العدسة: محمد العربي

كما كان متوقعا فاز زعيم المعارضة السابق أنور إبراهيم في الانتخابات البرلمانية التكميلية، ليضع قدما أخرى له في طريق رئاسته للحكومة الماليزية خلفا لرئيسها الحالي مهاتير محمد.

“أنور” الذي تحالف مع معلمه السابق في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي، خرج لتوه من السجن الذي قضى فيه معظم سنوات عمره الأخيرة، بعد أن بزغ نجمه بقوة لخلافة مهاتير في الحكومة عام 1998.

وبعودة أنور مرة أخرى للساحة السياسية تبرز العديد من الأسئلة عن مصير هذا السياسي الذي ارتقى لقمة السلطة عام 1993 بتعينه نائبا لمهاتير في رئاسة الحكومة، ولكن الود لم يدم طويلا بين الأستاذ والتلميذ فلم تمض خمس سنوات إلا وكان المرشح لخلافة أبو النهضة الماليزية في قاع السجون في اتهامات بالشذوذ بعد أن فشلت محاولات اتهامه بالفساد.

على الدنيا أن تسمع

ويرى متابعون لمجريات الأحداث في ماليزيا أن التصفيق الحار الذي استقبل به نواب البرلمان الماليزي الأحد الماضي أنور إبراهيم صاحب الواحد والسبعين عاما خلال أدائه للقسم بعد فوزه بالانتخابات التشريعية التكميلية، كان رسالة طالبوا فيها العالم أجمع بأن يسمعها، خاصة وأن زعيم ماليزيا القادم، لم يكن لأحد أن يتخيل أن يعود مرة أخرى للمشهد السياسي أو أن يخرج حتى من سجنه ولو بعفو ملكي.

الرسالة كما رآها المتابعون كانت موجهة للعديد من الأطراف أولهم أنصار التجربة الإسلامية التي يتبناها “أنور” الزعيم السابق لمنظمة الشباب الإسلامي الطلابية التي أسست حركة الشباب الإسلامي في ماليزيا، وهي رسالة معنوية هامة في ظل ما تعرضت له حركات الإسلام السياسي من هزات عنيفة بعد ربيع الثورات العربية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

ويشير المتابعون أن الرسالة الأخرى كانت للفريق المضاد للتجربة الإسلامية، وهو الفريق الذي كان سببا في تغييب أنور إبراهيم في السجون لعدة مرات، بأن دوام الحال من المحال، وأن الشعوب مهما تعرضت لضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية، إلا أن هناك مرحلة سوف تكون الكلمة النهائية فيها لهذه الشعوب.

وتأتي الرسالة الثالثة للأب الروحي للزعيم السجين، وبالأحرى لمهاتير محمد الذي كان سببا في إقصاء تلميذه ودخوله السجن بعد خلافات بين الرجلين في كيفية تعاطي الحكومة مع الفساد بالبلاد وقت أن كان مهاتير قائدا لنهضتها، وتأتي هذه الرسالة لتقول بوضوح أنه لا مستحيل في السياسة، فكما كان مهاتير سببا في سجن أنور ، كان أيضا سببا في خروجه وعودته للحكم مرة أخرى، باعتبار أن كلاهما كان في أشد الحاجة للآخر، في ظل هدف واحد مشترك بينهما وهو إنقاذ ماليزيا من دوامة الفساد والانهيار التي دخلت فيها طوال السنوات الماضية.

عائد إليكم

ورغم أن “أنور” الذي ظهر في البرلمان بعباءة بسيطة لم يحسم في إجاباته على الأسئلة المتعلقة بتوقيت تسلمه السلطة، وأنه سيترك لمهاتير ما أسماه “الحيز والحرية” للمضي في قيادة البلاد، وأنّه لن يتولى منصباً حكومياً، حتى تسلمه السلطة، إلا أنه سبق وأن قدم ردا قبل شهر على هذه التساؤلات على هامش مشاركته في قمة “سنغافورة 2018” الخاصة بالشؤون الاقتصادية والصناعية، حيث أكد الرجل صراحة أنه سيخلف مهاتير خلال عامين، مؤكدا أن خطة الخلافة في الحكم تمضي وفقا لما تم الاتفاق عليه.

وأضاف “أنور”: “فلندَع رئيس الوزراء  يُسيّر شؤون الدول، نحن نؤيده وهذا أمر مهم .. نحن لسنا في عجلة من أمرنا، .. مهاتير يقوم بدور مهم للغاية من أجل البلاد”.

وطبقا للتصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام عن “أنور” فقد أكد أيضا أن بلاده تحتاج إلى الاستقرار وإلى زعيم قوي، وأنه واثق من أن مهاتير يؤدي مهام منصبه بشكل فعال.

وعن علاقته بمهاتير أكد “أنور” أنها وثيقة ولا يرى سببا للشك في صدق نواياه، نظرا للطريقة التي تصرف بها خلال الأشهر الأربعة منذ الفوز الكاسح في الانتخابات.

من السجن للحكم

وتشير دراسة قيمة لمركز “السنة للدرسات” المعني بقضايا العالم الإسلامي أن أنور إبراهيم كان ضحية للعلمانية والديمقراطية المزيفة، خاصة وأنه كان يمثل نموذجاً في نظر بعض المثقفين لإمكانية قدرة التكنوقراط الإسلاميين من اختراق الأنظمة العلمانية والعمل من داخلها لأسلمتها، ويبدو أن هذا النموذج قد تحطم على صخرة الصدام الذي جرى بين “مهاتير” وبين “أنور”، والذي قاده إلى السجن والمحاكمة وتلويث سمعته.

وتشير الدراسة إلى أن كل من التجربتين الماليزية والتركية تؤكدان أن النظم العلمانية مدنية كانت أو عسكرية هي المسؤولة عن بدء ممارسة العنف ضد التيار الإسلامي، مستدلة بحالة «أنور إبراهيم».

لماذا التفاؤل

وانطلاقا لما جاء في هذه الدراسة فإن تساؤلات عديدة تطرح نفسها على طاولة المختصين، حول إمكانية تكرار ما حدث مع “أنور” مرة أخرى، خاصة وأنه طوال السنوات التي كان مسجونا فيها تعرض حزبه لمضايقات عديدة من الحكومات الماليزية سواء التي كان يتولاها مهاتير أو التي تولاها عبد الله بدوي ومن بعده نجيب عبد الرازق الذي يحاكم الآن في 28 اتهاما بالفساد.

ويشير المحللون أن وضع “أنور” الآن مختلفا عن السابق بعد معاناة ماليزيا من حكم نجيب عبد الرازق ووصول ماليزيا لحالة من التردي والفساد أعادتها سنوات عديدة للوراء بعد التقدم الذي شهدته مع الثورة الاقتصادية التي قادها مهاتير محمد، هذا بالإضافة لانتهاء طموح الرجل العجوز الذي أدت خلافاته مع تلميذه للموافقة على الزج به في السجن بعد فشله في التصدي لقوى المال والفساد خلال أزمة أنور إبراهيم الأولي عام 1998، طبقا لأفضل الروايات المتعلقة بموقف مهاتير من الأزمة وقتها.

ويضاف لذلك طبقا للمحللين أن قوة “أنور” الآن مختلفة عما قبل، ففي عام 1998 عندما أطاح مهاتير به كان الأول رئيس الحزب الأكبر في البلاد، وكان الثاني مجرد عضو قيادي فيه. أما الآن فالعضو القيادي أصبح قائدا للحزب الأكبر في التحالف الحاكم، وبات مهاتير هو الطرف الأضعف في المنظومة، رغم قوته ونفوذه الشخصي.

وطبقا للمحللين أيضا فإن نجاح التوليفة التي أحدثتها التجربة التركية على يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي انتقل بتجربة الحكم الإسلامي من اللا ممكن إلى الممكن، سوف تخفف الضغط على رئيس وزراء ماليزيا المقبل، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الفترة التي شهدت المواجهة مع أنور إبراهيم صاحبت أزمة مماثلة في تركيا مع رئيس حزب الرفاه الراحل نجم الدين أربكان، كما شهدت نفس الفترة حملة شرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين بمصر تمثلت في أول محاكمات عسكرية ضد قيادات الإخوان منذ رحيل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

وتشير نفس الرؤية أن حالة الخوف من ظهور تيار إسلامي على رأس السلطة في فترة تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي ليست بنفس الدرجة في الوقت الحالي بعد ظهور تجارب مختلفة حققت نجاحات في تركيا والمغرب، على عكس ما جرى في مصر واليمن وليبيا.

ليس سهلا

وتستبعد دراسة مفصلة لـ “محمد مكرم بلعاوي” ​رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط توقعات بعض المحللين من حدوث صراعات في تحالف مهاتير وأنور حول توزيع الحصص وتمثيلها في السلطة، بما سيؤدي لتهميش دور رئيس الوزراء وهو ما يمهد لعودة الحزب الحاكم مرة أخرى.

واستبعدت الدراسة من تأثير الدولة العميقة التي أسسها حزب “أمنو” عبر ستين عاما من الحكم المستمر، مؤكدة أن مهاتير كان رئيساً للوزراء، وأنور كان نائباً لرئيس الوزراء ومحي الدين نائب لرئيس الوزراء وأزمان على كبير وزراء سلانغور أهم ولاية في ماليزيا وغيرهم كثير، بل إن كانت هناك دولة عميقة في ماليزيا فإنّ من بناها هو مهاتير وهي لا بد تدين بالولاء له، وإلاّ لما تمكن من إزالة بدوي من رئاسة الوزراء ثم تعيين نجيب ثم إزالة نجيب والجلوس مكانه، رغم ابتعاده شكلياً عن السياسة.

وطبقا لنفس الدراسة فإن ما يدعم نجاح التجربة هو أن كل الأطراف الدولية المرتبطة بماليزيا ليست على مواقف عدائية من أنور وقبله مهاتير، حيث تعتبر الولايات المتحدة أنور مكسبا لها في ماليزيا وأنه سيلعب دورا في تحسين العلاقة بين الطرفين، بينما تعتبر الصين أن استقرار الحكومة الماليزية هام للغاية بعد تكبدها خسائر كبيرة نتيجة عدم استقرار أنظمة الحكم في عدد من الدول المرتبطة اقتصاديا بالصين.

وفيما يتعلق بإيران فإن الدراسة ترى أن توتر العلاقات بشدة بين إيران وحكومة نجيب عبد الرازق سيكون سببا في انتظار إيران لحكومة مهاتير ومن بعده أنور إبراهيم بفارغ الصبر، وهو نفس الوضع مع تركيا التي يتمتع رئيسها بعلاقات قوية مع أنور إبراهيم، وهو ما كان له تأثير سلبي على شكل علاقة تركيا بماليزيا خلال حكم بدوي ونجيب.

ويتبقى موقف كل من السعودية والإمارات وكلاهما كان ضد وجود أنور إبراهيم بشكل محدد، إلا أن فضيحة تدخل الرياض وأبو ظبي في انتخابات 2013 والتي أدت لاستمرار نجيب في الحكم، وما نتج عنه من عمليات فساد كبيرة، كشفت للشعب الماليزي الدور القذر الذي لعبته الأنظمة في كلا البلدين لعدم استقرار ماليزيا ذات التوجه الإسلامي، وهو ما رد عليه الشعب الماليزي في انتخابات 2018 التي جاءت بأنور إبراهيم من السجن للحكم.