العدسة – ياسين وجدي:
لقاء كاشف في لحظة صعبة يواجهه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، قد تكون الأخيرة ، وقد لا تكون ، لكن اللقاء الذي أجراه الأمير المتهم بالإشراف على قتل الكاتب الصحفي الراحل “جمال خاشقجي” مع رموز الحركة المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام بات ذات مغزى فاضح بحسب المراقبين.
نسلط الضوء على مغزى اللقاء خاصة أن الحركة المسيحية هي الداعم الأكبر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والكيان الصهيوني في ذات الوقت ، ونبحث في دلالاته خاصة مع استمرار السعي الدولي للإطاحة بسلمان الابن قبل الوصول إلى كرسى العرش.
قضية “خاشقجي” !
خيمت جريمة اغتيال السعودية للكاتب الصحفي الراحل “جمال خاشقجي” على مغزى جولة رموز الحركة المسيحية الإنجيلية للإمارات ثم للسعودية ، والتي يبدو أنها تأتي في إطار صفقة تحاول أن تحكيها الإمارات سرا وتمررها للسعودية.
ففي خطوة نادرة بحسب وصف مراقبين دوليين ، التقى الأمير محمد بن سلمان الخميس وفدا من القيادات المسيحية الإنجيلية الأمريكية ، في ظل الضغوط الأمريكية الداخلية المتصاعدة للإطاحة به من منصبه على خلفية جريمة “خاشقجي”.
اللافت أن الزيارة جاءت بعد أن التقى الوفد بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الإمارات في الاثنين الماضي ، وتناول اللقاء ذات الأمور تقريبا بحسب المعلن ومنها نشر قيم التسامح والوفاق والتعايش الإنساني وقبول الآخر.
المهم في إطار التصريحات عقب اللقاء أن الجانب السعودي الإماراتي اتفقا عبر وسائل إعلامهما على الجدول المعلن لكن الوفد الإنجيلي في بيانه أكد أن “استقبال ولي العهد السعودي علانية لزعامات مسيحية إنجيلية في القصر لحظة تاريخية ” خاصة أن بعض الرموز الذين ضمهم الوفد من المؤيدين للكيان الصهيوني أمثال مايك إيفانز مؤسس جماعة (فريق الصلاة في القدس) الذي يصف نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه ”زعيم صهيوني أمريكي-مسيحي ورع“، كما يقدم عدد من أعضاء الوفد المشورة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن قضايا دينية .
ويبدو بحسب المتابعين للشأن السعودي أنه الكارت الأخير في يد “بن سلمان” للضغط على إدارة ترامب، ويعزز ذلك دور الحركة المسيحية الإنجيلية في دعم ترامب في الفترات الماضية ، في ظل صعود جبهة قوية تضغط على الرئيس الأمريكي لفرض عقوبات على السعودية والإطاحة بمحمد بن سلمان، وهو ما يبدو أنه تهديد لبقاء محمد بن زايد في ذات الوقت ، وهو ما يعزز حضور ذراع “ترامب ” الديني للحصول على اعتراف رسمي في ظروف صعبة للحليفين السعودي والإماراتي.
“أبناء إسرائيل”!
وضع “الحركة المسيحية الإنجيلية ” في الفترات الأخيرة في أمريكا يعطي تفسيرا لسر مقابلة بن سلمان بعد بن زايد للحركة المتصهينة المتطرفة التي وقفت وراء كثير من قرارات ترامب ضد القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني، فهو يريد أن يحدث توازن بين الضغوط الأمريكية الداخلية على ترامب في ملف السعودية بدفع الكيان الديني المتطرف للضغط على ترامب والمحافظة على بن سلمان الذي قابل بالاعتراف بالحركة.
وبحسب موقع المصدر الصهيوني فإن المسيحيين الإنجيليين يشكلون أحد أكبر مصادر الدعم لدولة الاحتلال الصهيوني ، حيث يؤمنون بأنّ هجرة اليهود لإسرائيل وإقامة الدولة اليهودية هي جزء ضروري من عملية الخلاص المسيحية فضلا عن أن كل التبرّعات المسيحية التي تصل إلى الكيان الصهيوني تقريبا يتم الحصول عليها من منظمات إنجيلية بحسب الموقع.
ويعتبر مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي ، هو كلمة السر ، ومندوب الطائفة الإنجيلية في البيت الأبيض ، التي تعتبر في ذات الوقت ذراع الحزب الجمهوري في الحكم ، ووفقا للأصول البروتستانتية للإنجيليين، فإن بروتستانتية ترامب هي واحدة من الأسباب وراء دعم الطائفة الإنجيلية له فضلا عن التقارب الموجود بين مخططات ومناهج ترامب السياسية وبين معتقدات هذه الطائفة وفق مراقبين.
كما يعد القس الإنجيلي جوني مور، من أقرب الشخصيات للرئيس الأمريكي حيث شارك في رئاسة الهيئة الاستشارية الإنجيلية لترامب خلال حملته الانتخابية، والتقى مور ترامب وأعضاء فريقه مرات عديدة، كما دأب على التحدث للبيت الأبيض بانتظام.
وفي هذا الإطار برز الدعم الإنجيلي العلني الفج للكيان الصهيوني بشدة بعد ليلة من تعهد افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في مدينة القدس المحتلة، حيث اجتمع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بمجموعة من كبار القساوسة والنشطاء الإنجيليين وشكرهم على ضغطهم الكبير على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل نقل السفارة وكسر سياسة أمريكية استمرت لعقود حول القدس!
الضغط أكبر !
ورغم القوة اللافتة للحركة المسيحية الإنجيلية في المشهد الحاكم في أمريكا ، إلا أن الضغط الأمريكي الداخلي سيكون أقوى بدرجة ما وفق المتابعين .
ويرى الكاتب العربي الكبير عبد الباري عطوان أن أي مخططات للتغطية على جريمة “خاشقجي” والتستر على “بن سلمان” قد لا تفلح ، في ظل تحرك عناصر بارزة في المؤسسة التشريعية الأمريكية بشكل مكثف للإطاحة بالأمير بن سلمان وتحميله مسؤولية الوقوف خلف هذه الجريمة، بجانب الإعلام الأمريكي الذي شكل جبهة موحدة لمعارضة نهج إدارة ترامب، والإصرار على كشْف المتورطين في الجريمة ومحاسبتهم، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان.
وفي المشهد الأمريكي الغاضب يقف السيناتوران الجمهوريان ماركو روبيو المرشح الأمريكي السابق للرئاسة، وليندسي جراهام المقرب من ترامب ، علاوة على 22 مشرعا طالبوا بتفعيل مادة فرض العقوبات في الدستور الأمريكي على الدول الأجنبية التي تنْتهك حقوق الإنسان
الخيارات كثيرة في الجبهة المعارضة للسعودية الآن في الولايات المتحدة الأمريكية لكنها لا تقبل بوجود “بن سلمان” في سدة القرار ، ومنها ما طرحه العضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، راند بول، مؤكدا أن حل الأزمة السياسية في السعودية يجب أن يكون بنقل السلطة من محمد بن سلمان إلى عضو آخر في العائلة المالكة.
ومع قدوم الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة سيكون الصراع حادا وقويا ، بين الذراع الديني لترامب ، وبين الذراع السياسي له المتمثل في حزبه ورموزه الذين يقودون حملة شرسة لإسقاط بن سلمان قبل الانتخابات لتوفير نقطة إيجابية متقدمة في صندوق الانتخابات لصالحهم.
وبحسب تقدير موقف حديث لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن فإنه لدى مجلس الشيوخ ومجلس النواب العديد من الخيارات لعرقلة التعاون الأمريكي السعودي على عدد من الجبهات. يمكن أن يفرضوا مزيدًا من التعقيدات على بيع الأسلحة والأشكال الأخرى من التعاون العسكري والتكنولوجي ونقل التكنولوجيا، وحتى منعها مؤقتًا، خاصة إذا استعاد الديمقراطيون الأغلبية في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ بعد الانتخابات النصفية .
مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة لليمن، تحدث ضمنيا عن تأثيرات قضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي على الانتخابات النصفية بالولايات المتحدة ، حيث قال :” أعتقد أن قضية خاشقجي والانتخابات الأمريكية حفزتا إعلان أمريكا رغبتها في وقت الحرب في اليمن وحفزتا المصالح في الدول المعنية، وليس فقط في واشنطن والمنطقة، بل حتى في أوروبا”.
ويرى مراقبون أن استحضار ورقة “أبناء اسرائيل” في الولايات المتحدة الأمريكية ، جاء متأخرا ، وهو ما قد تظهره الأيام المقبلة ، خاصة في ظل ضغوط كبيرة على ترامب بجانب مواقف الاتحاد الأوروبي الغاضبة من محمد بن سلمان الأمير المتهم بالإشراف على الجريمة الأخطر في الشرق الأوسط خلال الشهر الماضي.
اضف تعليقا