العدسة- ياسين وجدي

بينما يبحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المتهم بالإشراف على قتل الصحفي البارز الراحل جمال خاشقجي في دفاتره القديمة للإفلات من مقصلة الضغط الغربي الأمريكي التي تسعى للإطاحة به ، ظهر في توقيت متزامن ولافت تصاعد هجمات تنظيم داعش الإرهابي .

“العدسة” يرصد السياق الذي ظهرت فيها عمليات داعش الإرهابية فجأة بعد طول كمون في محاولة فسرها كثيرون بأنها خطوة لخطف الأنظار من قضية خاشقجي، وقد يكون التفسير ذات ثقل لأسباب كثيرة نسلط عليها الأضواء.

خطف الأنظار

أوراق عديدة حرقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لم تحقق المأمول منها سريعا ، قبل تصاعد هجمات داعش ، التي تبدو بحسب المراقبين أنها قد تكون الورقة الأخيرة لسلمان الابن وحليفه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في محاولة لفت الأنظار والتستر على الجريمة الأعلى صوتا في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة.

اتجه “بن سلمان” مبكرا إلى الدب الروسي ، في رسالة إلى حليفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغيير دفة الدفع ، ولكن لم تفلح الرسالة فيما هو مرصود ، حيث أعلن الرئيس الأمريكي إحالة الأمر إلى مجلس الكونجرس الذي بات يسيطر عليها قبل أيام الديمقراطيين الخصوم الواضحيين لولي العهد السعودي وترامب معها .

وفي محاولة يائسة قبل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأمريكية التقى الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد برموز الحركة المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لتمرير صفقة سرية بشأن وقف الضغط على السعودية والتستر على الجريمة لكن لم تجدي نفعا وفق المتابعين للشأن الأمريكي ، خاصة على المدى القريب.

الاتجاه إلى العنف للتستر على الجريمة ظهرت مع طرود القنابل التي أُرسلت لعدد من الديمقراطيين في أمريكا قبيل الانتخابات والتي وصفتها صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية، بأنها كانت الأداة السهلة التي مكنت الرئيس دونالد ترامب، من تأجيل إعلان موقف بلاده من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مبنى قنصلية بلاده بإسطنبول.

الصحيفة الأمريكية كشفت في سياق تقريرها أن العائلة المالكة السعودية ، ستكون في أريحية، طالما أن هناك قنابل منفجرة وغير منفجرة يمكن أن ترسَل إلى أماكن متفرقة من أمريكا وتستولي أخبارها على متابعة الأمريكيين، ويبدو أن هذه النظرية هي التي حكمت أداء ولدي بن سلمان وبن زايد، والتي ظهرت بعدها هجمات داعش في ترجمة عملية لتقرير واشنطن تايمز.

هجمات “داعش”!

بينما العالم منشغل بقضية “خاشقجي” وتطوراتها ، أطلق تنظيم داعش الإرهابي نداءً عبر إصدار مرئي جديد حمل اسم “دولة الخلافة من الداخل 8” دعا فيها المنتمين إليه في الخارج والحاملين لأفكاره التكفيرية إلى النفير والقيام بالعمليات الإرهابية في أعماق الدول، دون سابق إنذار، لتجتاح عمليات الإرهاب العالم خلال ساعات قليلة في كل من كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وملبورن الأسترالية، إضافة إلى جاكرتا عاصمة إندونيسيا، و محافظة المنيا جنوب مصر .

الهدف هو صعود فزاعة داعش مجددا بحسب المراقبين ، وهو ما ظهر بوضوح مع تحرك طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن لقصف عدة مواقع لتنظيم “داعش” الارهابي في جبل قرجوغ بقضاء مخمور جنوب شرقي الموصل في العراق، صباح السبت، في محاولة مستميتة لفرض أنباء “داعش” في صدارة الأخبار.

“إحياء الميت من قبره ” استراتيجية لافتة في المنصات الإعلامية المحسوبة على الإمارات وتتوازى مع الحملة الميدانية ، حيث نشر موقع ” سكاي نيوز” ، تقريرا نسبه للمخابرات الهولندية يزعم أن تنظيم داعش يحاول استعادة قوة التنظيم وإطلاق حرب سرية في أوروبا، حسبما أورد موقع “إنتل نيوز” المتخصص في شؤون الاستخبارات، الخميس ، لكن اللافت أنه سدد ضربة في التقرير لتركيا مليئة بالمزاعم في محاولة واضحة للتشويش عليها خاصة وأنها تمتلك أدلة الإدانة في مقتل خاشقجي وتقودها بذكاء واضح نحو ولي العهد السعودي بحسب المتابعين للشأن التركي.

في نفس التوقيت ، ظهر الناطق باسم الحليف الجديد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ليضع تنظيم “داعش” مجددا في صدارة المشهد والفزاعات ، مؤكدا أن التنظيم يسعى لتحويل أفغانستان إلى موطئ قدم للإرهاب فى آسيا الوسطى، وذلك خلال افتتاح مؤتمر”صيغة موسكو” حول أفغانستان، مساء الجمعة، وهو ما يعني بحسب البعض أن هناك حالة تتشكل لتصدير فزاعة داعش على حساب قضايا أخرى وفي مقدمتها مقتل الصحفي البارز جمال خاشقجي.

خدمات ثمينة !

محاولات الربط بين ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي والأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ، ليس جديدة لها تاريخ قديم مرصود ، يعزز السيناريو الراجح لدى مراقبين بوجود تعاون واضح بين الفرقاء يستهدف هذه المرة التشويش على قضية “خاشقجي” بعد امتناع السعودية عن الإجابة عن السؤال العالمي :” أين جثة خاشقجي؟!”.

ورصد “العدسة” في العديد من التقارير هذه العلاقة بين الثلاثي الدموي، داعش وبن سلمان وبن زايد ، تلك العلاقة التي أكدتها مراسلات سرية سربتها تقارير متواترة كشفت عن دعم الإمارات والسعودية لجماعات إرهابية منها داعش وصل إلى أكثر من 760 مليون دولار بين عام 2015 إلى عام 2017، موزعة على حركات وجماعات إرهابية مسلحة في سوريا وباكستان وليبيا والصومال ومصر وأفغانستان وغيرها؛ منها داعش سيناء بـ 31 مليون دولار.

صحيفة “لافانغوارديا” الإسبانية في تقرير حديث لها أكدت ذلك وقالت : إن تنظيمي الدولة والقاعدة كانا المسؤولين عن سفك الدماء مرارا وتكرارا في كل من أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان العربية الأخرى، ومع ذلك كانوا (أصدقاء ظلام) المملكة” مؤكدا أنها “تتغذى- أي السعودية – على التطرف السني الذي تجسده لمدة عقود دولا منها : السعودية الرائدة في الدعاية الوهابية الرجعية”.

محاولات فاشلة !

ويذهب مراقبون دوليون وعرب أن أي محاولات لولي العهد السعودي لن تستطيع تمرير إفلاته من العقاب المتوقع في إشرافه على قتل الصحفي “خاشقجي” وفق التسريبات المتواترة، وخاصة من تنظيم داعش في ظل التحريض المتواضل ضده.

الكاتب البريطاني الكبير ديفيد هيرست يرجح فشل “بن سلمان” في “غسل يديه الملطختين بدم خاشقجي” ، وهو ما ذهبت إليه شبكة (بي بي سي) باللغة العربية ، مؤكدة أن “الحلقة وكأنها تضيق حول الأمير بن سلمان، الآمر الناهي، والمحكم قبضته على مجمل مفاصل النظام في الوقت الراهن”.

ووفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بات يلقب في واشنطن بـ”السيد منشار العظم”، ومن المحتمل أن تظل صورته باقية في الأذهان كقاتل لصحفي ومواطن سعودي.

ويبقى إصرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على ملاحقة الجناة ، عائقا أمام استقرار الأمر لولي العهد السعودي ، وهو ما أبرزه في خطاب الثلاثاء 23 أكتوبر الماضي مؤكدا أن بعض المسؤولين السعوديين من ذوي المراتب العليا متهمين بالتورُّط في القتل مضيفا : «تجب محاسبة الجميع، بدءاً من الشخص الذي أصدر الأمر، إلى الشخص الذي نفَّذ» في إشارة باتت تفهم على سياق واسع أنها تقصد محمد بن سلمان.