العدسة: محمد العربي

لم يكن أكثر المتشائمين في مصر يتوقع أن يقرأ خبرا عن قيام نائبة بالبرلمان المصري بتقديم مشروع قانون لتجريم ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمصالح الحكومية، وتجريم من تخالف ذلك بدفع غرامة قدرها 1000 جنيه، مع تغليظ العقوبة في حال تكرار المخالفة.

الغرابة لم تكن فيما طرحته النائبة غادة عجمي في مشروعها المثير للجدل، والذي وضعه البرلمان على جدول مناقشاته منتصف نوفمبر الجاري، وإنما في تزامن هذا المشروع مع عدة أحداث شهدتها مصر، تنذر بخطر يهدد منظومة القيم المجتمعية.

ففي الوقت الذي دعت النائبة عجمي لتجريم ومنع ارتداء النقاب، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على سيدة من محافظة الدقهلية بوسط الدلتا، نشرت مقاطع فيديو لها وهي تتحرش بالأعضاء التناسلية لقرد في أحد متاجر بيع الحيوانات بالمحافظة الشهيرة، وفي نفس التوقيت طفت على سطح المجتمع المصري، عدة قضايا متعلقة بتبادل الزوجات، وهو ما اعتبره المتابعون مؤشرا خطرا على سلامة الوضع المجتمعي للشعب المصري.

لماذا هذه الحرب

وتشير العديد من الدراسات التي تناولت هذه الأحداث إلى أن المجتمع المصري يعيش مرحلة تغريب خطيرة، منذ انقلاب يوليو 2013، نتج عنه هزة مجتمعية عنيفة، أدت لتزايد مظاهر الانحلال، مقابل تراجع مظاهر المحافظة على القيم والثوابت.

وطبقا لعدد من المراقبين فإن توجه الدولة المصرية في ظل نظام السيسي يدعم الاتجاه نحو علمنة الدولة، ومنح مساحات واسعة لدعاة الحريات الشخصية المنفلتة، وهم ما تمثل في معظم الأعمال الدرامية التي عرضتها الفضائيات المصرية خلال الأعوام الخمس الماضية، والتي قدمت صورة سيئة لرجال الدين، مقابل تقديم البلطجية والراقصات كقدوة للمجتمع، بالإضافة لاحتفاء الإعلام بالأعمال الدرامية التي تمثل تهديدا صريحا للقيم والأخلاق والثوابت، مثل مسلسلات “سابع جار” و”حكايات بنات” و “دلع بنات” وغيرها من الأعمال الدرامية التي قدمت صورا خطيرة تدعو لإنحلال المجتمع المصري.

وطبقا لأصحاب هذا الرأي فإن الأمر لم يقتصر على الدراما فقط وإنما امتد للبرامج الإعلامية والندوات الثقافية التي أصبحت حكرا على دعاة الحريات الجنسية بدعوى الحرية الشخصية، مستدلين بتصريحات الكاتبة المثيرة للجدل فريدة الشوباشي، التي اعتبرت ارتداء النقاب ليس حرية شخصية، بينما الميني جيب حرية شخصية لأن وجه المرأة باين”.

وتعجبت “الشوباشي” من الذين ينتقدون الميني جيب قائلة: “عيب نقول الميني جيب بيثير غرائز لأننا بني آدمين مش حيوانات، إيه القرف ده”، بينما اعتبرت النقاب يخفي الشخصية، ويعتدي على الحرية، معقبة: “عيب لما الست اللي ربنا خلق فيها الرحم اللي أوهب الحياة يبصلها الراجل إنها بتثير الغرائز، يتحرق الراجل ده”.

ويرى الخبراء أن الحرب التي أخذت أشكالا متعددة بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي والإجهاز على جماعة الإخوان المسلمين، أدى لغياب عامل الاتزان في المجتمع المصري التي كان يقوم بها الإخوان وتابعيهم، من خلال تواجدهم في الشارع المصري وفي المساجد والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والجامعات والمدارس، بالإضافة لتواجدهم الرقابي في البرلمان، وهو ما كان يؤدي لغياب معظم هذه الأصوات الشاذة التي تعمل الآن على تدمير المجتمع أخلاقيا.

وطبقا للرأي السابق فإن دعاة التحرر، وجدوا في محاربة نظام السيسي للثوابت والقيم الأخلاقية فرصة لترسيخ العديد من المفاهيم العلمانية داخل المجتمع المصري، في ظل تراجع صلابة مؤسسة الأزهر، التي مقابل الدفاع عن عدم وجود إخوان بها، تغاضت عن كثير من الأمور التي كان يجب أن يكون لها رأي واضح فيها، عملا بالمثل الشائع “اللي على رأسه بطحة …”

نتائج كارثية

ويشير المتابعون لهذا الملف، أن إطلاق الدولة ليد دعاة العلمانية والتحرر في وسائل الإعلام والدراما، أدى لانتشار ظواهر شاذة على المجتمع المصري، مثل انتشار قضايا تبادل الزوجات أو ما يعرف بحفلات الجنس الجماعي، والتي تشير دراسة أجراها مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، إلى أنها انتشرت بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة بمختلف طبقات المجتمع، حيث ألقت قوات الأمن المصرية القبض على  23 شبكة تسهيل وإدارة تبادل الزوجات بعدد متهمين 250 متهما يمثلون 125 زوجة وزوج خلال عامي 2016 و2017.

وتشير الدراسة التي أشرف عليها رئيس المركز الدكتور عادل عامر، إلى أن الظاهرة باتت تثير علامة استفهام كبرى في مجتمع من المفترض أنه متدين، واستعرضت الدراسة عددا من القضايا التي بدأت عام 2009، وأصدر فيها القضاء حكما بسجن الزوج 7 سنوات وزوجته 3 سنوات، ثم الحادثة الثانية عام 2012، وكان البطل فيها محاسباً وزوجته الشابة.

إلا أنه ومنذ 2014 فإن هذه الشبكات شهدت زيادة غير طبيعية، ضمن زيادة قضايا الآداب بشكل عام، والتي وصلت إلى 2034 قضية آداب بين عامي 2016/2017، منها 35 قضية دعارة دولية، و80 قضية إدارة مسكن للدعارة وتسهيل الرذيلة، بينما وصل عدد المسجلات في الآداب إلى 22 ألفا و521 سيدة و8341 رجلا.

وما يثير المخاوف أن الأرقام التي رصدتها الدراسة السابقة تعتمد على محاضر الأمن المصري، وبالتالي فإن العدد مرشح للزيادة بشكل أكثر مع الشبكات التي لم يتم اكتشافها حتى الآن.

لماذا هذه السرعة؟!

ويشير عدد من الباحثين أن الحرب على منظومة القيم أدت لانتشار العنف والبلطجة، مقابل غياب قيم التسامح والتعاون بين المصريين، وهي المفارقات التي ظهرت في قسوة وبشاعة عمليات القتل والتمثيل بالجثث، التي شهدتها شوارع مصر خلال الأشهر الماضية، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وهي تأثيرات ناتجة عن الوضع السياسي المتأزم الذي ألقى بظلاله على الجانب المجتمعي.

وطبقا لآخرين فإن المجتمع المصري يشهد زيادة في سرعة الانهيار الأخلاقي على عكس مظاهر التدين السطحية للمجتمع، وهو ما يرجع في الأساس لغياب الفريضة الأساسية المتمثلة في تعليم الطالب والطفل في المدرسة القيم الإنسانية، وانهيار قدسية البيت، وتراجع مكانة رجال الدين في المجتمع كقوة مرشدة وناصحة وكذلك سقوط بعض رجال الدين في ما قد يسقط فيه المواطن العادى.

أين الأزهر؟!

ويبدو السؤال السابق من أكثر الأسئلة غموضا خلال الفترة الحالية، فالأزهر الذي بات صامتا عن كثير من القضايا التي يعد طرفا أساسيا فيها، آثر الصمت كذلك في الهجمة الشرسة ضد الحجاب والنقاب، بل صدرت عن عدد من علمائه فتاوى وآراء تدعم توجهات الدولة في تجريم ارتداء النقاب، ولذلك فإن هناك من يرى أن فتوى شيخ الأزهر أحمد الطيب حول النقاب بأنه ليس فرضا ولا سنة، قد منحت قبلة الحياة للتيارات العلمانية في الدعوة لمنع ارتدائه.

ويرى منتقدو موقف شيخ الأزهر بأن القضية ليست في مشروعية أو عدم مشروعية النقاب، ولكن في استخدامه كقضية يتم من خلالها محاربة الثوابت الإسلامية التي بدأت بشكل واضح قبل أربع سنوات بدعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، واتهام الأزهر بالوقوف حجر عثرة أمام هذا التوجه العلماني الواضح، مستدلين على ذلك بأن شيخ الأزهر لم يقدم رأيا مماثلا حول انتشار الخلاعة والملابس الماجنة والفاضحة، سواء في الأعمال الدرامية أو بين أوساط المجتمع المصري، والتي رآها البعض سببا أساسيا في انتشار ظاهرة التحرش الجنسي التي أطلقت جرس إنذار عن مستقبل الشباب المصري.

وطبقا لهذا الرأي فإن ما يحدث اليوم من التخلي عن النقاب واعتباره مظهرا غير إسلامي، بينما الهدف الأساسي من وراء ذلك هو سياسي وأمني يدعمه توجه فكري علماني، فإن القريب العاجل سوف يشهد حربا أكثر خطورة على القضية الأهم وهي الحجاب بحجة أنه ضد الحرية الشخصية، وأنه أحد مظاهر التخلف والرجعية كما سبق وصرح وزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور أثناء توليه الوزارة.