العدسة – ياسين وجدي :

في تقدير موقف جديد لمركز كارينجي للدراسات في الشرق الأوسط تحت عنوان ” اليمن : صراع آخر بالوكالة”، اتهم السعودية والإمارات بالصراع مع النفوذ العُماني في محافظة المهرة اليمنية، واحالة اليمن إلى مواجهات بالوكالة لمصالح خاصة للمملكة والامارات تتجاوز المزاعم عن الدفاع عن الشرعية في البلاد التي ترفعها قوات البلدين في مواجهة الرافضين، وهو ما نستعرضه.

توترات متكررة

وأوضح المركز في تقديره الذي وصل “العدسة ” أنه مع توالي الصراع في اليمن طالت يد العنف شطراً كبيراً من سكان البلاد، لكن وحدها محافظة المهرة، الواقعة بمحاذاة الحدود اليمنية مع عُمان، تبقى استثناءً ملحوظاً، فهي تشهد إلى حدّ ما صراعاً مخفف الوتيرة.

 

وأرجع تقدير الموقف ذلك إلى أنه في نوفمبر من العام 2017، نشر التحالف الذي تقوده السعودية قوّات عسكرية استولت على المرافق العامة في المحافظة، وسط حالة من التوتر المستمر بين السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وسلطنة عُمان من جهة أخرى.

وأشار الى أنه قبل نشر الجيش السعودي في المهرة، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان مدعوم من الإمارات، قوامه فصيل من الحراك الجنوبي الذي يسعى إلى استقلال جنوب اليمن، إقناع المحافظ آنذاك، عبدالله كده، بالانضمام إليه، لكن هذا الأخير رفض، مؤكداً أنه يؤيد سلطة الحكومة الشرعية التي يترأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي، الأمر الذي أزعج التحالف، ولاسيما الإمارات، التي تريد الترويج للمجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره الكيان الوحيد الذي يمثّل الحركة الجنوبية ، حيث أن المجلس كان قد احتضن أجندة دولة الإمارات في الجنوب.

 

ولفت المركز الانتباه إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تصاعدت وتيرة التوترات بين السعودية والإمارات من جهة وعُمان من جهة أخرى، إذ أن هذه الأخيرة تبنّت مواقف سياسية لاتتفق مع السياسات السعودية- الإماراتية في المنطقة، خاصةً في مايتعلق بقطر وإيران.

وأوضح أنه ومنذ قيام دولة الإمارات في العام 1971، كانت هناك خلافات بينها وبين سلطنة عُمان حول الحدود المشتركة بينهما، وتأزّمت العلاقات الثنائية بشكل أكبر في العام 2011 عندما كشفت عُمان النقاب عن شبكة تجسس إماراتية زُعم أنها كانت تخطّط للإطاحة بنظام السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، على الرغم من نفي الإمارات وجود أي صلة لها بهذه الشبكة.

 

وأضاف أنه مع اندلاع الحرب في اليمن، برزت دلائل دفعت بالتحالف الذي تقوده السعودية إلى الاعتقاد بأنه يتمّ تهريب الأسلحة الإيرانية عبر عُمان إلى المهرة، لدعم الحوثيين.

منافسة صارخة!

مركز كارينجي للدراسات يرى أن معالم المنافسة بين السعودية والإمارات وبين سلطنة عُمان صارخة خصوصاً في المهرة، ومنها ما ظهر في أوائل نوفمبر 2017، من انتشار ملصقات ولوحات إعلانية في شوارع الغيظة، مركز محافظة المهرة، تشكر السلطان قابوس على المساعدات الإنسانية التي يقدّمها منذ فترة طويلة إلى المحافظة، حيث كانت هذه الحملة، وهي مبادرة من قادّة المجتمع في المدينة، موجّهة في الدرجة الأولى ضدّ السعودية والإمارات، وتحمل ضمنياً تحذيراً لهما بعدم التدخّل في المهرة.

 

وأشار المركز إلى أن سلطنة عُمان، ترى نظراً إلى التقاليد المشتركة التي تجمعها مع المهرة، أنه من المهم الحفاظ على روابط قوية مع المحافظة، حيث أنه في الواقع، بإمكان هذه العلاقة التأثير على السياسة الداخلية العُمانية، لأن المهرة والمحافظة العُمانية ظفار، حيث اندلع تمرّد ضد النظام العُماني بين العاميْن 1965 و1975، يحملان الكثير من أوجه الشبه، فهما متصلتان اجتماعياً واقتصادياً، حتى أن السكان المقيمين في المنطقتين يتحدثون اللغة نفسها، سواء المهرية أو الجبالية، علاوةً على ذلك، يحمل العديد من سكان المهرة الجنسية العُمانية، فأبرز قادّة القبائل في المحافظة، مثل الشيخ عبدالله آل عفرار، رئيس المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، يعيش في عُمان.

ووفق مصادر قبلية في المهرة، بحسب مركز كارينجي ، فإن “التأثير العُماني المتنامي على قبائل المهرة دفع التحالف بقيادة السعودية إلى التحرّك، وكان أحد الأسباب الرئيسة الكامنة وراء إرسال السعودية تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، حيث استولت القوّات السعودية، منذ دخولها إلى المهرة، على المرافق الحيوية للمحافظة، بما في ذلك مطار الغيظة وميناء نشطون، ومعبريْ صرفيت وشحن الحدوديين مع عُمان.

ومن معالم الاستيلاء السعودي على “المهرة” كذلك ، بحسب المركز ، نشر قواتها في أكثر من 12 موقعاً على طول ساحل المحافظة، وصرف موظفي المطار قائلةً إن رواتبهم ستصلهم بشكل منتظم بغض النظر عن تواجدهم في مكان العمل، إضافةً إلى ذلك، عمد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ، المقيم في السعودية، إلى صرف كده من منصبه، عازياً السبب إلى أنه وقف في وجه الوجود السعودي في البلاد. وعيّن مكانه راجح باكريت الذي تربطه علاقات وثيقة مع الإمارات.

 

 

وبحلول فبراير 2017، باتت المطالب ثقيلة الوطأة على سكان المهرة، فقد منعتهم القوّات السعودية من صيد الأسماك في العديد من المناطق الساحلية، في حين تمّ حظر دخول حوالى 100 سلعة من عُمان إلى المهرة، بما فيها الألواح الشمسية والمواد الكيميائية وبعض الضروريات الأساسية، إضافة إلى ذلك، رُفعت الرسوم الجمركية على العديد من الواردات، في  أغسطس 2018، بنسبة 80% في المعدل، وصدرت تعليمات تقضي بعدم قبول المستندات الجمركية الصادرة في منطقة التجارة الحرة العُمانية. وفسّر المحللون هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى إضعاف اعتماد القطاع الخاص اليمني على عُمان، إذ إن رجال الأعمال اليمنيين يفضّلون إرسال شحناتهم عبر ميناء صلالة في سلطنة عُمان، بعد عبورهم منفذ شحن.

ولفت المركز الانتباه إلى ان ذلك أثار مخاوف سكان المهرة، مادفع الآلاف إلى النزول إلى الشارع، في أبريل 2018، في تظاهرة مفتوحة في مدينة الغيظة، مطالبين القوات السعودية بمغادرة مرافق ومؤسسات المحافظة وتسليمها إلى السلطات المحلية، حتى أن شخصيات بارزة وصفت السعوديين بأنهم “قوة احتلال” تسعى إلى الاستيلاء على موارد المحافظة، لكن انتهى الاعتصام الذي استمر شهرين في يوليو باتفاق بين المحتجين وممثلي الحكومة اليمنية، يقضي بأن ينسحب السعوديون من منشآت ومؤسسات المهرة ويسلّمونها إلى السلطات المحلية.

 

وأوضح المركز أن قادة الاحتجاج أفادوا بأنه لم يتمّ تنفيذ الاتفاق، بل على العكس، أقدم هادي بعد ذلك على إقالة المسؤولين الذين وقفوا إلى جانب المحتجين واستبدلهم بآخرين موالين للسعودية والإمارات، في الوقت نفسه، برزت مزاعم بأن عُمان دعمت المحتجين، مشجعةً أيضاً قبائل المهرة على مقاومة السعوديين، كما ساهمت التسريبات حول نوايا السعودية في المهرة في مفاقمة الاستياء الشعبي.

الطمع السعودي

وأضاف المركز في تقديره أن مايجري من أحداث في المهرة، ليس سوى فصل من فصول الصراعات بالوكالة المندلعة في اليمن، فسلطنة عُمان نشطة في المحافظة، ولن تقبل ببقاء السعوديين والإماراتيين على الحدود العُمانية مع اليمن، ومن ناحية أخرى، يحاول التحالف الذي تقوده السعودية تقليص النفوذ العُماني في المهرة ، ويبقى أن سكان المهرة هم الذين يدفعون أفدح الأثمان في هذا التنافس.

المركز في تقديره نقل بوضوح عن الأهالي في المهرة ، أن عدد من المشاريع كشفت عن أن الوجود السعودي في المحافظة يتعدّى مجرد التصدّي للتهريب والأنشطة الإرهابية، كما أكّد سابقاً متحدث باسم التحالف ، حيث أنه في أغسطس 2018، نُشرت رسالة في وسائل إعلامية عدّة موجّهة من شركة سعودية تدعى هوتا للأعمال البحرية إلى سفير السعودية في اليمن محمد آل جابر، شكرته فيها على ثقته، إذ إنه طلب منها إعداد اقتراح لبناء ميناء نفطي في منطقة نشطون، على أن تكون المنشأة محطة لخط أنابيب سعودي ينطلق من محافظة الخرخير في منطقة نجران السعودية، إضافة إلى ذلك، ثمة خطة لبناء قناة تصل الخليج الفارسي ببحر العرب تمرّ عبر المهرة، وتهدف إلى إنشاء منفذ بديل لصادرات النفط السعودية عن مضيق هرمز، الذي يمكن أن تعيق إيران الأعمال فيه في أي وقت.

[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]