العدسة – ياسين وجدي: 

لم يكن ما جرى مع الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلا سطرا من معاناة المناضلين الذين اختاروا من المنفى الاختياري مواجهة أبرز الأنظمة القمعية في المنطقة بحسب الحقوقيين وهم : مصر، والإمارات والسعودية والبحرين.

فما بين اللجوء السياسي والإفلات من الإنتربول أو الطرد ومواجهة التحريضات الصريحة بالقتل أو حتى الموت ، يعيش المناضلون في الخارج بحسب ما رصد “العدسة”، في مواجهة مفتوحة.

السعودية

تصدرت السعودية آليات الغدر بالمعارضيين السياسين الذين خرجوا منها أو الأمراء في داخلها ، ولازالت حادثة إخفاء الصحفي جمال خاشقجي ، الذي أفاد مسؤولون أتراك بأنه “قُتل” في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول، وأكدت ذلك وكالة “رويترز”.

 

وسبق “خاشقجي” الذي اختار المنفي الاختياري في أمريكا ثم تركيا ، ثلاثة أمراء سعوديون معارضون اختفوا بحسب وثائقي لشبكة بي بي سي باللغة العربية بعد أن جرى ترحيلهم إلى السعودية ، وهم الأمير السعودي سلطان بن تركي بن عبد العزيز، والأمير تركي بن بندر آل سعود والأمير سعود بن سيف النصر ، وقبلهم اغتيال النظام السعودي ناصر السعيد أبرز وأول معارض للنظام السعودي.

الأمير منصور بن عبد العزيز لقي حتفه عام 1951 في باريس طبقا لاحدي الروايات علي يدي اخويه الكبيرين فيصل وخالد في صراع على العرش لكن من نفس الكأس لقى  فيصل بن عبد العزيز ثالث ملوك السعودية حتفه في 25 مارس 1975 في الرياض بعد غدر من ابن اخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود  في مكتبة بالديوان الملكي حيث أرداه قتيلا بعدة رصاصات.

اللجوء السياسي كان مصير كثير من المعارضين والمنشقين عن النظام السعودي، والذي وصل إلى العائلة المالكة حيث أعلن الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي غادر السعودية آخر مرة في العام 2007، حصوله على اللجوء السياسي في ألمانيا بعد العام 2013، معلنا أنه كان يشعر بالخطر على حياته، قبل أن ينشق عن العائلة الحاكمة، وفي سبتمبر الماضي، أعلن 20 طالبا سعوديا اللجوء السياسي لكندا بعد الأزمة بين البلدين، وسبقهم الحقوقي السعودي المعارض غانم الدوسري الذي طلب اللجوء إلى المملكة المتحدة.

لندن كانت خيار محمد بن عبد الله المسعري أمين عام حزب التجديد الإسلامي، وفشلت كل المحاولات السعودية لاستعادته بعد تدخل القضاء ، وكذلك كان قرار المعارض السعودي البارز سعد بن راشد الفقيه.

مصر

وبات اللجوء السياسي والفرار من مصر عقب الانقلاب العسكري في 2013 ، قرار الكثيريين من المعارضيين ، وتصدر أسماء المصريين قوائم طالبي اللجوء السياسي إلى كندا ودول الاتحاد الاوروبي وبريطانيا.

 

نحو نصف طالبي اللجوء لكوريا الجنوبية في 2018 من المصريين المعارضيين ، بحسب تقارير شبه رسمية كورية، وقررت وزارة العدل الكورية طلب الحصول على “تأشيرة مسبقة” لدخول البلاد من حملة جوازات السفر المصرية، وفي عام 2017، قدم ما يصل إلى 4344 مصرياً طلبات لجوء في كوريا الجنوبية، وهو عدد يفوق عدد الباكستانيين (4268)، والصينيين (3639) !!.

 

الطرد بعد استقرار كان مصير البعض ، وتحدثت تقارير مصرية رسمية و  تقارير سودانية عن أزمة بين السلطات السودانية وقيادات مصرية معارضة تنتمي للاخوان في فبراير  2018 انتهت إلى طلب السودان من مسئولى الجماعة المصريين المتواجدين بضرورة مغادرة أراضيهم، على أن تشمل المرحلة الأولى الصادر ضدهم أحكام فى مصر سواء من القيادات أو الأعضاء.

 

التوقيف في المطارات ، كان من نصيب البعض، ومؤخرا اوقفت إيطاليا وزير الشؤون البرلمانية المصري السابق محمد محسوب بعد توقيفه لساعات في مدينة كوميسو جنوبي إيطاليا علي خلفية اتهامات رسمية مصرية له ، وسبق توقيف محسوب، اثنين من المعارضين المصريين في الخارج، هما: الإعلامي أحمد منصور والناشط عبد الرحمن عز، كما تحاول السلطات المصرية كثيرا التواصل مع “الانتربول” لتسليم بعض المعارضين في الخارج دون جدوى.

ما حدث مع الثلاثة تكرر كثيرا مع العديد من المصريين ، وتدخلت الامارات لترحيل المعارض المصري أحمد المقدم، الذي طلب اللجوء في كوريا الجنوبية، وإعادته إلى بلاده على متن الخطوط الإماراتية، على الرغم من الخطورة على حياته، وعدم رغبته في العودة ولكن أفلت بأعجوبة بعد تدخلات حقوقية.

وفي السياق ذاته بات الموت مصير البعض في الخارج ، سواء من كبار السن أو الشباب تحت وطأة المرض أو الحوادث بحسب تحدث معارضون في الخارج علي مواقع التواصل الاجتماعي، كما وصل الأمر مؤخرا إلي التحريض العلني من أذرع النظام على قتل 3 صحفيين معارضين هم (أيمن نور ومعتز مطر ومحمد ناصر).

 البحرين

وتصدر اللجوء السياسي خيارات المعارضيين في البحرين ، مما استدعى توتر النظام البحريني ، حيث أصدر تصريحات غير دقيقة ضد قطر ، زعم فيها أن تستقبل من يهدد امن البحرين في اشارة الى المعارضين الذين يواجهوا اتهامات من هذا القبيل في المنامة بعد انتفاضة 2011 المطالبة بحقوق الشيعة، وهو ما نفته الدوحة وأصدرت بيانا خاصا لتوضيح مقاصد قانون اللجوء السياسي والذي يحمل رقم 11 لسنة 2018 .

وتصدرت بريطانيا بوابة قبول طلبات اللجوء السياسي لأفراد وقيادات المعارضة البحرينية ، وتشير التقديرات المعلنة في 2014 إلى أن ما يصل إلى 150 من البحرينيين قد طلب اللجوء في بريطانيا منذ بدء انتفاضة العام 2011 من دون الخضوع لعملية تجهيز الدوائر.

ولم تصمت السلطات البحرينية إزاء استقرار المعارضين في الخارج ، حيث تعتمد سياسية الملاحقة في الخارج كما في الداخل ، وأعلنت في وقت سابق أن المنظمة الدولية لمكافحة الجريمة “انتربول” وافقت على إصدار مذكرات توقيف بحق معارضين ، وفي العام 2016 ، عممت الداخلية البحرينية نشرات حمراء تضم أسماء من وصفهم بـ “الهاربين والمتورطين بقضايا الإرهاب وهم مجموعة من النشطاء والمعارضين للنظام، ومنهم زعيم حركة أحرار البحرين المعارضة في لندن الدكتور سعيد الشهابي وحسن مشيمع، عبدالرؤوف الشايب والمدون البحريني البارز علي عبدالإمام .

الامارات

ووفق تقارير حقوقية فإن الإمارات تحاول استخدام منظمة الشرطة الدولية “الإنتربول” لتحقيق أهداف خاصة، مستغلة بذلك الدعم الذي تقدمه للمنظمة لملاحقة المعارضين للنظام الاماراتي في الخارج .

وراج استخدام المعارضين الاماراتيين إلى اللجوء السياسي لمواجهة القمع المتزايد في البلاد، وبرز اسم السيدة  آلاء الصديق، زوجة المعارض الإماراتي عبدالرحمن باجبير التي طالبت اللجوء السياسي لقطر ورفضت الدوحة تسليمها للامارات بناء على عدم وجود أي قرائن جنائية جدية ضدها .

كما برز اسم الشيخ راشد بن حمد الشرقي، رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، والذي سافر إلى العاصمة القطرية الدوحة وطلب اللجوء السياسي هناك احتجاجا على تهديدات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد

وكانت بريطانيا بوابة اللجوء السياسي كذلك للمعارضين الاماراتيين الاسلاميين   ومنهم عبد الوحيد البادي، وسعيد البريمي ، وشهدت العلاقات بين لندن و أبو ظبي حالة من التوتر على ارضية وصول ثلاثة من المعارضين الاماراتيين الاسلاميين الى لندن وتقدمهم بطلبات للحصول على حق اللجوء السياسي في المملكة المتحدة في العام 2014.

نضال لا يتوقف

وفي مقابل الملاحقة القمعية ، دشن قيادات المعارضة والنشطاء والحقوقيون المطادرون في الخارج فعاليات سياسية وحقوقية وقانونية دولية في العديد من أنحاء العالم لفضح وتجريس النشاط القمعي لأنظمة دول العدوان مصر والسعودية والامارات والبحرين.

وخسرت الدول الأربع في ديسمبر 2017 ، في مواجهة يقظة متأخرة من الإنتربول الدولي بعد أن رفع عددا من أسماء لشخصيات تم إدراجها سابقا على قوائم المطلوبين أبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي قامت دول الحصار بإدراجه ضمن قوائم الإرهاب –الخاصة بها

 

كما كشف حقوقيون أن “الإنتربول” قام بتدمير أغلب الملفات الخاصة بالمعارضين السياسيين المصريين الذين طلبت سلطات بلادهم إدراجهم على قوائم المطلوبين بعد أن تأكد لها عدم صدقية الاتهامات مشيرة إلى أن “الإنتربول” أصبح أكثر معرفة بما يجري في مصر.

وباتت القنوات الفضائية المعارضة في الخارج أداة مهمة للنضال في مواجهة أنظمة الدول الأربع ، وهو فيما يبدو ما دفع المرصد العربي لحرية الاعلام إلى القاء الكرة في ملعب الحكومة التركية بعد حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، حيث حذر أن يكون ما جرى مقدمة لتكراره مع صحفيين معارضين آخرين يقيمون في تركيا سواء مصريين أو غير مصريين، وطالب المرصد الحكومة التركية بتوفير التأمين الكافي.