العدسة: محمد العربي

بحضور ما يقرب من مائة رئيس دولة، يمثلون 50% تقريبا من عدد رؤساء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، عقدت الجمعية العامة دورتها رقم 73، وكعادة الرؤساء المشاركين في أعمال القمة فقد انتقد الجميع آليات عمل الأمم المتحدة، مؤكدين أن ما يعيشه العالم الآن من مشكلات كان يحتاج دورا أكثر إيجابية من المنظمة الأممية.

ورغم أن الأمم المتحدة غابت عن معظم القضايا الهامة التي مثلت صداعا في رأس البشرية مثل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والحرب الدائرة في سوريا، والأخرى التي تشهدها اليمن، والحصار المفروض منذ ما يقرب من 11 عاما على قطاع غزة، والأزمة الإنسانية في السودان، وكارثة مسلمي الروهينجا، والانفلات الأمريكي الذي أصاب أصدقاء أبناء العم سام أكثر من أعدائهم، وأزمة اللاجئين السوريين المتفاقمة، والأزمة السياسية المصرية، إلا انه رغم كل ذلك فإن رؤساء وحكام الدول تحافظ على المشاركة في أعمال القمة الدولية، فما هي مبرراتهم، وهل المشاركة في حد ذاتها هي الهدف أم أن للمشاركة أسباب وأغراض أخرى.

كل يغني على ليلاه

تشير التقارير والتحليلات الصحفية التي تناولت أعمال القمم الدولية أنها أصبحت مناسبات كلامية أكثر من كونها تمثل حراكا سياسيا أو اقتصاديا تستفيد منه الدول الأعضاء في المنظمة الأكبر والأقوي علي مستوي العالم، مؤكدين أن الأمم المتحدة فقدت قدرتها وقوة تأثيرها عندما تخلت عن دورها طواعية لصالح الهيمنة الأمريكية التي انفردت بإدارة العالم منذ اعلان تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1992، وبالتالي فإن اجتماعات المنظمة الدولية لا تقدم جديدا في أيا من القضايا الساخنة او الأخري التي أصبحت من أقدم الملفات الموجودة في أدراج المؤسسة الدولية.

وتشير دراسات عديدة تناولت الاجتماعات الدورية للأمم المتحدة بالتقييم والتحليل أن اجتماعات الجمعية العامة تمثل فرصة من نوع مختلف في العلاقات بين الدول، حيث يستغلها بعض الرؤساء والحكام في تثبيت شرعيتهم الدولية، مثل رئيس الإنقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، كما يستغلها بعض الحكام في إيصال رسائل لآخرين كما فعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ومنهم من يشارك في القمة من باب المكايدة السياسية ضد الولايات المتحدة كما اعتاد رؤساء روسيا وإيران وسوريا قبل سنوات، بينما هناك فريق ثالث يري في هذه الاجتماعات فرصة لتقديم نفسه باعتباره مفكرا يمكن أن يضع روشتة لعلاج المشاكل العالمية كما اعتاد كل من الرئيسين السابقين معمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، وعدد من رؤساء إفريقيا الذين يبحثون من خلال هذه الاجتماعات علي مزيد من صفقات السلاح أو صفقات اخري متعلقة بالمعونات التي تمثل المؤسسة الدولية بوابة رئيسية لها.

رقم قياسي

وطبقا لتقارير مصرية متعددة فإن رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي قد سجل رقما قياسيا في المشاركات المتتالية بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي بلغت 5 مرات متتالية منذ توليه الرئاسة عام 2014، ويشير جدول أعمال السيسي في القمة الـ 73، أنه أراد من هذه المشاركة عدة أهداف، أبرزها ترسيخ شرعيته التي مازالت تثير غصة في حلق المجتمع الدولي، كما انه يريد توسيع دائرة اتصالاته التي تدعم هذا الاتجاه، وطبقا لوسائل الإعلام المصرية فإن السيسي حقق نجاحا ملحوظا خلال مشاركاته الأربعة السابقة، وأنه مستمر علي نفس المنهج.

إلا أن هناك تحليلات أخري رأت في مشاركة السيسي بأنها محاولة لتخفيف الضغط الدولي ضده خاصة بعد أحكام الإعدام التي صدرت في حق 75 من قيادات الإخوان المسلمين قبل أسبوعين في القضية الشهيرة بفض اعتصام رابعة العدوية، وهي الأحكام التي رفضتها الأمم المتحدة ورفضها المفوض السامي لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وجميعها جهات رسمية دولية وجهت انتقادات حادة للنظامين السياسي والقضائي المصريين، وهو ما ردت عليه محكمة النقض المصرية بأنه تدخل غير مقبول في أحد المؤسسات السيادية بمصر.

ويشير أصحاب هذا الرأي أيضا أن السيسي يستغل المناسبة الدولية في عقد لقاءات تمثل حرجا له إذا عقدها في القاهرة، مثل لقاءه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما أنه يستغل الاجتماعات في ترسيخ علاقاته بالمؤسسات الأمريكية سواء السياسية او الاقتصادية، في ظل إلغاء الزيارة الموسمية التي اعتاد عليها الرئيس الأسبق حسني مبارك في مارس من كل عام.

ويضيف الرأي السابق سببا آخر من مشاركة السيسي في مثل هذه الاجتماعات وهو أنه يستغلها فرصة لتحقيق مكاسب ترسخ وجوده من خلال الباب الخلفي للاجتماعات، كأن يقوم بدور الوسيط لحكام آخرين مع الإدارة الأمريكية، كما هو الحال مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير، أو الرئيس السوري بشار الأسد، ويستدل هذا الفريق بإعلان الخارجية السودانية أن البشير سوف يزور القاهرة خلال الأيام المقبلة، وهي الزيارة التي ربطها المحللين بزيارة السيسي للأمم المتحدة والتقاءه بالرئيس الأمريكي ومسئولين آخرين في الإدارة الأمريكية علي هامش الاجتماعات، من أجل تخفيف الضغط الامريكي علي الخرطوم مقابل استمرار الاخري في تحسين علاقاتها بالقاهرة وتحقيق ما يريده السيسي بتضييق الخناق علي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين هربوا من بطش السيسي تجاه الجنوب.

ويؤكد نفس الرأي أن السيسي متيم بالظهور الإعلامي وبالتالي فهو يري في هذه المناسبة فرصة جيدة لتحقيق أحد رغباته النفسية التي ليس لها علاقة بالسياسة أو الاقتصاد، وما يدعم هذا الرأي أن السيسي لم يحقق أية مكاسب لمصر وراء المشاركة في هذه الاجتماعات طوال السنوات الماضية.

رسائل التحدي

ويشير المحللون أن هناك رؤساء يشاركون في أعمال القمة من باب التحدي للولايات المتحدة الأمريكية التي تسيطر علي المؤسسة الدولية وأجهزتها المختلفة، مؤكدين أن الحالة الأبرز هذا العام كانت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تشهد علاقة بلاده توترا ملحوظا مع إدارة ترامب الأمريكية، ولذلك قرأ العديد من المحللين مغادرة أردوغان قاعة الأمم المتحدة أثناء كلمة الرئيس الأمريكي ترامب، بأنها رسالة سياسية واضحة من الإدارة التركية علي رفضها لإجراءات الإدارة الأمريكية، وأن تركيا لن تقبل إلا بلغة التحدي والندية مع نظريتها الأمريكية، وهي الرسالة التي لقت ترحيبا من المتابعين لأعمال القمة، وإن كان هناك تحليلات أخري تؤكد أن أردوغان لم ينسحب وإنما كان يستعد لإلقاء كلمته بعد كلمة ترامب.

ما هذا الترامب

ويري المحللون أن الرئيس الأمريكي ترامب يمثل حالة خاصة في اجتماعات الأمم المتحدة، فالرجل لا يكتفي فقط بتقديم رؤية دولته العظمي حول القضايا الدولية او يدافع عن قرارات بلاده التي تثير غضب الشعوب الأخري، وإنما أيضا تعامله مع القضايا والأزمات الإقليمية والدولية بسخرية واستهزاء، وهو ما دعا الكاتب السوداني عثمان محمد حسن لتحليل أداء ترامب في مقال نشره بموقع السودان اليوم الإلكتروني مؤكدا أن تباهي ترامب بأن ما أنجزه لبلده أمريكا كرئيس لم يسبقه في إنجازه أي رئيس أمريكي سابق، وأنه يحرص على رخاء العالم وإشاعة انسانية الانسان، كان سببا في إنفجار القاعة بالضحك الصاخب، على غير العادة في الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، مؤكدا أن المشاركين في الاجتماع اخذوا ترامب على حين غرة بعيدا عن التاريخ و الواقع المشهود.

وأكد الكاتب السوداني أن نرجسية ترامب تحدثت عن نفسها، وتفاجأت تلك النرجسية عند اللحظة الفارقة بين مخاطبته الحضور في القاعة و بين مخاطباته اليمين العنصري في قاعات المدن والقرى الأمريكية، حيث ارتبك وقطع خطابه ليقول: ” لم أتوقع رد الفعل (الساخر) هذا من الحضور، و لكن، معلش!”

واعتبر عثمان أن عدم تصفيق أحد لترامب عقب انتهائه من خطابه كان بمثابة تصويت دولي رافض لسياسته التي نعى من خلالها العلاقات الدولية التي أسس لها سابقوه من رؤساء أمريكا.