العدسة – ياسين وجدي:

قد تفصلنا أيام أو ساعات عن تأكيد إدانة السعودية في إخفاء الكاتب الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي قبل اغتياله ، ولكن المؤكد أن طبول المصير المظلم بدأت تدق!

الثمن باهظ وفق رصد “العدسة” ، فالسعودية باتت رهن العقوبات الاقتصادية أو الملاحقة القانونية الدولية أو التغيير السياسي في المملكة أو سيناريو رابع وهو تجميد الأزمة كأن لم يكن شيئا مر ولكن بعد دفع الثمن وتسليم مفاتيح القرار للبيت الأبيض.

الملاحقة الدولية !

الملاحقة الدولية هي أبرز السيناريوهات المتوقعة بحسب المراقبين ، خاصة بعد مطالبة خبراء بالأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي مستقل على الفور بشأن اختفاء جمال خاشقجي ، وأهمية تحديد الجناة والمخططين وتقديمهم إلى العدالة الدولية.

قانون ماجنيتسكي” الذي وضعته إدارة الرئيس الامريكي السابق أوباما، بهدف تمكينها من ملاحقة المتورطين في جرائم متعلقة بحقوق الإنسان، عزز من فرصة صعود الملاحقة الدولية في الصدارة ضد السعودية وفريق الأمير المتهم بتدبير الاغتيال محمد بن سلمان.

المشرعون الأمريكيون من لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ طالبوا الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب، بفتح تحقيق في اختفاء خاشقجي بموجب “قانون ماجنيتسكي”، الذي يتيح إمكانية فرض عقوبات على الجهة المتورطة، وساهم في تقوية المطالبات أن من بين الموقعين على الرسالة السيناتور الجمهوري البارز بوب كوركر، والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، والديمقراطي بوب مينيندز .

قوة القانون الذي اصبح عالميا في العام 2016 تأتي في كونه يلزم الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق بعد طلب من الأعضاء البارزين في اللجنة، إذا ما كان أجنبيا مسئولا عن جريمة قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا بحق شخص يمارس حريته في التعبير، واصدار خلال 120 يوما من الرسالة، يتضمن قرارا بشأن فرض عقوبات على أي شخص يعتبر مسئولا عن انتهاكات حقوقية خطيرة مثل التعذيب والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة أو قتل شخص خارج نطاق القضاء لممارسته هذه الحرية.

ويبدو أن الأمير المتهم محمد بن سلمان ، محاصر من شبح الملاحقات القانونية الدولية في ظل تقديم دعاوي دولية ضده بشأن ارتكاب جرائم حرب بمشاركه حليفه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد .

النزيف الاقتصادي

العقوبات الاقتصادية ، أحد الخيارات الراجحة سواء عبر المقاطعة أو عبر القرارات الدولية ، وهو ما يرشح السعودية لخسائر اقتصادية كبيرة بدأت فور تأكيد الشكوك تجاه جريمة الامير المتهم محمد بن سلمان في اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي.

ثمن اقتصادي باهظ ، هذا هو تهديد السيناتور الأمريكي الجمهوري البارز ليندسي جراهام للسعودية ، وكشفه في تصريحات على حسابه الرسمي على تويتر مؤكدا أنه “إذا ثبتت صحة أي من الادعاءات بشأن ارتكاب الحكومة السعودية لانتهاك في هذا الصدد فإنه سيكون مدمرا للعلاقات الأمريكية السعودية، وسيكون هناك ثمن باهظ يتعين دفعه، اقتصاديا وفي مجالات أخرى”.

 

وبحسب “قانون ماجنيتسكي” فإن العقوبات اقتصادية كذلك حاضرة وتشمل على وجه الخصوص، حجز الممتلكات أو الأصول التي قد تكون تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الخاضعين للقانون، لن يكونوا قادرين على الحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة.

السيناتور الأمريكي البارز راند بول طرح خيارا آخرا في العقوبات وهو وقف مبيعات الأسلحة للسعودية في حال ثبتت مسؤوليتها عن الجريمة ، وقال بول في حديث متلفز: “علينا وقف بيع الأسلحة لهم إذا كانوا مسؤولين عن ذلك، أو حتى إن وجدت إشارات لمقتل الصحفي”.

 

وفي ضربة مؤثرة للمشروعات الإقتصادية ، اعلنت شخصيات دولية ومؤسسات اعلامية مقاطعة مشروع اقتصادي كبير ومؤتمر اقتصادي مرتبط برؤية 2030 التي يرعاها محمد بن سلمان بجانب انسحابات من السوق السعودي.

وزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز أعلن تعليق دوره الاستشاري في مشروع مدينة نيوم الاقتصادية السعودية بالتزامن انسحابات بالجملة من مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” المقرر انعقاده في السعودية برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، من بينهم : رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم، ورئيس شركة فياكوم الأمريكية التنفيذي بوب باكيش، رئيسة شركة “ثريف غلوبال” أريانا هافينغتون، والرئيس التنفيذي لشركة “أوبر” الأمريكية دارا خسروشاهي.

كما قرر الملياردير ستيف كيس أحد مؤسسي شركة (إيه.أو.إل) أن يبتعد حاليا عن السعودية بجانب شبكة “سي إن إن” الإخبارية وصحيفة “نيويورك تايمز”، كما أعلن رجل الأعمال البريطاني مؤسس مجموعة «فيرجن» ريتشارد برانسون، تعليق مباحثاته مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي على خلفية ذات الأزمة في خسارة بالغة حيث أعلن صندوق الاستثمارات السعودي في عام 2017،اعتزامه استثمار مليار دولار في مشاريع فضاء تابعة لشركات يملكها «برانسون».

وأنهت مجموعة هاربور جروب، وهي شركة في واشنطن تقدم خدمات استشارية للسعودية منذ أبريل 2017، الخميس الماضي عقدا مع المملكة حجمه 80 ألف دولار في الشهر. وقال عضوها المنتدب ريتشارد مينتز “لقد أنهينا العلاقة”.

ويرى مراقبون أن الرئيس الأمريكي سيعمل ما في وسعه لابتزاز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تكرار لما حدث للعقيد الليبي الراحل “معمر القدافي” في ما عرف بقضية” لوكربي”، حيث جرى توظيف هذه القضية لإستنزاف ثروات ليبيا و الضغط على نظام القدافي.

تغيير سياسي

التغيير السياسي في السعودية متوقع وسيناريو محتمل.

فالأمير الشاب محمد بن سلمان المتطلع لكرسي العرش محاصر من كافة الجهات بحسب المراقبين ، ولم يقدم انجازا كبيرا يحقق له شرعية مؤقتة ، وهو ما ذهبت له صحف فرنسية عديدة مؤكدة أن قضية جمال خاشقجي وضعت “سمعة محمد بن سلمان ومستقبله السياسي على المحك”.

ويرى المتابعون للشأن السعودي أن ورقة “بن سلمان” احرقت بشكل كبير ، وشائعات استهدافه باتت متكررة تهز أي استقرار مستقبلي له ، بالتزامن مع غضب الامراء في الأسرة المالكة منه، وفي مقدمتهم الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي بات اسمه رائجا في بورصة المرشحين للعرش بعد الاطاحة بأخيه ونجله بل إن مؤشرات ضعيفة تتحدث عن صعود سهم أخيه الأمير خالد سفير السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حرصه على ظهور مختلف ولافت عنه قد يستغل في وقت ما بحسب البعض .

وبحسب صحيفة “تايمز” البريطانية فإن ولي العهد السعودي تسبب في نشوء أعداء أقوياء له داخل الأسرة الملكية ووسط النخبة المالية بسبب تركيز ابن سلمان، السلطات في يده بعد أن كانت موزعة بين عدة جهات، وانفراده بكل القرارات حتى أخطرها بعد أن كان هناك حرص على الإجماع في صناعة القرار”.

الأمر تخطى شخصه الذي حذرت من صعوده المخابرات الألمانية  ولكن مراقبون يرون أنه منذ صعود محمد بن سلمان وبدأت الأزمات الداخلية والخارجية تتفاقم في هذا البلد، ووصل الأمر إلى أن الكثير باتوا يعتقدون بأن نهاية المملكة والأسرة الحاكمة أضحت قريبة على يد هذا الشاب .

أزمة مقابل التسليم!

ويبقي سيناريو تمرير الأزمة دون اجراءات أو عقوبات موجودا وإن كان ليس له ما يدعمه سوى رغبة الرئيس الأمريكي في الحفاظ على حليفه السعودي مقابل “حلب البقرة” بحسب وصفه وابتزازها وامتلاك البيت الابيض مفاتيح القرار .

دونالد ترامب وصف إنزال العقوبات على السعودية بأنه سيكون بمنزلة “قرص من الصعب جداً على بلدنا ابتلاعه”، موضحا أنه لا يرى سببا يمنع استثمارات السعودية في الولايات المتحدة حيث أن المملكة تملك خيارات أخرى لشراء الأسلحة والاستثمار غير أمريكا ومنها روسيا والصين.

وبرر ترامب موقفه بأن وقف مبيعات الأسلحة سيؤذي الولايات المتحدة، والوظائف زاعما أن هناك أمور أخرى كثيرة تحدث في هذه البلاد ولدينا دولة تعمل من الناحية الاقتصادية أفضل من أي وقت مضى، وجزء من ذلك يرجع الى ما نفعله بأنظمتنا الدفاعية.

 

هذا السيناريو يعززه بحسب المراقبين الصفقات الأمريكية المستمرة للسعودية والامارات في حرب اليمن رغم المناشدات الدولية والحقوقية التي ربطت بين الصفقات وبين قتل آلاف اليمنيين .

وهذا التوجه يتناسب في حال بقاء الرئيس االأمريكي، دونالد ترامب، في سدة القرار مع اعترافه بوقوفه بأنه وراء صعود محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد السعودي، بحسب الكاتب الأمريكي مايكل وولف في كتابه الذي يحمل اسم “نار وغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض”.