العدسة – ياسين وجدي:

جمعتهم المصالح في مسار التطبيع مع “إسرائيل” وتقويض “الربيع العربي” وحصار “قطر” وتهديد “تركيا ” وحظر المعارضة العربية خاصة ” الإخوان” ، وفي أول مطب عنيف لأحدهم غاب ثلاثة عن مشهد رابعهم.

 

غاب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد و ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عن حليفهم الرابع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عز أزمته بعد سقوطه في جريمة قتل الصحفي الكبير “جمال خاشقجي”، وحول هذا الغياب ومعانيه في هذا التوقيت نتوقف ونرصد ما وراءه.

 

التخلي المر !

في وقائع كانت أقل من هذه الأزمة ، كان التحرك المصري لافتا ، سواء بالتصريحات أو بالزيارات ، لكن بعد الإعلان السعودي الرسمي باقتراف الجريمة ، شهد الحضور المصري خفوتا بعد سقوط كل الروايات التي أطلقوها خلال فترة الترقب ضد قطر وتركيا لصالح الحليف السعودي، وما زاد الطين بلة بحسب المراقبين ، هو غياب رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن حضور المؤتمر لصالح زيارة السودان.

 

رئيس الهيئة الوطنية للصحافة في مصر والمقرب من السلطات مكرم محمد أحمد جسد في مقال له بجريدة الأهرام الحكومية بتاريخ 21 أكتوبر تحت عنوان :” ماذا بعد اعتراف السعودية” توجه النظام ، الذي تحول من فكرة أن ما يحدث مؤامرة كونية على السعودية وراءها الإخوان وقطر وتركيا إلى موقف جديد يتبنه بوق مهم للنظام المصري لمغازلة الغرب يستحث فيها الدول العربية والسعودية إجراء مراجعة شاملة من قضية حرية التعبير”.

إذاً الترقب الوجل من التقلبات السياسية ، كان خيار النظام المصري في مواجهة موقف “بن سلمان” المضطرب ، مع إعطاء توجه أكثر تحضرا يعلي من شأن العاهل السعودي فقط في المشهد ، يستطيع به النظام أن يقول أنه ليس ضد الغرب وليس ضد السعودية ، ولكن بات الأمر بحسب المتابعين يشكل علامة إحراج كبيرة للنظام في كل الحالات بعد أن سقط في الروايات المضللة ، وابتعد بعد سقوط حليفه في أوحال الجريمة.

ومن هنا كان البيان المصري الذي صدر عقب الاعتراف السعودي ، والذي وقع من وزارة الخارجية المصرية ، يوجه الإشادة إلى الملك نفسه دون ذكر ولي العهد ، مؤكدا أن ” القرارات والإجراءات الحاسمة والشجاعة التى اتخذها الملك إنما تتسق مع التوجه المعهود لجلالته نحو احترام مبادئ القانون وتطبيق العدالة النافذة”

 

في الإمارات ، التي يرى كثير من المراقبين أن ولي العهد محمد بن زايد يشكل “مرشدا” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، بدا ابتعاد الأول عن حليفه على المستوى الرسمي بعد ايفاد محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم إمارة دبي لحضور المؤتمر طعنة من الخلف لا يغطيه ما جرى تسريبه عن اتفاقات سرية.

 

مصادر دبلوماسية غربية كشفت بحسب تقارير متواترة عن أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، هو من طلب مساعدة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وهو ما يلقي بظلاله على العلاقة بينهما ، خاصة أنه طلب منه البحث عن محاولة الخروج “المشرّف” من الورطة ، وثني الدول الغربية عن اتهامه بإعطاء أوامر إخفاء خاشقجي، وقتله بطريقة وحشيّة داخل القنصلية، ورغم ما في الأمر من خطورة إلا أن وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، هو من تصدر مشهد إعلان وقوف بلاده مع الرياض.

 

نفس الأمر والتجاهل من محمد بن زايد ، تكرر بإصدار بيانات موقعة من وزارة الخارجية الإماراتية توجه الإشادة إلى الملك سلمان وليس النجل ، على غير العادة في العلاقات في الفترة الأخيرة التي تجاهل فيها محمد بن زايد الملك لصالح ولي العهد.

ويبدو أن إشادة بن سلمان بمحمد بن راشد كانت تحمل رسالة عتاب بحسب المتابعين لحليفه بن زايد، حيث قال بمغازلة واضحة :” لو ننظر للشرق الأوسط فإن الدول التي تعمل بشكل جيد كانت تعتمد على النفط، لكن أتى رجل في التسعينات أعطانا نموذجاً أننا يمكننا أن نقدم أكثر.. الشيخ محمد بن راشد ” وأضاف في ضربة لدور بن زايد في الإمارات قائلا :” إن الشيخ محمد بن راشد رفع السقف ونستطيع أن نرى أبوظبي تحركت سريعاً”.

 

ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، كان المشارك في مؤتمر الاستثمار وغاب أبيه الملك الذي كان يحب مشاركة بن سلمان الأدوار كثيرا بحسب المراقبين حيث اكتفى بمخاطبة الملك سلمان أكثر من مرة .

 

الإشادة البحرينية التي خرجت كذلك بمستوى وزارة الخارجية ركزت في المشهد على الملك سلمان ، وأشادت في بيانات متكررة بنفس المعاني ” بالاهتمام الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، لأجل إرساء العدل والإنصاف وكشف الحقائق بكل نزاهة وموضوعية”.

 

الرد العكسي !

وبالتزامن مع هذا التخلي المر من الثلاثي دفعة واحدة ، قرأ مراقبون اتجاه ولي العهد السعودي إلى إصدار رسائل عكسية وشديدة الخلاف مع توجه دول الحصار ضد قطر وتركيا ، حيث اتهم بن سلمان جهات لم يسمها بمحاولة الإيقاع بين السعودية وتركيا .

 

 

الرسائل الجديدة يبدو أنها كانت صادمة للجانب المصري الإماراتي البحريني ، فهى تتعارض كلية مع هجوم منصات الثلاثي على قطر وتركيا ، ولذلك كان التعليق عليها فاترا أو غائبا أو مقللا من قدرها .

 

بن سلمان غازل قطر وعزز الثقة في تركيا ، بكلمات حاسمة تحدثت عن تفاؤل باقتصاد قوي في قطر خلال سنوات خمس ، واستمرار للعلاقات مع تركيا بنجاح ” ما دام موجود ملك اسمه سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد اسمه محمد بن سلمان ورئيس في تركيا اسمه أردوغان”، وهو ما جعل الرد العكسي لولي العهد السعودي يحمل أبعاد استراتيجية لمستقبل العلاقات إذ وضع نفسه بين أبيه وأردوغان في الحفاظ على العلاقات.

 

وبحسب مراقبين دوليين فإن بن سلمان لم يتحرك نحو “الدواء المر” إلا أن بعد “التخلى المر” عنه ” كونه يتعرض وفق توصيف موقع Middle East Eye  البريطاني إلى ” أكبر كارثة واجهها حتى الآن في السياسة الخارجية السعودية، ووضعت قيادته وطموحاته تحت دائرة الضوء والمحك”خاصة أن تركيا كان بحسب تصريحات بن سلمان نفسه أحد محاور الشر مع الإخوان المسلمين وإيران ، وهو ما يفتح الحديث عن سيناريوهات أكثر تجميعا في الفترة المقبلة بحسب مراقبين إذا استمر التوجه السعودي نحو تركيا.