إبراهيم سمعان
في خضم التشنجات الحادة في المعدة، والإسهال والقيء المتكرر، حاولت مجموعة من العراقيين الحصول على إجابة دون جدوى في الممرات المزدحمة بمستشفى الصدر الواقع على بعد بضعة أمتار من نهر “شط العرب” الذي يقسم مدينة البصرة إلى قسمين، فوفثقا لمحمد رفعت مدير إدارة الطوارئ تستقبل المستشفى ما يصل إلى 300 مريض يوميا.
تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة “لوريون لوجور” الضوء على المياه المالحة والملوثة في مدينة البصرة، واستنكار عشرات الآلاف من العراقيين عدم رد فعل السلطات المحلية على هذه القضية ومطالباتهم بتقديم توضيحات.
“أين الأطباء؟ من يستطيع مساعدتي؟” تصيح امرأة ترتدي ملابس سوداء، ابنها يتلوى من الألم مستلقيا على نقالة، وليس ببعيد عنها عائلة ثكلى تنعى وفاة أحد الأحباء.
بعد دقائق طويلة من الانتظار دون إجابة لصرخاتها، يستعد يوسف حسين، الذي سمم للمرة الثانية في غضون أسبوعين، للحصول على جرعة قائلا “لدي مغص شديد في المعدة”، وبالقرب منه يستلقي كاظمي وادي، 75 عاما، على سرير، يشرب بصعوبة في محاولة للوقوف على قدميه، بمساعدة ابنه، مؤكدا “أشعر بألم شديد في معدتي. كما أنني أعاني من متاعب في القلب، وهذا كثير”.
منذ 12 أغسطس، تم استقبال أكثر من 95000 مريض في جميع مرافق المستشفى، وبحسب محمد رفعت “أعمل مديرا لأكثر من سبع سنوات ولم أشهد مثل هذه الأزمة من قبل”.
كل يوم، تقول الصحيفة، يتم تسجيل من 2000 إلى 4000 حالة جديدة من التسمم، وتكافح المستشفيات لاحتواء تدفق المرضى، وسط عجز السلطات المحلية عن تقديم أي دليل علمي يشرح الأسباب.
أظهر بحث أجراه شكري الحسن، أستاذ التلوث البيئي في جامعة البصرة، أن ملوحة مياه شط العرب أعلى 22 مرة من المعدل المقبول، هذا الملح نفسه الذي يتسلل إلى شبكة مياه الشرب.
ويقول يوسف حسين، الجناة يبحثون في مكان آخر بعيدا عن محطات معالجة المياه، غير المجهزة لتصفية المياه المالحة والملوثة “شرب كوب من الماء أصابني بالتسمم”.
من جهته أوضح رياض عبد الأمير الحلفي، مدير إدارة الصحة في البصرة أن “العديد من محطات المياه غير المشروعة ما زالت نشطة في البصرة لكننا لا نستطيع إغلاقها لأنها ضرورية لتزويد السكان بالمياه”.
ورداً على تفشي المرض، ضاعف مستشفى الصدر طاقم قسم الطوارئ من 12 إلى 33 طبيباً، لكن هذا لا يكفي، فالمستشفى ككل يحتاج 1600 فرد إضافية، ناهيك عن نقص الأدوية المتاحة ، مما يجبر العديد من المرضى على التوجه للصيدليات الخاصة بالمدينة.
ولإدارة 13 مستشفى عاملة في المحافظة، تزعم مديرية الصحة أنها تحصل على 1.3 مليون دولار شهريًا ، مقابل 7.6 مليون في عام 2013. “منذ عام 2009 ، هناك 10 مستشفيات أخرى قيد الإنشاء ، ولكن لم تستكمل أي منها بسبب قيود الميزانية”.
الخوف من الكوليرا
تشكل درجات الحرارة، المعتدلة مع اقتراب الخريف، الأرض المثالية لتكاثر الكوليرا، يتنهد الحلفي “نخشى انتشار الوباء، وندعو الله”.
وبإنتاج يومي يبلغ 3.5 مليون برميل نفط، فإن البصرة، أغنى محافظة بالعراق في مجال المحروقات، مهملة تماما من السلطات المركزية.
مدينة البصرة، الملقبة سابقاً بـ “فينيسيا الشرق الأوسط” لقنواتها التي تشبه المدينة الإيطالية، تعاني حاليا من الخدمات العامة وبها معدل بطالة يبلغ 28٪ بين السكان الذين تزيد أعمارهم عن 25 عامًا، كما يوجد بها أقل مستوى من التعليم الثانوي، يضاف إلى ذلك المجاري التي تصب كميات كبيرة في النهر.
على بعد مئات الأمتار من مستشفى الصدر، يتجمع المتظاهرون أمام مبنى محافظة البصرة، التي اشتعلت فيها النيران يوم 4 سبتمبر 2018، ويقول أبو عدي، 63 سنة، بصوت غاضب “إن شط العرب الآن سم مثل داعش”.
اضف تعليقا