء المثل الذي شهد سخرية واسعة حيث قال بأن النخلة تحتاج لعشرين عاما حتي تطرح بلحة واحدة، وهو ما كان بمثابة إعادة لطرح الاسم الأكثر شهرة وسخرية من السيسي وهو “بلحة”.

تواضروس دعا أقباط المهجر بألا ينصتوا لما يقال حول الوضع في مصر، مببرا ذلك بأن المصريين ليس لديهم نفس الوعي الموجود للذين يعيشون هنا في أمريكا، فهم لا يقدرون من وجهة نظره ما يحققه السيسي من إنجازات.

السيسي والأقباط .. إلى أين؟

السؤال السابق لم يكن متعلقا بمجريات الزيارة الحالية للسيسي في أمريكا، وإنما هو متعلق بشكل العلاقة بين الطرفين خاصة وأن هناك أصواتا داخل الأقباط يرون أن السيسي لم يقدم حتي الان ما كان يجب أن يقدمه لهم، وأنه أستغل الأقباط لترسيخ أقدامه، بينما يعاني الأقباط كل يوم من صراعات طائفية مع المسلمين.

ومن بين أنصار هذا الطرح الباحث القبطي رامي عزيز الذي يدرس الدكتوراة في جامعة روما، كما أنه زميل باحث في المعهد العالمي لدراسات سياسات معاداة السامية، والذي أكد في دراسة نشرها مركز واشطن لسياسات الشرق الأدني كتبها بعد التفجيرات التي شهدتها الكاتدرائية المرقسية مطلع 2017 أنه رغم مرور عدة أعوام على حكم السيسي إلا أن الأقباط يجدوا أحوالهم تصاب بحالة من التدهور المستمر الذي صار غير معروف نهايته بعد وصول العنف ضدهم إلى مراحل غير مسبوقة، حتى صار ما كانوا يخشون وقوعه من تعرض لنفس مصير الأقليات الأخرى التي كانت بسوريا والعراق أمر واقع؛ ومروا بكل تفاصليه من تدمير للكنائس لقتل وذبح وحرق للأشخاص ونهب للممتلكات وصولاً إلى مرحلة التهجير القسري والنزوح الجماعي.

وفى النهاية لن يحصل الأقباط تحت حكم السيسي إلا على المزيد من الخسائر المستمرة والمزيد من التخلي عنهم وتركهم فريسة في براثن الإرهاب حتى يبرر شرعية استمراره أمام العالم كمحارب للإرهاب على غير الحقيقة الواقعة، وبالتزامن مع هذه الخسائر التي يتعرض لها الأقباط فلن يحصلوا من السيسي إلا على زيارة كل عام لقداس عيد الميلاد ومزيد من الوعود الفارغة والكلام المعسول، التي لا تعد كونها أكثر من رسائل لتحسين صورته أمام الغرب أكثر منها اهتمام موجه للأقباط أو الداخل المصري.

وتأتى كل هذه التطورات اللافتة في المشهد المصري، لتزيده تعقيداً وتلقى بظلال القلق ليس فقط على أحوال الأقباط بل أيضاً على مصر، ليصبح التساؤل ليس فقط حول مستقبل الأقباط بل حول مستقبل مصر بشكل عام تحت حكم السيسي.

السيسي حبيب الأقباط

وأمام الطرح الذي قدمه عزيز، هناك رأي آخر يتزعمه قيادات الكنيسة والذين يرون فيما يقدمه السيسي للأقباط مكسبا لم يكن في حسبانهم، فالرجل يمثل أكثر الرؤساء الذين حكموا مصر زيارة لكاتدرائيتهم، بل كان مشاركا في احتفالاتهم بأعياد القيامة طوال عدة سنوات، ويكفي أنه الرئيس الوحيد الذي زار المرقسية خمسة مرات خلال ثلاث سنوات، لكسر جمود العلاقة بين الرئيس والكنيسة والتي كانت تخضع لحسابات معقدة خلال حكم السادات ومبارك ثم محمد مرسي.

ولذلك لم يكن غريبا أن يصف الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة، وعضو المجمع المقدس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، السيسي بأنه الأفضل بين الرؤساء المصريين لحسن تعامله مع الأقباط ورأس الكنيسة، وتهنئه للمسيحيين وتعزيته فى شهدائهم وهو ما يمثل لفته جميلة لم تحدث من الرؤساء السابقون فى العهود السابقة.

وأكد مرقس في تصريحات صحفية نقلتها وسائل الإعلام المصرية أنهم يشكرون السيسي على قانون بناء الكنائس، مضيفا: “قد أخذنا حقوقا لم نأخذها فى السابق ، فمثلا لم يأت رئيسا فى السابق لتعزيتنا أو تهنئتنا بالكاتدرائية واخذ ثأرنا” تارنا” فى ليبيا بعد مقتل 21 قبطى هناك، هو إنسان إنسان إنسان، وننتظر منه المزيد، ولكن انشغاله بقيادة ونهضة واقتصاد وأمن مصر هو الأولوية الأولى له الأن ونحن معه فى ذلك، أما ما نريده من مطالب فسنحصل عليه مع الوقت”.

وأضاف مرقس قائلا ” نريد أن نرى محافظين ورؤساء جامعات ووزارء مسيحيين قد لا نحتاج لذلك الأن ولكن نتمنى أن نراه مستقبلا بعد استتباب الأمن”.

وماذا بعد؟!

ويري فريق من الباحثين أن تعاطي السيسي مع الأقباط لا يرتبط بالسياسة في شيء، فالجنرال الذي قاد حربا ضد التوجهات الإسلامية وانتقد أكثر من مرة الأزهر الشريف وعلماءه، ودعا صراحة لتجديد الخطاب الديني بما ينسف الأصول والقيم الإسلامية، يقوم في نفس الوقت بتقديم دعم كبير للأقباط الذين يتعاملون الآن وكأنهم الأغلبية وليس أقلية لا تزيد عن 7% في أكثر التقديرات الرسمية تفائلا.

ويحذر هؤلاء المحللين من ان هذه السياسة من شأنها زيادة الاحتقان ضد الأقباط، وبالتإلى فهم ينظرون تحت أقدامهم، ويريدون مكسبا سريعا، سوف يجنون من وراءه خسائر على المستوي المجتمعي والمستوي الأمني.

ويبرهن هذا الفريق على رأيهم بحالة السخرية من شخصية البابا التي كانت تحظي بتقدير كبير حتي في أشد حالات الاحتقان بين المسلمين والأقباط، إلا أنه الآن أصبح مجال سخرية وتهكم وهو ما يعكس بشكل أو آخر، أن الرهان الذي دخله تواضروس ومسئولي الكنيسة في دعم السيسي سيكون مصيره الخسارة في النهاية، ولن يجني الأقباط من ورائه إلا مزيدا من الكراهية والخسائر.