العدسة: محمد العربي

لم يكن نشاط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال اليومين الماضيين، إلا محاولة منه للقفز على اتهامه بالوقوف خلف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

نشاط MBS كما تطلق عليه الإدارة الأمريكية، تمثل في كلمته بمؤتمر الاستثمار السعودي، ثم حديثه الهاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مصحوبا بحملة علاقات عامة لإظهاره في شكل المصلح المفكر الذي يستطيع قيادة منطقة الشرق الأوسط للتقدم والنهوض.

ويشير العديد من المراقبين للشئون العربية أن تصرفات ولي العهد، وخاصة في مؤتمر الاستثمار السعودي، وإظهار حزنه على مقتل خاشقجي ووصفه بالحادث الشنيع وغير المبرر، ثم إشادته بالاقتصاد القطري، ومغازلته لتركيا، كان الهدف منها غلق ملف اتهامه في القضية، في ظل الرغبة الأمريكية تجاه ذلك، ما يدفع بالقضية إلى الوصول لنفس النقطة التي وصلت إليها قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قبل 18 عاما.

تشابه

وطبقا لعدد من المراقبين فإن قضية الحريري الذي تم تفجير موكبه وسط العاصمة اللبنانية بيروت عام 2005، ومازالت في أدراج المحكمة الدولية التي تولت التحقيق فيها، تتشابه مع عملية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في كون أن الفاعل في الاثنين معلوما ولكنه يظل ممنوعا.

القضية الأولى التي أكدت كل الدلائل والشواهد الجنائية والسياسية أن المتهم الأساسي فيها كان الرئيس السوري بشار الأسد، مازالت قيد التحقيق، بل إنه قبل أيام تم إطلاق سراح ثلاثة من الضباط اللبنانيين المتهمين فيها، في ظل قناعة دولية بأن هذا القاتل المعلوم، ممنوعا من الملاحقة الدولية، نظرا لتداخل المصالح الإقليمية والدولية.

وفي القضية الثانية التي جرت قبل أيام داخل القنصلية السعودية باسطنبول، فإن كل الشواهد والدلائل أيضا تشير لتورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أن هذا المعلوم يظل أيضا ممنوعا من الملاحقة نظرا لتداخل نفس المصالح الإقليمية والدولية.

ويري هذا الفريق أن تصريحات رئيس الاستخبارات العامة الـسعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل لصحيفة واشنطن بوست حول مقتل خاشقجي وتأكيده الواضح أن ولي العهد الشاب باق في موقعه، وأن الحادثة الأخيرة المتعلقة بخاشقجي زادت من شعبية ولي العهد بشكل أكبر مما كانت عليه.

وطبقا لتصريحات الفيصل التي ترجمتها صحيفة سبق السعودية فإن بلاده تتعرض لهجوم شديد منذ وفاة “خاشقجي”، متوقعا أنه في حالة إجراء استطلاع لآراء السعوديين اليوم؛ فإن الأمير محمد بن سلمان أكثر شعبية مما كان عليه منذ أسبوعين، بسبب شعور السعوديين بأن قائدهم يتعرض ظلماً لهجوم من وسائل الإعلام الغربية؛ وذلك ينطبق على العائلة الحاكمة أيضاً؛ فهم يشعرون أن هذا الهجوم يأتي ضد السعودية والعائلة الحاكمة، وليس محمد بن سلمان فحسب.

وقد حسم الفيصل الجدل حول احتمالات تغيير ابن سلمان قائلا : “إن الأشخاص الذين يعتقدون أن ثمة تغييراً في السعودية، هم مخطئون؛ فالسعوديين باتوا أكثر دعماً لولي العهد بسبب تعرضه لهجمات من الإعلام الغربي”.

عدم تشابه

إلا انه على الجانب الآخر فإن هناك أراء تري أن الحادثتين غير متشابهتين، وأن محاولات طمس قضية خاشقجي كما جري مع الحريري أمر صعب في ظل اختلاف الظروف واختلاف اللاعبين كذلك.

ويري هذا الفريق أن قضية الحريري رغم وضوح الفاعل فيها إلا أن غياب الأدلة أدي لعدم ملاحقة بشار الأسد حتى الان، كما أن الدعم الذي قدمته روسيا لعدم ملاحقة الرئيس السوري،  يعد أكبر بكثير مما تقدمه الإدارة الأمريكية الآن لولي العهد السعودي.

وطبقا لهذا الفريق أيضا فإن وجود لاعب بحجم تركيا في المشهد سوف يجعل نهاية القضيتين مختلفتين، خاصة وأن قضية خاشقجي بها كثير من الأدلة التي لم تتوفر في قضية الحريري، كما أن التطور التكنولوجي ساعد السلطات التركية على محاصرة محاولات ولي العهد السعودي بتحميل المخابرات السعودية مسئولية الحادث.

وما يؤكد هذه الرواية ما نقلته وسائل إعلام دولية عن الصحف التركية بأن أجهزة الاستخبارات التركية أطلعت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، على بعض الأدلة والتسجيلات التي تؤكد تورط مسئولين بارزين في الحكومة السعودية في العملية، وأن من بين هذه الأدلة تسجيلا للتحقيق الذي جري مع خاشقجي في مكتب القنصل السعودي قبل قتله وهو التحقيق الذي كان يتم من خلال مسئول كبير موجود بالرياض، ورغم أن الصحف لم تسمه مباشرة، إلا أنها قدمت الدلائل التي تشير إلى أنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وذكرت جريدة “صباح” التركية المعروفة بنشر التسريبات التركية منذ بدء قضية خاشقجي، أن أجهزة الاستخبارات التركية “أطلعت جينا هاسبل على الأدلة المرتبطة” بقتل الصحفي السعودي خلال زيارتها لتركيا الثلاثاء الماضي، وأن جهاز الامن التركي عرض على مديرة السي آي ايه “مشاهد فيديو وتسجيلات صوتية، والعناصر التي تم الحصول عليها خلال تفتيش القنصلية العامة ومنزل القنصل السعودي في اسطنبول.

وما يؤكد ذلك أيضا ما نشره حساب ” Boot Strap” المهتم بقضية خاشقجي عبر صفحته على “الفيس بوك” بأن “ليندسي غراهام أقرب سيناتور لترامب أقنعه بضرورة التخلّي عن بن سلمان. لكن يتردد أيضا أن غراهام وعد ترامب مقابل ذلك بدعم أكبر في ملفات أخرى كالصين وإيران والهجرة. ويبدو أن ترامب والكونجرس بصدد البحث في سيناريوهات البديل”.

وطبقا لـ Boot Strap” فإن بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أعلن بشكل قاطع أن “الكونجرس لن يمرر أي صفقة سلاح مع السعودية معللا ذلك بأن صفقات السلاح إن مررت فستثير غضب الجماهير”، وهو ما يتوافق مع تصريحات أخري لكوركر أعلن فيها تأكده من قيام محمد بن سلمان بقتل خاشقجي وأنه لا يشك في هذا الأمر على الإطلاق.

تصدعات داخلية

ويشير رأي ثالث بأن تأثيرات حادث خاشقجي سيكون له تداعيات داخل الأسرة المالكة بالسعودية، وهو ما يمكن ان يؤدي إلى تفجر الأوضاع بشكل لم يحدث مع الحالة اللبنانية التي كانت مفككة من الأساس وكان اغتيال الحريري محاولة لفض الاشتباك التي كانت السعودية نفسها طرفا فيه.

ومن الذين يتبنون هذا الرأي الكاتب والسياسي التركي محي الدين أتامان الذي توقع في مقال بصحيفة صباح التركية أن العائلة المالكة بالسعودية سوف تواجه بمعارضة شديدة بسبب حادث خاشقجي، بعد أن شهدت المملكة خروقات كبيرة للتقاليد، ما سبب حالة من عدم الاستقرار السياسي، وقضية خاشقجي ستكون فقط بمثابة صب الزيت على النار. علاوة على ذلك ستواجه السياسات الداخلية للنظام السعودي انتقادات من الخارج أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فإن مقتل خاشقجي سوف يحدث تغيير في كل الموضوعات الإقليمية، وستتغير موازين القوى الإقليمية والتوقعات العالمية من أجل المنطقة.

وطبقا لـ “أتامان” فإن قضية خاشقجي أسقطت كل ما حاول أن يشيده ولي العهد محمد بن سلمان على مدار الأعوام الماضية وسيكون من الصعب جداً على السعودية أن تستعيد الدعم الإقليمي والدولي لرؤيتها الإقليمية. وكنتيجة لذلك سيؤدي الضعف السياسي والخسائر الاقتصادية إلى تدخل أقل من قبل المملكة في الملفات الإقليمية، وفي ضوء ذلك أيضاً سيواجه التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن انتقادات أكثر بسبب مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان خلال العملية العسكرية المستمرة حالياً.

كما ستعرقل قضية خاشقجي تنفيذ “صفقة القرن”؛ لأن محور الصفقة وهو “ولي العهد السعودي” قد ارتبط اسمه بقتل الصحفي خاشقجي، كما ستعرقل القضية تأسيس التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط (الناتو العربي)، ولأن السعودية هي الدولة المحورية في هذا التحالف، فسيكون من الصعب تشكيل تحالفات عسكرية فعالة في المنطقة بعد تدمير التصور الإيجابي والإصلاحي عن المملكة.

خطوة خطوة

ويري متابعون أن ما يدعم الأراء التي تؤكد أن قضية خاشقجي مغايرة عن قضية الحريري، هو حالة الصراع والحيرة التي تعيشها الإدارة الأمريكية، والتي تعبر عنها التصريحات المتضاربة للرئيس الأمريكي ترامب، ما بين تأدييد وإدانة ولي العهد القاتل، وهو ما كان يختلف عن الموقفين الإيراني والروسي خلال أزمة اغتيال الحريري، واللذان بدت مواقفها أكثر صلابة ودعما للقاتل بشار.

ويري المتابعون كذلك أن تشكيل لجنة تحقيق دولية في مقتل الحريري وما تبعها من محكمة دولية تشرف عليها الأمم المتحدة، قد أضعف القضية وأدي في النهاية إلى أن تدخل أدراج التاريخ رغم مرور 18 عاما عليها، ولأن فرص إنشاء محكمة دولية أضعف في الحالة السعودية فإن الكرة باتت في ملعب الإدارة التركية التي يجب عليها تقديم الأدلة التي تحاصر ابن سلمان في كل محاولة من محاولات هروبه من المسئولية وغلق ملف القضية.

ويري هذا الفريق أن تركيا تنطلق بالفعل في إطار هذه السياسة طبقا لتصريحات وزير الخارجية تشاووش أوغلو، والذي أكد أنه “بفضل الخطوات التي اتخذتها حكومته وفقًا لمواقفها المبدئية سيتم الكشف عن أدلة القضية شيئا فشيئا”، مؤكدا أن بلاده تطبق بشكل ناجح مبادئ إدارة الأزمات في المنطقة.