العدسة: محمد العربي

من أبو ظبي إلى الدوحة ومرورا بالرياض وانتهاء بسلطنة عمان .. رحلة إسرائيلية علنية بقلب الخليج العربي في أسبوع حافل بالأحداث، وهي الرحلة التي كشفت الغطاء عن التطبيع الصامت الذي جرى على مدار سنوات بين معظم دول الخليج وإسرائيل.

البداية كانت باستقبال الإمارات لمنتخب الجودو الإسرائيلي، وبعدها استقبلت قطر منتخب الجمباز، ثم يستقبل السلطان قابوس بن سعيد حاكم سلطنة عمان، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، ليرفرف العلم الصهيوني ويعلو النشيد الإسرائيلي في سماء الخليج العربي، وفي الطريق من تل أبيب إلى مسقط يلقي نتنياهو التحية على حكام الرياض والكويت أثناء عبوره المجال الجوي لكل من السعودية والكويت، مصحوبا بموسيقى القنابل الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر والجائع.

ما المشكلة؟

المتابعون لهذه التطورات رصدوا ردود الأفعال العمانية على استقبال نتنياهو، والتي كان أغربها الألفاظ الترحيبية التي جاءت في البيان الرسمي الصادر عن مكتب حاكم سلطنة عمان بعد الزيارة، وتأكيده على أن ” الزعيمين” بحثا سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط وناقشا عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي تهدف لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ولا تعد زيارة نتنياهو الأولى التي يقوم بها زعيم إسرائيلي للسلطنة، حيث سبقتها واحدة في عام 1994،لإسحاق رابين، تمهيدا للتطبيع بينهما، وفي عام 1996 وقع الجانبان اتفاقية لفتح مكاتب تمثيلية تجارية،ـ إلا أن السلطنة اضطرت لإغلاق المكاتب الإسرائيلية بمسقط خلال أحداث الانتفاضة الثانية عام 2000.

ورغم هذا التاريخ إلا أن الزيارة الأخيرة هي الأهم لأنها كانت بدعوة من قابوس نفسه لنتنياهو وزوجته، كما أنها كانت على خلفية اتصالات مشتركة بين الجانبين طوال الفترة الماضية، طبقا للبيان نفسه.

وتشير تصريحات وزير الخارجية العماني يوسف العلوي إلى أن الزيارة لا تحتاج لردود الأفعال الغاضبة، فهو يرى أن بلاده استقبلت قبل أيام من زيارة نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأنها تحاول القيام بدور لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لحل النزاع القائم؟

ويرى العلوي أن إسرائيل دولة موجودة ويجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس فهي من وجهة نظره يجب أن تتحمل واجباتها تجاه القضية الفلسطينية.

لماذا السرية

وطبقا لمتابعين لملف التطبيع الخليجي الإسرائيلي فإن الهدف من الحراك الذي شهدته منطقة الخليج خلال الأسابيع الماضية تجاه إسرائيل، يبعث برسالة واحدة مفادها أنه لم تعد هناك حاجة للسرية، فإذا كانت السعودية قلب الخليج لم تعد تداري علاقاتها واتصالاتها مع إسرائيل، فما الذي يُضير باقي الدول الأصغر حجما والأقل شأنا من إزالة السرية عن مثل هذه العلاقة.

ويرى المتابعون أن الدور الذي لعبه كل من الشيطان محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات، ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية القاتل، في طريق التطبيع العلني مع إسرائيل، كان نقطة ارتكاز أساسية تنطلق منها إسرائيل نحو منطقة الخليج لتحقيق عدة أهداف، أهمها وصل العلاقات المقطوعة، وتوسيع دائرة الضغوط على إيران، ومشاركة إسرائيل في لعب دور أكثر علنية في مشروع أمن الخليج الذي تتبناه الولايات المتحدة من خلال تشكيل ناتو عربي إسرائيلي لمواجهة الخطر الإيراني.

وطبقا لهذه الأراء فإن طرح إدارة ترامب مشروع صفقة القرن كان مصحوبا بتهديدات واضحة لكل أنظمة الخليج العربي والدول المرتبطة بالقضية الفلسطينية، بأن كل من يريد البقاء في مكانه والحفاظ على مكتسباته، والاستقرار على عرشه، فعليه قبول الصفقة، بكل سرور، ولعل هذا ما كشفته التصريحات الأخيرة التي وجهها ترامب للرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أيام، والتي كشفتها القناة العاشرة الإسرائيلية التي أكدت أن ترامب أرسل مبعوثا خاصا لعباس وطالبه بالقبول بالصفقة قبل فوات الأوان.

الأرقام لا تكذب

وكان تقرير صحفي نشره موقع صحيفة “ميكور ريشون” الإسرائيلي قبل عام، أن مظاهر التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج العربي تأخذ أشكالا متعددة منذ سنوات عديدة، وأن أبرز مظاهر هذا التطبيع تمثل في زيارة السياحة العلاجية الخليجية لإسرائيل من أفراد العوائل المالكة والأثرياء، الذين يتخذون من قبرص محطة إنطلاق نحو تل أبيب.

كما أكد التقرير أن الشركات “الإسرائيلية” تعمل في الأسواق الخليجية بحرية من خلال الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأمريكية، وأن السلطات الخليجية تغض الطرف عن أنشطة هذه الشركات، رغم إدراكها بأنها شركات إسرائيلية.

ويشير المراقبون أنه بعيدا عن هذا التقرير الصحفي فإن وزير الطاقة الإسرائيلي كان قد أعلن بشكل صريح أن بلاده تقيم علاقات مع السعودية، ليضيف في حديثه لإذاعة الجيش الإسرائيلي حول وجود اتصالات سرية مع السعودية قائلا ” لدى بلادنا علاقات مع دول إسلامية وعربية، جانب منها سري بالفعل ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها، الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات، أما بالنسبة لنا فلا توجد مشكلة عادة ولكننا نحترم رغبة الطرف الآخر عندما تتطور العلاقات سواء مع السعودية أو مع دول عربية أو إسلامية أخرى، وهناك (علاقات) أكبر كثيرا، لكننا نبقيها سرا”.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ، فأكد أن علاقات دولته بعدد من الدول العربية آخذة في التنامي، مؤكدا أن هذه العلاقات مبنية على التصدي لتهديدات مشتركة, وعلى قدرة إسرائيل على تزويد شعوب عربية بالمياه وبخدمات الطب والاتصالات.

مجرد هوامش

على الجانب الآخر يرى فريق من المتابعين لملف المقاومة ومناهضة التطبيع مع إسرائيل أن الأنظمة الحاكمة في الخليج منذ بداية نشأتها وحتي الساعة لم تكن داعمة للقضية الفلسطينية، وأن تاريخها في دعم المواقف الإسرائيلية ممتد، وما يجري الآن هو مجرد الكشف عن هذه العلاقة التي كانت غير شرعية، وتحويلها لعلاقة شرعية.

وطبقا لهذه الأصوات فإن حكام الخليج منذ اتفاقية سايكس بيكو، ثم إعلان إلغاء الانتداب البريطاني على فلسطين المحتلة، وإعلان قيام إسرائيل، وما تبعه من حرب 1948 ثم سلسلة الحروب الأخرى، فإنه لم يكن معظم حكام الخليج في موقف عدائي مع إسرائيل حتى لو لم يكن بينهم تطبيع معلن، وأنه باستثناء دول الشام ومصر والعراق، فإن الأنظمة العربية الأخرى لا يعنيها القضية الفلسطينية

ويعد الكاتب والمفكر القومي سيد كراوية من أنصار دعاة هذا الرأي، داعيا رافضي التطبيع بعدم البكاء على استقبال قابوس لنتنياهو أو إذاعة النشيد الإسرائيلي في سماء الدوحة أو أبو ظبي أو حتى الرياض، فجذور القضية الفلسطينية ” عروبيا ” في مصر والشام الكبير والعراق ،لأنها كانت البلاد التى تبلورت فيها حركات تحرر وطني وثقافة وطنية، مؤكدا أن الدور السعودي كان تركيزه الأساسي ومعه العرش المصري على عدم ترسيخ عرش هاشمي قوي ومؤثر بالأردن والعراق، بما يعني أن العرش الهاشمى كان أهم من إسرائيل وفلسطين، وبالتالي فإن القضية الفلسطينية بالنسبة للسعودية قائدة الخليج لم تتصدر اهتمامها إلا فى مراحل الحرب الباردة العربية وصعود الخطاب القومي نهايات الخمسينات والستينات.

مؤكدا أنه لا يوجد تراث تحرر وطني خليجي، وإن وجد هناك أساس لرابطة فهو الأساس الإسلامى، موضحا أن أول تفكك فى اللوبي ” المستعرب ” في الخارجية الأمريكية كان بعد رسالات طمأنة من رجال آرامكو في السعودية بأنهم لايبالون كثيرا بقضية فلسطين/إسرائيل، بما يعني أن زيارة سلطنة عمان، وجولات أبوظبى وقطر تظل هوامش ، فلم يكونوا أبدا قلاع مقاومة حتى نبكي سقوطهم.

لماذا الهرولة؟

ويرى المتخصصون في الشأن الفلسطيني أن اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره بنقل سفارة بلاده للقدس الشريف، كان بمثابة إطلاق صافرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل، وبحسب الكاتبة والباحثة البحرينية نزيهة سعيد، فإنه رغم إدانة دول الخليج لقرار ترامب، إلا أنها هرولت بشكل غير طبيعي نحو تل أبيب وفتحت عدة دول على رأسها البحرين والسعودية قنوات اتصال مع إسرائيل، تحت مبرر مواجهة الخطر الإيراني.

وتساءلت نزيهة: “إذا كان الأمر يتعلق بـ “الخطر الإيراني” كما تقول بعض القيادات السياسية هناك، يبقى السؤال: هل تقبل شعوب الخليج بالتخاذل تجاه القضية الفلسطينية؟”