العدسة – ياسين وجدي:
انهيارات مستمرة لأبرز الاقتصاديات التي قاومت الربيع العربي بالتزامن مع أزمات اقتصادية طاحنة في الدول التي خاصمت هذا الربيع أو أطاحت به لصالح “شتاء عربي” كان ولازال قارسا جدبا لم يقدم شيئا لأبناء العرب خاصة الشباب الغاضب.
نبحث في المشهد الاقتصادي المتراجع من زاوية مساهمته في الربيع العربي الذي يراه البعض سيعود من جديد قريبا فيما يراه البعض بعيدا نوعا ما ، وبين هذا وذاك ، تبقى المفاجأة سيدة الموقف في انتظار “بوعزيزي” جديد أو بعبارة أخرى بحسب المراقبين شرارة جديدة تقود الربيع المرتقب.
نار تحت رماد!
“كل الأسباب للثورة موجودة انطلاقا من البعد الاقتصادي والاجتماعي المتردي”.. هذه خلاصة تقرير حديث للأمم المتحدة حول التنمية في العالم العربي، أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) التي تغطي 18 بلدًا عربيا.
التقرير أكد أن الدول العربية شبه عاجزة عن تلبية مطالب شعوبها من فئة الشباب، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، ويتهددهم الفقر والبطالة والتهميش، ويدفع بهم إلى أحضان الفكر الديني المتشدد في ظل نزاعات مسلحة في ست دول عربية تكبدت المنطقة خسائر كبيرة وصلت إلى نحو 613 مليار دولار في مجال النشاط الاقتصادي، بعجز مالي كلي بقيمة 243.1 مليار دولار.
وأوضح التقرير أنه على مدى السنوات الماضية لم تتمكن هذه الدول أو التي حافظت على استقرار نسبي من حل معضلة التنمية الاقتصادية لمجتمعاتها وقطع دابر الفساد في هياكل إداراتها بل إن مشاكلها تفاقمت، وهو ما يعني أن المجتمعات العربية التي فشلت في قطف ثمار ثورات 2001 قد تعيد الكرة وتثور ضد ما تراه استمرارا للظلم والفساد والاستبداد.
جريدة الجارديان البريطانية تقف في نفس المضمار ، لازالت ترى أن ” الغضب الذي دفع الربيع العربي سيشتعل مرة أخرى”، وفي تقرير لها مطلع هذا العام ، رصدت العديد من الفاعليات في الوطن العربي التي انطلقت من بعد اقتصادي ضد الفساد والخدمات المتعثرة والأزمات المعيشية اليومية والاجتماعية .
وأكدت في احدي افتتاحياتها أن الظروف التي تعيشها شعوب المنطقة العربية ربما تكون أسوأ من تلك التي أدت إلى اندلاع ما عرف بالربيع العربي وأن وجود تلك الظروف ربما يجعل تكرار تلك الأحداث واردا وبقوة.
وفي هذا الإطار يتوقع مراقبون دوليون أن المنطقة العربية على صفيح ساخن لازالت تبحث عن إقرار أنظمة أكثر إنصافا وتوفير مواطن شغل، فضلا عن إرساء الحريات الاجتماعية وتحقيق الازدهار، ما ولد شعورا متزايدا بالظلم في صفوف السكان الذين باتوا أكثر تحضرا واستنارة وأغلبهم من الشباب الذين يرون أن “ارتفاع مستويات الغضب الشعبي بشكل مستمر سيجعل الحنق الشعبي يصل إلى الذروة”، وهو ما يتفق معه مراقبون عرب يرون أن حركة الثورة العربية ستبقى مستمرة وممتدة حتى تتحقق الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
القاطرة تتعثر !
الواقع أصدق حديثا من التوقعات ، وهنا يبرز نموذجين مثاليين بحسب المراقبين ، للانهيار الاقتصادي المستمر ، وهما النموجان السعودي والإماراتي، واللذان وقفا كحجر عثرة أمام موجات الربيع العربي وقاطرة للشتاء القارس ، ويرجح كثيرون أن انهيارهما سيساعد على اشتعال ربيع عربي جديد.
الرئيس التنفيذي لصناديق التحوط “بوينت ستيت كابيتول”، زاك شرايبر، يعتقد أن السعودية ستكون أمام كارثة مالية وشيكة ما بين عامي 2018 و2019 ، حيث تواجه “إفلاسا هيكليا” وتهديدات مزدوجة من التزامات الإنفاق الضخمة والنفط الرخيص.
المؤشرات السلبية كثيرة فيما يخص الوضع المتردي السعودي خاصة بعد اغتيال الكاتب الصحفي الشهيد جمال خاشقجي ، والأمر الذي وصفته مجلة أويل برايس الأمريكية بأن “المملكة أصبحت وكأنها تقف على برميل من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة” بسبب انخفاض عوائد النفط، والعجز الكبير في ميزانيتها، وتراجع الاحتياطات بسبب الهدر المالي، والتورط في حروب اليمن وسوريا والعراق، كما يرى مركز بروكينجز الأمريكي، أن السعودية تمر بحالة أشبه بالنار تحت الرماد بسبب زيادة البؤس والاحتياج.
الانهيار الاقتصادي في دبي خاصة والإمارات عموما ، يسير في مسار ثابت نحو أزمة كبرى وفادحة ، بحسب العديد من الخبراء والتقارير المتخصصة ، ووفق رجل المال والاقتصاد العالمي مير محمد علي خان الذي عمل مديرًا تنفيذيًا للعديد من المشروعات الكبرى بدبي، فإن دبي قد تشهد انهيارا اقتصاديا قريبا ، حيث وصف ما يحدث لاقتصاد دبي بأنَّه “يذوب مثل ذوبان حبة مثلجات في حرّ الصيف على شاطئ الجميرة”.
وأكد صندوق النقد الدولي تراجع نسبة النمو الاقتصادي في الإمارات من 3% في 2016، إلى 1.3 % في 2017، منوهًا باستمرار ذلك التراجع في العام 2018 ، وحسب تقرير “الثروة العالمية” الصادر عن مؤسسة «كابجيميني» الفرنسية، تراجعت ثروة الأثرياء في الإمارات لنحو 190,2 مليار دولار خلال العام 2017م، بتراجع بلغ نحو خمسة مليارات دولار عن العام 2016م، كما لوحظ بالتزامن موجة إغلاق وإفلاس تجتاح المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الإمارات، وسط تأكيدات من خسائر كبيرة لإمارة دبي جراء الحصار المستمر على قطر كما قالت مجلة “إيكونومست” البريطانية.
واقع صعب !
في مهد الربيع العربي الحديث ، تقف تونس تواجه ظروفا اقتصادية صعبة ، حذّر منها خبراء ومسئولون سابقون خاصة في ظل وجود عواقب وخيمة تهدد بخلخلة الاقتصاد التونسي المترنح أصلا جراء الانخفاض الحاد في مخزون العملة الصعبة الذي تدحرج إلى مستويات حرجة للمرة الأولى منذ 15 عاما في مطلع العام الجاري في حين تستعد الحكومة لمزيد من التداين الخارجي لتعبئة رصيده، وهو ما ساهم في اشعال موجة من المظاهرات لازالت موجودة أسبابها.
وفي مصر تشهد الأوضاع الاقتصادية ترديا صعبا وبالغ الخطورة بحسب وصف المراقبين مع ارتفاع موجة الأسعار بصورة كبيرة ، وتزايد نسب البطالة ، في ظل مؤشرات بالانخراط في مشكلات مالية واقتصادية أكثر صعوبة خاصة أن العام المالي المقبل 2018 /2019، آخر عام في برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي نهاية 2016.
كما كشفت دراسة حديثة عن أن هناك أربع أزمات من المتوقع أن تواجه الاقتصاد المصري بحلول مارس 2019 حال إعلان خروج بريطانيا وانفصالها عن الاتحاد الأوروبي ، كما توقع تقرير لمعهد التمويل الدولي، أن تكون مصر ضمن 3 دول مستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، معرضة لخطر بسبب خروج الأجانب من أدوات الدين في الأسواق الناشئة.
ومن سوريا إلي العراق ، الأزمة واحدة ، وإن كانت فادحة للغاية في الأولى ، حيث يرى مراقبون أن الانهيار الاقتصادي السوري دائم لأطول فترة ممكنة قبل التصحيح ، فيما تشهد العراق حراكا كبيرا على خلفية الأزمة الاقتصادية لازال مستمرا ، وفي اليمن الوضع بات كارثيا، بحسب وصف مبعوث أممي بارز ، حيث أن الوضع الاقتصادي المتردي والفقر زادا لدرجة لا يمكن فيها لكثير من العائلات اليمنية الحياة، وهو الأمر الذي يضرب “ليبيا” بشدة مع استمرار الانقسام والمواجهة مع انقلاب اللواء خليفة حفتر.
ويحمل الوضع الاقتصادي في السودان عوامل الانفجار، مع استمرار الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي جعلت بعض الناس لا يستطيعون إرسال أطفالهم للمدارس، وآخرون يأكلون وجبة واحدة في اليوم بحسب ما رصد مراقبون محليون ودوليون ، بجانب الطوابير الطويلة للحصول على الخبز والوقود وغاز الطهي ، خاصة أن البلاد شهدت مظاهراتٍ متفرقة احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة مؤخرا.
توقعات صهيونية كذلك !!
تعثر قاطرة الشتاء العربي التي تقودها السعودية والإمارات ، والوضع الاقتصادي العربي الصعب يعززان ما كشفته دراسة صهيونية حديثة عن أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف ببعض دول الخليج وتداعيات الأزمة مع قطر، تعزز المخاوف بقرب اندلاع هبات جماهيرية ستؤدي إلى تعميم الاضطراب في المنطقة، إلى جانب سقوط عدد من أنظمة الحكم في الخليج، وتحديدا السعودية.
وبحسب الدراسة التي أصدرها “مركز بيجن السادات للدراسات الإستراتيجية”، التابع لجامعة “بار إيلان” ونشرها على موقعه، وجاءت بعنوان: “هل ثمة ربيع عربي جديد على الأبواب في الخليج الفارسي؟”، فإن الأزمات الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بمنطقة الخليج “إلى جانب القرارات السياسية غير الحكيمة، يمكن أن تقود إلى ربيع عربي جديد، قد يفضي إلى سقوط بعض الملكيات الخليجية”.
واستنتجت الدراسة الصهيونية أن نظام الحكم الحالي في السعودية بشكل خاص، يواجه خطر السقوط، نتاج مفاعيل تراجع الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
اضف تعليقا