العدسة: محمد العربي
لم يجد وزير الخارجية الإمارتي عبد الله بن زايد ما يقدمه أعلي منصة الأمم المتحدة خلال القمة 73 للجمعية العمومية، إلا بمطالبة إيران بالحوار الجاد من أجل القبول بالتحكيم في قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها منذ عام 1971.
مناشدات ابن زايد أثارت انتقادات، بقدر ما أثارت تساؤلات، أما الانتقادات فلأن قضية احتلال جزر طنب الكبري وطنب الصغري وأبو موسي، بدأت قبل نشأة دولة الامارات بأيام قليلة مما جعل القضية قديمة بقدم الدولة ذاتها، ومع ذلك لم تحرك الإمارات ساكنا تجاه هذا الاحتلال الذي شهد رفضا عربيا وإقليما ودوليا.
أما التساؤلات فهي متعلقة بالموقف الغريب للإمارات التي تدير حربا شرسة أدي لشبه احتلال لدولة عربية أخري وهي اليمن، بالإضافة لتوسعات غير طبيعية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، استخدمت فيها الإمارات آلة عسكرية ضخمة، ومع ذلك فإنها لم تستطع مواجهة إيران حتي في أضعف حالاتها سواء في حرب الخليج الأولي ضد العراق، أو نتيجة الحصار العسكري والاقتصادي الأمريكي منذ قيام دولة الخميني عام 1979.
لا نية للمواجهة
الدرسات والتحليلات التي تناولت التعاطي الإماراتي مع قضية جزرها الثلاث المحتلة، تؤكد أن أبناء زايد ليس لديهم أية نية للدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، حتي لو كان ميزان السلاح العسكري لصالح الإمارات، لأنه في المقابل فإن القوة البشرية والتدريبية تصب في صالح إيران.
ويري المحللون الذي قدموا العديد من الدراسات أن الإمارات أنه رغم مميزات الجزر الثلاث إلا أن الإمارات لم تبذل أي جهد او تضحيات عسكرية، حتي ولو كان من باب التلويح فقط، بينما نقلت اهتمامها لدولة أخري وهي اليمن الذي لم يكن علي رادار الإمارات قبل تمكن محمد بن زايد من مقاليد الأمور في بلاده، واعتماده كمندوبا فاعلا للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة العربية، وتكليفه بتخريب دول الربيع العربي.
وقد تناول المحللون الموقف الإماراتي تجاه جزرهم الثلاث المحتلة، بنظريات مختلفة، فمنهم من رأي الأمر يرجع في الأساس لخوف الإمارات من أية مواجهات مباشرة مع إيران، حتي لا تقوم الأخيرة بابتلاعها في غمضة عين، بينما ذهب فريق آخر إلي ما هو أبعد من ذلك وهو أن الإمارات فعلت ما فعله السيسي ولكن في الخفاء، حيث قامت ببيع الجزر الثلاث لصالح طهران.
نيران صديقة
الرأي السابق لم يكن مجرد شطحات إعلامية لأعداء آل زايد الذين زادوا بكثرة خلال السنوات الماضية، وإنما جاء الكشف عن قيام الإمارات ببيع جزرها الثلاث من خلال دولة صديقة، وهي الكويت التي اعتادات ان تكون علي مسافة وسط من القضايا العربية والخليجية، ولذلك لم تنضم لمربع الشر العربي الذي تمثله الإمارات والسعودية ومصر والبحرين.
وقد جاء الإعلان عن عملية البيع من خلال العنوان الرئيسي لعدد صادر عن جريدة الرأي العام عام 1970، وأهمية ذلك أن الرأي العام تعد كبري الصحف اليومية الكويتية، وتمثل لسان حال الحكومة هناك.
وقد أعاد نشطاء خلال الأشهر الماضية نشر ما سبق للجريدة أن كشفته قبل 48 عاما، والتي كشفت فيه عن صفقة مثيرة بين حاكم رأس الخيمة وإيران تم بمقتصاه بيع الجزر الثلاث مقابل 20 مليون درهم و20 سيارة فارهة قالت الجريدة أنها كانت ثمن الصفقة.
واعتبر النشطاء الذين اهتموا بإعادة نشر الخبر أن ذلك يفسر عدم ذهاب الإمارات، حتى الآن، للأمم المتحدة واللجوء للتحكيم الدولي لاستعادة أراضيها المحتلة عام 1971.
ويؤكد العديد من الخبراء ان الخبر السابق له شواهد عديدة علي أرض الواقع، خاصة وأنه في الوقت اذي توسعت فيه الإمارات في البحر الأحمر والقرن الإفريقي لحماية تجاراتها من جانب، ومن جانب آخر لتنفيذ مخططات أمريكية بأن يكون هناك موضع قدم غير مباشرة لأمريكا في منطقة تشهد صراعا روسيا وتركيا وصينيا وإسرائيليا وقطريا علي النفوذ والسيطرة.
عض وطني ولا تعض رغيفي
ويري الخبراء أن الأولي بالإمارات كان الدفاع عن جزرها الثلاث التي تمثل أهمية استراتيجية في مضيق هرمز، مدخل الخليج العربي وممر التجارة البحرية القادمة والخارجة من وإلى المضيق، كما تأتي أهميتها نتيجة غناها بالموارد الطبيعية بكميات كبيرة من النفط الخام وثروة أكسيد الحديد وخاصة بجزيرة أبو موسى.
وطبقا لدراسات عديدة فإن الإمارات منذ عام 1988 غيرت استراتيجيتها في التعامل مع إيران باستخدام أسلوب التقارب والتزام الحياد والدعوة لإنهاء الحرب بين طهران وبغداد عكس جارتها السعودية التي دعمت العراق بشكل ظاهري، ونقلت السلاح الأميركي من الباطن لطهران عن طريق بندر بن سلطان، وهو ما أشارت إليه دراسة موسعة لمركز البرق للدراسات السياسية الذي تناول باحثوه هذا الملف بشيء من التفصيل.
وطبقا للدراسة ذاتها فإن الموقف الإماراتي السابق كان هو ذاته موقفها في الأزمة النووية الإيرانية حيث سعت الإمارات لإحداث حالة توازن بين احتواء القوة الإيرانية عبر دعم الجهود الدبلوماسية لمحاربة البرنامج النووي الإيراني من جهة، والحفاظ على علاقات ودية لتجنب حدوث مواجهة شاملة من جهة أخرى، التزمت خلالاها الإمارات بقرار الأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، ولكنها لم تلتزم بأية ضغوط أمريكية فردية خارجة عن قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، واستغلت الإمارات تلك المساحة في تعزيز علاقتها الاقتصادية مع إيران.
وتؤكد الدراسة أن الإمارات تعاملت مع إيران في موضوع العقوبات بشكل مختلف حيث استقطبت الإمارات رؤوس أموال إيرانية ضخمة للاستثمار في بلادها، كما كانت دبي منفذاً رئيسياً للواردات والصادرات الايرانية، ولعب آل راشد دور الوسيط في تصدير السلع الايرانية لأنحاء العالم، مما جعل استفادة دبي أكثر بكثير من إيران.
عيب يا إيران
وما يثير الدهشة طبقا للباحثين في هذا الملف، هو أن الإمارات التي تحافظ أن يكون موضوع الجزر الثلاث علي جدول أعمال الجامعة العربية سواء علي مستوي المندوبين أو الوزراء أو علي مستوي القمة، تعاملت مع الأزمة علي أرض الواقع بهدوء ورفعت شعار “عيب يا إيران .. إحنا جيران”، وهي السياسة التي تبنتها جريدة الاتحاد الحكومة الإماراتية علي سبيل المثال، والتي يتناول كاتبوها الإماراتين موضوع الجزر من خلال مناشدة إيران بحفظ الجميل لحكام أبو ظبي الذين تركوا لهم الجزر ليستفيدوا منها دون إزعاج.
واستدل هذا الفريق بالعديد من الكتابات منها ما نشره الكاتب الإماراتي عبدالله محمد الشيبة في مقاله بجريدة الاتحاد والذي أكد فيه أنه ورغم التعنت الإيراني في الاستجابة لصوت العقل وحق الجوار فإن دولة الإمارات لم تقابل الاحتلال الفارسي لأرضها إلا بسياسة تهدف لاحتواء الأزمة ومظاهر ذلك عديدة منها على سبيل المثال تعدد النداءات والدعوات للقيادة الإيرانية للتحلي بالعدالة والاستجابة لمطلب حل الأزمة بالطرق السلمية. كما أن إيران تتمتع بمعدلات تجارة خارجية مرتفعة مع دولة الإمارات وتكاد تكون تلك المعدلات الأعلى بين مثيلاتها بين إيران وبقية دول المنطقة.
واختتم الكاتب مقاله بتساؤل: هل تذعن القيادة الإيرانية وتنأى بنفسها عن الاستبداد والاحتلال وتعيد الجزر المحتلة لوطنها الأم وتطبق مبادئ حسن الجوار؟.
الخليج مجتمع
وقد أجاب علي التساؤل الأخير دراسات مختلفة أغلبها أكدت ان أبو ظبي ليس في نيتها إطلاقا الدخول في صدام مسلح مع إيران حتي لو احتلت الأخيرة أراض إماراتية أخري ، ووضع أصحاب هذا الرأي تصورا في حالة خالفت الإمارات التوقعات وأرادت استخلاص جزرها المحتلة بالقوة، وهو ما أشارت إليه دراسة 2صادرة عن المنتدي العربي للإرادة والتسليح، والتي ذهبت إلي أن معدلات القوة التسليحية بين إيران والإمارات ليست في صالح الأخيرة، والتي يجب عليها إذا أرادت تحرير أرضها أن تستعين بكل القوة الخليجية ولا مانع من المصرية لمواجهة القوة الإيرانية، إن أرات الإمارات تحرير جزرها الثلاث.
* الحلقة الأخيرة من بحث لـ (مركز برق) للأبحاث يتعلق بالإمارات ودورها في النزاع السوري وينشر حصريا بالاتفاق مع المركز
اضف تعليقا