العدسة – ياسين وجدي:

رسائل جديدة ومغايرة ، دشنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في منتدى الاستثمار .

فهل جاءت هذه الرسائل في هذا التوقيت الذي يطالب فيه العالم برحيل “بن سلمان ” لتكون بمثابة “حلاوة روح” كما يقال لدى المصريين كناية عن اللحظات الأخيرة في عمر الإنسان؟ أم أن لها مآرب أخرى ؟ .

تحييد قطر وتركيا !

كانت أبرز الرسائل التي دشنها الأمير المتهم بقتل الصحفي السعودي الشهيد جمال خاشقجي ، هي التي أطلقها بلغة جديدة تجاه قطر وتركيا .

حيث توقع بلغة متوددة أن تشهد الدوحة تطورا اقتصاديا كبيرا خلال 5 سنوات بعد أن أقر في اعتراف لافت ومغاير لما سبق وأن دشنه إعلامه الرسمي ، أن قطر لديها اقتصاد قوي وستكون، مثل باقي دول منطقة الخليج، مختلفة تماما بعد 5 سنوات.

فيما جزم أن العلاقات مع تركيا لن تشهد أي شرخ في وجود العاهل السعودي الملك سلمان ووجوده والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعدى الأمر التصريحات ، إلى الاتصالات الهاتفية ، التي جرت بناء على طلب بن سلمان، مع الرئيس التركي.

ويعزي مراقبون أن التغير الفج والمفاجيء من بن سلمان تجاه الدوحة وأنقرة إلى دورهما البارز في حملات كشف الحقيقة في ملابسات اغتيال الشهيد “خاشقجي” ، حيث برزت منصة شبكة الجزيرة الإخبارية كذراع قوي في توضيح الحقائق التي أحاطت بالاغتيال خاصة تورط بن سلمان في الإشراف على الجريمة ، كما مارست أنقرة دورا محوريا في تمرير التسريبات الموثقة إلى باقي دول العالم عبر منصاتها شبه الرسمية ، واتصالاتها واستخباراتها ، والتي عززت الاتهامات في تورط بن سلمان بشكل كبير كما يقول كثيرون.

الأمير المتهم باغتيال خاشقجي ، بحسب مراقبين ، يبحث إذن عن فترة لالتقاط الأنفاس وإحراج النظامين التركي والقطري ، بلغة جديدة عليه ، من أجل المناورة وإبعاد التهم الملتصقة به إلى باقي فريق الاغتيال ، وفي احتمال ضعيف بحسب آخرين من فتح صفحة جديدة .

هذا التحييد المصطنع فيما يبدو أنه حاضر في الأجندة التركية بوضوح حيث ركز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في خطابه لكشف ملابسات الجريمة أثناء اجتماع لحزبه العدالة التنمية قبل أيام على مخاطبة العاهل السعودي بشخصه وتجديد ثقته فيه ودعوته لمحاسبة المتورطين في الجريمة من “أسفل إلى أعلى “.

ويبدو أن التوجه الجديد غير مقبول مبدئيا لدى دوائر إعلامية قريبة من صنع القرار ، ووفق الإعلامي القطري جابر الحرمي ، فإن هذا التوجه ، كان قبل 6 أشهر غير موجود ، فتركيا حسب رؤية محمد بن سلمان تمثّل محور الشر ، واليوم لأن الحل في اسطنبول يقول أنه لن يستطيع أحد إحداث شرخ في العلاقات بين السعودية و تركيا .

قطر لا تحتاج بحسب ” الحرمي ” لما تسمى ب ” إشادات ” من دول الحصار ، فنحن نعرف أين نقف  ولدينا رؤية واضحة، وقيادة واعية ، والذي أضاف قائلا :” إشاداتكم ” بالنسبة لنا لا تسمن ولا تغني من جوع .. ولا ننتظرها ، نتذكر جيدا طعنات الغدر التي تلقيناها منكم .. وسنرويها لأبنائنا جيلا بعد جيل “، وهو الرأي الذي ذهب له الأمير جوعان بن حمد شقيق الأمير القطري كذلك وإن كان بصورة غير صريحة ومباشرة .

ترميم  الصورة !

كانت الرسالة الثانية البارزة في رسائل “بن سلمان” متداخلة ، تهدف إلى ترميم الصورة الذهنية التي سقطت في الغرب عنه ، والتي باتت محل تواتر كبير في الأوساط البحثية ودوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والقارة البيضاء.

أول الوسائل جاءت في انتقاد قتل”خاشقجي” بصورة بدا فيها بشكل وكأنه ليس المتهم الأول في القتل بحسب التقارير المتواترة في الغرب وصحف تركية بارزة حصلت على تسريبات مهمة بجانب تسريبات نشرتها منصات عربية ذات مصداقية كقناة الجزيرة تتحدث عن قرائن تورطه.

ولجأ بن سلمان للمزاح على غير صورته التقليدية ، حيث فاجأ الحضور الضعيف بمنتدى مؤتمر مستقبل الاستثمار ، بممازحة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المشارك في المنتدى أمام الحضور، وقال له: “رئيس الوزراء سعد الحريري سيبقى في المملكة يومين، أرجو ألا تكون هناك شائعات”، ليرد عليه الحريري قائلًا: “بكامل إرادتي” وذلك في إشارة إلى التقارير التي تحدثت عن احتجاز الحريري في نوفمبر الماضي، لينفجر الحضور ضاحكًا.

هو يريد إذن بحسب المراقبين أن يقول أنه ليس سفاح قاتل كما يقولون عنه في التقارير الإعلامية والحقوقية والاستخباراتية ، وليس قرصانا يحتجز الزعماء كما اتهم في نوفمبر الماضي ، ولكن منظمة هيومان رايتس ووتش ، ترى أن الأمر تجاوز ذلك ، فمنذ تسمية محمد بن سلمان وليا للعهد في يونيو 2017، صعّدت السلطات السعودية قمعها للمعارضين والمنتقدين، وأنه لابد من محاكمة المتورطين في قضية خاشقجي، حتى إذا كان من بينهم محمد بن سلمان.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أطلقت فيما يبدو رصاصة الرحمة على بن سلمان، حيث نشرت أن لدى جهاز الاستخبارات في الولايات المتحدة (CIA) أدلة بقرائن تؤكد تورط بن سلمان بقتل خاشقجي وأنه مقتنع بأن بن سلمان مسؤول بشكل مباشر عن الاغتيال، وهو الأمر الذي قد يبدد أي ترميم للصورة الملطخة بدماء خاشقجي كما يقتنع قادة الاستخبارات في العالم الغربي ودوائر أخرى مؤثرة.

امتصاص الداخل !!

الرسالة الثالثة التي صدرت للداخل بصورة فجة ومكشوفة ، هي استغراق بن سلمان في نعت الشعب السعودي بالجبار والعظيم وأنه لديه همة كجبال طويق ، في عبارات جديدة كانت غير دارجة على لسان الأمير الشاب الذي اشتهر باعتقال رموز الاعتدال وحقوق الانسان والمعارضة في المملكة .

الرسالة التي شهدت احتفاءا غير مسبوق في منصات رسمية للنظام السعودي ، جاءت بعد انكسار واضح مرصود بعد فشل الحشد الكبير لمؤتمر الاستثمار الذي كانت الدعاية السابقة للمؤتمر تؤكد أنه نقطة الانطلاق الكبرى للشعب السعودي في ظل ضربات اقتصادية موجعة لابنائه وفق تقارير اقتصادية وخبراء.

الرسالة كذلك بحسب المتابعين استهدفت امتصاص الغضب الداخلي ، الذي تصاعد ضده بعد مقتل جمال خاشقجي ، خاصة أن أسرة الشهيد ذات ثقل سعودي كبير بحسب تقارير محلية وعربية ، فضلا عن تحركات كبيرة في داخل الأسرة المالكة تتحدث عن ضرورة الإطاحة به وتغييره على الأقل بأخيه الأمير خالد سفير واشنطن كولي جديد للعهد ، فيما تذهب مطالب أخرى بتصعيد الأمير محمد بن نايف أو الأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق العاهل السعودي لسدة القرار سواء ولاية العهد أو الملك .

حلاوة روح !

البعض ذهب أن “بن سلمان” يلعب في الوقت الضائع ، وأن رسائله جاءت في التوقيت الخاطيء بعد أن أعلن بنفسه في بداية الأزمة ، خروج “خاشقجي” من القنصلية السعودية في اسطنبول ، ما أظهره بصورة سلبية جدا أقلها إن لم يتورط جنائيا في جريمة القتل ، فهو متورط سياسيا بالفشل في إدارة المؤسسات التي يشرف عليها، وهو الأمر غير مقبول غربيا على الأقل .

دوائر صنع القرار الغربية لديها معلومات موثقة ، بحسب ما نشر ، عن اتصالات أجراها  الأمير محمد بن سلمان لطلب مساعدة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد؛ لمحاولة الخروج “المشرّف” من أزمة اختفاء خاشقجي، واتفاقهما على “تقديم أكباش فداء”، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في تصريحات السناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي ، كريس فان هولن، والسناتور الأمريكي الجمهوري المقرب من ترامب ، لينزي جراهام ، الذي صرح بأنه لن يقبل بتفسير عدم علم ولي العهد بما حدث وشدد على ضرورة رحيله فورا.