العدسة: محمد العربي

لم تشهد العلاقات المصرية السعودية أزمة مكتومة مثلما تشهدها هذه الأيام، ولكن الأزمة هذه المرة ليست متعلقة بطمع رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي في أموال أصحاب البترول، أو في شكوك أل سعود في الدور الذي لعبه السيسي قبل أعوام لعدم تمكين الملك سلمان من الحكم بعد رحيل شقيقه الأكبر الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالأزمة هذه المرة ربما تكون أكثر تأثيرا فهي أزمة جماهيرية وأبطالها لهم ثقل كبير في الشأن المصري.

الأزمة بدأها المستشار بالديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الرياضة ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم ومالك فريق “بيراميدز” الذي يعلب في الدوري المصري، تركي آل الشيخ ضد النادي الأهلي المصري وجماهيره، والأزمة وإن كانت رياضية بين مسئول سعودي يمتلك ناديا مصريا ينافس فريق الأهلي، إلا أنها أخذت شكلا سياسيا بعد إعلان آل الشيخ سحب استثمارته الرياضية من مصر.

حجر في الماء الراكد

المتابعون لتطور وجود المسئول السعودي في الساحة المصرية لم يستقروا علي أسباب بعينها من هذا التواجد غير الطبيعي، فقبل يناير 2018 لم يكن الرجل معروفا إلا لدي عدد محدود من السياسيين، الذين وجدوه أحد نتائج بزوغ نجم ولي العهد السعودي الطموح محمد بن سلمان، ولكن بعد فوز نجم الأهلي محمود الخطيب بمنصب رئيس النادي الأهلي، ظهر اسم تركي آل الشيخ بعد اختياره رئيسا شرفيا للنادي العريق في القارة الإفريقية والوطن العربي.

العلاقات بين المسئول السعودي والنادي الكبير أخذت اشكالا متصاعدة حتي خرج الأخير في مايو 2018 ليعلن تنازله عن الرئاسة الشرفية للنادي، ويشن هجوما علي مجلس إدارته ويتهمه علنا بالسرقة والفساد، ويصف رئيسه بالضعف والخداع، ثم يتنازل الرجل فجأة عن قضايا لم يرفعها من الأساس ضد النادي الأهلي، واستمرت الأمور بين تصاعد وهدوء، وتدخلات أكدت وسائل إعلام مختلفة أنها كانت علي مستوي كبير من الجانب المصري الذي طلب صراحة من ولي العهد السعودي بفرملة رجله المقرب تركي آل الشيخ.

ويري المتابعون أن قرار آل الشيخ المتعلق بسحب استثماراته الرياضية من مصر كان أقرب لإلقاء حجر في الماء الراكد، حيث أراد المسئول السعودي تحريك الموقف المصري تجاه الأهلي وجماهيريه التي وجهت رسائل صادمة بهتافها ضد الرجل  ووالدته خلال مباراة المارد الأحمر مع فريق حرويا الغيني في تصفيات دوري أبطال أفريقيا، وهي الهتافات التي اعتبرها المراقبون أنها كان الفرصة التي ينتظرها آل الشيخ لتحريك الموقف الجامد للمسئولين المصريين تجاه النادي الأهلي الذي لم يحسب آل الشخ مدي قوته بشكل حقيقي قبل الدخول في صدام معه.

ويري المتابعون أن آل الشيخ استخدم كل أسلحته في الضغط علي النادي الأهلي والمسئولين المصريين، حيث توالت ردود الأفعال التي خرجت من كون الخلاف رياضيا بين مالك لنادي ينافس الأهلي، إلي خلافا بين مسئول سعودي كبير ونادي رياضي أكبر، وهو الخلاف الذي جرج من شباك الرياضة ليدخل لباب الرياضة.

وانطلاقا من هذا التصور اعتبر المتابعون أن قرار شركة صلة الرياضية بإلغاء عقد رعايتها للنادي الأهلي، وسحب استثماراتها من مصر التي تقدر بـ 2 مليار جنيه (120 مليون دولار)، ردا على شتائم جماهير الأهلي في حق المسؤول السعودي، ثم إعلان شركة “سبورتا” الرياضية السعودية، التي تقوم بتصنيع ملابس الاهلي الرياضية بفسخ تعاقدها، نتيجة لرد فعل مجلس إدارة الأهلي السلبية، على سلوك جماهيره ضد آل الشيخ، وهو ما اعتبرته الشركة بمثابة موافقة ضمنية من إدارة النادي على هذا السلوك غير الأخلاقي، حسب نص بيانها.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك حيث دخل الاتحاد السعودي لكرة القدم علي خط الأزمة باصدار بيان حسم فيه عدم مشاركة الأهلي بمباراة السوبر المصري السعودي أمام فريق الهلال، وواكب ذلك حملة انتقادات شنها مسئولون بارزون بالديوان الملكي السعودي ودعاة وعلماء سعوديين ضد النادي الأهلي وجماهيره، ودشنوا حملة علي وسائل التواصل الإجتماعي بعنوان “إلا آل الشيخ”.

هل باع السيسي تركي؟!

وحتي كتابة هذه السطور رصد المراقبون أن رد الفعل المصري تجاه الأزمة المتصاعدة مع المسئول السعودي لم تأتي طبقا لما رسمه آل الشيخ، حيث انحصر رد الفعل المصري علي أمرين، الأول هو حملة اعتقالات شنتها الأجهزة الأمنية ضد ما يقرب من 35 مشجعا أهلاويا خلال اليومين الماضين، وطبقا لمصادر حقوقية فإن الأمن قال أن هؤلاء المشجعين هم الذين قاموا بالهتاف والسباب ضد آل الشيخ ووالدته.

أما الإجراء الثاني والذي يمثل تطورا في تفاعل الإدارة المصرية مع الموضوع فكان من خلال البيان الذي أصدره المجلس الأعلي للإعلام بمصر، والذي حذر فيه من بوادر فتنة بين البلدين، مؤكدا ان الخلافات الموجودة يجب ألا تمس العلاقات بين دولتين شقيقتين تربطهما روابط تاريخية.

وطبقا لبيان المجلس فإن لجنة ضبط الإعلام الرياضي تابعت التطورات المؤسفة التي تناولها الإعلام الرياضي واللغة التي استخدمها في التعبير عن هذه التطورات سواء في ملاعب كرة القدم أو على شاشات بعض القنوات الفضائية .

وترى اللجنة أن الانتقادات المتبادلة تجاوزت كل الحدود بما ينال من مكانة جميع الأطراف ويعكر صفو الحياة الرياضية، بل إن هذه التجاوزات تحمل نذر فتنة تمس علاقات دولتين ترتبط بهما مصالح المنطقة بأسرها وتلقي بظلالها على تلك العلاقات التي تشهد منذ سنوات نمواً مضطرداً بما يحقق مصالح الشعبين، ودعا المجلس المسئولين في الدولتين سرعة التحرك لوأد فتنة سوف تصيب مختلف الأطراف.

ويري المتابعون أن هذا التحذير الذي أطلقه المجلس المسئول عن الإعلام بمصر وإن كان يترجم حالة القلق من أن ينتقل الغضب المكنون في نفوس المصريين تجاه الكفيل السعودي أيا كان اسمه أو صفته، إلا انها تشير أيضا إلي ان الحكومة المصرية ربما وجدت في الأزمة الأخيرة فرصة للتخلص من صداع آل الشيخ الذي دخل صداما مع أكثر الأحزاب الجماهيرية بمصر والتي يمثلها النادي الأهلي، الذي يتمتع بنفوذ كبير من خلال محبيه وجماهيره في مختلف المؤسسات المصرية.

ويستدل هذا الفريق بأن المجلس الأعلي للإعلام وإن كان جهازا رسميا إلا أنه ليس ذات صلة، وليس هو الجهة التي كان يريد آل الشيخ أن تتفاعل مع تحركاته المتصاعدة، أو بمعني أصح ليست هي الجهة التي أراد آل الشيخ أن تلتقط طرف الخيط من إجراءاته الأخيرة، ويستدل هذا الفريق مما نقله موقع “القاهرة 24” قريب الصلة من أجهزة المخابرات المصرية، والذي نفي علي لسان مسئولين مصريين “حقيقيين” كما وصفهم الموقع، ما نشرته جريدة الأخبار اللبنانية بأن رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل قام بزيارة لآل الشيخ المتواجد في الولايات المتحدة للعلاج.

وأكد الموقع المصري أن رئيس المخابرات لم يلتق بالمسئول السعودي علي الإطلاق، خاصة وأن كامل ملتزم بجدول أعمال رئيسه عبد الفتاح السيسي الذي كان يشارك في أعمال القمة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ودعمت جريدة “القدس العربي” الصادرة من لندن ما نقله “القاهرة 24″، واضافت عليه بأن مصادر رسمية مصرية أكدت للجريدة أن آل الشيخ طلب مقابلة السيسي خلال تواجده بأمريكا، إلا أن مرافقي السيسي رفضوا ذلك متحججين بأنه مشغول وأن جدول أعماله لا يسمح بالمقابلة، وقالت الجريدة أن مسئولين بالنادي الأهلي اعتبروا هذا الإجراء اعلانا من الدولة بأنها تَقف على الحياد بين الطرفين.

فنكوش الاستثمارات الرياضية

المراقبون وجدوا أيضا في تصريحات حارس مرمي الأهلي الأسبق الإعلامي أحمد شوبير التي انتقد فيها آل الشيخ، دليلا جديدا علي أن المسئولين المصريين منحوا الضوء الأخضر لانتقاده، ويبرر المراقبون ذلك بأن شوبير كان بمثابة المتحدث الرسمي باسم آل الشيخ، وكان يتمتع بعلاقات قوية معه انطلاقا من دعم الدولة المصرية للمسئول السعودي، وأن انتقادات شوبير خلال برنامجه علي قناة “أون سبورت” لآل الشيخ، وسخريته من سحب الاستثمارات، التي قال أنها ليست بالشكل الذي يتم الترويج له، وأن الأموال التي تم إنفاقها لا ترقي للاستثمارات،، كلها دلائل تشير إلي أن ردود الأفعال لم تكن علي هوي المسئول السعودي.

وطبقا لمحللين سياسيين فإن المسئولين بالسعودية لن يقفوا في الأغلب بصف آل الشيخ أيضا، خاصة وان الرجل كان سببا في أزمات مع دول عربية أخري منها المغرب والكويت والآن مصر، وبرر المحللون ذلك بأن حملة الانتقادات داخل السعودية ضد آل الشيخ في تزايد مستمر، وأن الإشاعات التي خرجت قبل أيام بإعفاءه من منصبه إنما تشير إلي أن ولي العهد السعودي ربما يضحي برجله القوي المثير للأزمات التي تكون غالبا سببا في تورط الديوان الملكي السعودي في مشاكل كان في غني عنها.