العدسة – ياسين وجدي:

زيارة روسية لافتة في خضم الأزمة السعودية الكارثية مع الغرب المتنفض على خلفية الاتهامات التي باتت شبه مؤكدة بتورط الأمير محمد بن سلمان وفريقه في اخفاء وقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي.

الحضور في الزيارة وزيران روسيان مهمان التقيا قطبا للأزمة في السعودية ، وتم الإعلان عنها بعدها بيومين ، لتسلط الأضواء من جديد عن فرصة سانحة لابتزاز روسيا للبقرة الحلوب كما يحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يسمي السعودية وهو ما تتوقف “العدسة” عنده في سياق هذا التقرير.

الحضور الروسي

بينما كان الغرب يواصل هجومه على السعودية وفريق الأمير المتهم محمد بن سلمان ،على خلفية اختفاء الصحفي السعودي البارز جمال حاشقجي ، زار وفد روسي في توقيت لافت ومريب، العاصمة الرياض و التقى “بن سلمان” ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

وزارة الخارجية الروسية أعلنت الثلاثاء الزيارة التي استغرقت يومين بدأت يوم الأحد، وضمت مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع ، وأقرت أن المحادثات شملت قضايا الشرق الأوسط بوجه عام وشمال أفريقيا لكنها ركزت بشكل خاص على سوريا بحسب بيان رسمي .

مراقبون دوليون يرون أن الزيارة شكلت حضورا روسيا جديدا مع الرياض خاصة أنها  جاءت بعد أن “توترت العلاقات الوثيقة بين السعودية والغرب بعد اختفاء الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في تركيا” ، في رغبة لزيادة نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ تدخلها عسكريا في سوريا في عام 2015 في مواجهة النفوذ الأمريكي وحلفائه.

ولكن يبدو التقارب مع الأزمة السعودية مع الغرب ، ليس وليد اللحظة فقد سبقه  علاقات متقاربة عززها أبعاد ومغازلات من الدب الروسي أبرزها في سبتمبر 2016 ، عندما غازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة مع وكالة (بلومبرغ) الأميركية، الأمير محمد بن سلمان، ووصفه بـ”المسؤول النشيط جداً”، وبـ”الشريك الموثوق به ” لكن حالت التفاهمات السعودية الأمريكية بحسب مراقبين  دون الاقتراب أكثر من قصر الكرملين ، فيما تبدو الفرصة الآن سانحة أمام الرياض وموسكو في ظل موقف الشريك الأمريكي الغاضب مما جرى.

ورقة ضغط

الزيارة الروسية في هذا الوقت بالنسبة للأمير المتهم محمد بن سلمان وفريقه المتورط في الاخفاء القسري للكاتب السعودي جمال خاشقجي ، تشكل ورقة ضغط ورسالة للجانب الأمريكي سبق أن كررها الجانب السعودي في أزمة شراء منظومة الدفاع “اس 400” .

وتريد الرياض بحسب المراقبين أن تضع نفسها في موقف قوي أمام حلفائها وأعدائها، بحيث يخشى الطرفان من مضيها قدمًا في تلك العقوبات كما خشوا من قبل في إتمام الصفقة التي قيل وقتها أنها ” ستفوت على الحلفاء قيمة الصفقة العملاقة، وتقلق الأعداء من ناحية امتلاك الجيش السعودي لمنظومة دفاع جوي متطورة”.

ولهذا تأتي الزيارة في اطار متسق مع ما أعلنه مدير قناة العربية المقرب من بن سلمان “تركي الدخيل” ومعزز لتهديداته في مواجهة الأطروحات الأميركية بخصوص فرض عقوبات على السعودية، خاصة حديثه عن أكثر من ثلاثين إجراءً سعودياً مضاداً لفرض عقوبات على الرياض ، منها الاتجاه نحو روسيا والصين كبديلين جاهزين لتلبية احتياجات الرياض العسكرية .

“الدخيل” ذهب إلى أبعد من ذلك التقارب بقوله :” لا يستبعد أحد أن تجد من آثار هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غربي السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق” ، كما هدد أن الاقتراب لهذا الحد من روسيا سيؤدي للاقتراب من إيران وربما التصالح معها

التحول المطروح

العلاقات السعودية الروسية بحسب مراقبين موالين للقصر السعودي تقوم على إدراك البلدين لأهمية علاقتهما بالنسبة للأحداث الإقليمية، بما فيها التطورات في سوريا واليمن.

ولكن هناك تاريخ من عدم الثقة، بحسب تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، بدأ منذ تأسيس المملكة العربية السعودية رسمياً في عام 1932، حيث كانت موسكو والرياض تتناقضان تقريباً في كل حرب أو نزاع في الشرق الأوسط باستثناء الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالرغم من كل ذلك، كانت موسكو تدرك دائماً أهمية السعودية في المنطقة، وتمكّنت من مد يدها على نحو دوري إلى البلاد من أجل إضعاف، ولو قليلاً، تحالف الرياض مع الغرب

إضعاف التحالف مع الغرب  ، هو إذن البوصلة الروسية بحسب تقرير معهد واشنطن ، في العلاقات مع السعودية ، وهو فيما يبدو كان الهاجس المسيطر على زيارة الوفد الروسي للعاصمة السعودية في قلب الأزمة التي تعصف بالأمير المتهم محمد بن سلمان وأبيه.

وهنا يتحدث التقرير عن رغبة الرئيس بوتين منذ العام 2017  من الاستفادة من الاستثمارات السعودية، دون أن يتخلى عن إيران كورقة رابحة ضدّ الولايات المتحدة ، ولكن الحديث الذي أطلقه فريق بن سلمان الإعلامي مؤخرا يتحدث عن تقارب مع روسيا يترتب عليه تقارب مع إيران ، وهو ما يعزز فرص بوتين هذه المرة في الحصول على ما يريد في ظل توتر العلاقات .

هذه الرغبة الروسية في اختطاف “البقرة الحلوب ” السعودية من أحضان الولايات المتحدة الأمريكية ، فضحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحاته الأخيرة عندما توعد المملكة العربية السعودية بعقاب شديد في حال أثبتت التحقيقات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول بتركيا، لكن استبعد فرض عقوبات على مبيعات الأسلحة للمملكة حتى لا يضر بالوظائف الأمريكية.

 

وكان ” ترامب ” أكثر صراحة في تصريحات أخرى على هامش الأزمة المتصاعدة وحدد روسيا ضمن المستفيدين من أي غضب أمريكي ، حيث وصف إنزال العقوبات على السعودية بأنه سيكون بمنزلة “قرص من الصعب جداً على بلدنا ابتلاعه”، موضحا أنه لا يرى سببا يمنع استثمارات السعودية في الولايات المتحدة حيث أن المملكة تملك خيارات أخرى لشراء الأسلحة والاستثمار غير أمريكا ومنها روسيا والصين، وهو ما يعني أن البيت الأبيض لن يغامر كثيرا إلا إذا احتكم الأمر بحسب مراقبين.

هذا التقارب المحتمل أعلنه مساعد وزير الدفاع السعودي، محمد بن عبد الله العايش بوضوح عندما صرح في أغسطس الماضي بأن المملكة العربية السعودية مهتمة في تطوير العلاقات مع روسيا خاصة في المجال العسكري، طبقا لأوامر العاهل السعودي ونجله.