العدسة – ياسين وجدي:

ذهب خبراء مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط في تقدير موقف حديث حول تأثيرات الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي في الشرق الأوسط إلى حدوث خسائر متوقعة للأنظمة الحاكمة في مصر والسعودية والإمارات .

وتوقع الخبراء كذلك حدوث ضغوط واسعة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، مع إعلاء الملاحقات ضده والاستعداد لجولة صناديق 2020 ، مع الاهتمام بقضية التخابر مع روسيا.

نوبات انفعالية !

في تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” يرى ديكستر فيلكينز  الصحفي البارز في مجلة النيويوركر، ومؤلف كتاب  (الحرب الأبدية) أن ماهو مؤكد تقريباً حول السنتين المقبلتين في السياسة الأميركية، أنها ستغرق في لُجج السياسات المحلية، فالهدف الرئيس للأغلبية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب سيكون التحقيق مع الرئيس دونالد ترامب وفريقه واستجوابهما بكل الوسائل المتاحة: مذكرات الاستدعاء، وجلسات الاستماع، واستدعاء الشهود، وفحص الوثائق، ثم إن أبرز القضايا التي سيسعى الكونجرس الجديد إلى ملاحقتها ستكون البحث عن دلائل حول تعاملات ترامب مع روسيا والفساد في أنشطته الاقتصادية.

 

وأضاف أنه نظراً إلى ما نعرفه عن شخصية ترامب، فمن المرجّح أن يفجّر ذلك سلسلة من ردود الفعل البركانية من جانب المكتب البيضاوي، بمعنى أننا سنشهد المزيد من النوبات الانفعالية والمؤتمرات الصحافية السريالية وستكون المعركة طاحنة وبشعة وسيطول أمدها، وربما أسوأ من أي شيء رأيناه خلال السنتين الماضيتين، وسيواجه ترامب، لأول مرة، معارضة حقيقية ومؤسسية.

ورجح ديكستر فيلكينز أن هذا يعني في أفضل الرهانات التجاهل بالنسبة إلى الشرق الأوسط ، ففريق ترامب وصل إلى المكتب وفي جعبته مخططات كبرى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، في المقام الأول من خلال عزل النظام الإيراني وربما إشعال فتيل انتفاضة ضده، والتوصّل، إن أمكن، إلى عقد صفقة غير مرضية للفلسطينيين، ولكن كل هذا يحتل أهمية ثانوية الآن، إذ إنه لن يتوفر لترامب لا الوقت ولا الطاقة للانشغال بذلك، كما سيكون صهره جاريد كوشنر بشكل شبه مؤكد منشغلاً بأمور أخرى، وتبقى أكثر الاحتمالات ترجيحاً مجرّد المراوحة في المكان الراهن.

وأوضح أن الخطر الوحيد هنا يتمثّل في أن يتحرّك الشرق الأوسط على هواه، من خلال إنتاج أزمة تتطلّب اهتمام الرئيس، وفي حال حدوث ذلك – بالنظر لما حدث لريتشارد نيكسون وفضيحة ووترجيت، والحرب العربية-الإسرائيلية في العام 1973- قد تكون إغراءات التدخّل واقعية للغاية، ولانعرف حتى الآن أين ستندلع هذه الأزمة ومتى، لكن إذا ما حدث ذلك، سيكون من الصعب على ترامب صرف النظر عنها.

تغير متوقع

سارة يركيس الخبيرة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط ، والعضو السابق  في طاقم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، والمحلّلة للأبحاث الجيوسياسية في مديرية الخطط والسياسات الاستراتيجية في هيئة الأركان المشتركة التابعة للجيش الأميركي في البنتاجون من جانبها ترى أن الثنائية الحزبية طغت على مقاربة الكونجرس للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط على مدى الأعوام الماضية، لكن الانتخابات النصفية أدخلت إلى المشهد (وأخرجت منه أيضاً) لاعبين بارزين،  لذا، يمكننا أن نتوقّع أن يكون الكونجرس الحالي أكثر انتقاداً لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين، مثل السعودية ومصر وإسرائيل، وعلى سبيل المثال، تشي هزيمة دانا رورباشر، وهو أحد أعتى مؤيّدي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، باحتمال اتّخاذ موقف أكثر حزماً حيال انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

 

 

وتوقعت سارة يركيس أن غالب الظن أن نشهد تحدّياً للسردية التقليدية المؤيدة لإسرائيل داخل الكونجرس، فقد انتقد ثلاثة أعضاء جدد إسرائيل على نحو صريح، وهم ألكساندريا أوكازيو-كورتيس، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وهو ما يعني أن الكونجرس الجديد أكثر اطّلاعاً من السابق، ولاسيما أن بعض الأعضاء الجدد هم خبراء مخضرمين في السياسة الخارجية – أبرزهم توم مالينووسكي، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.

السعودية في ورطة

أما ديفيد كينر محرّر شؤون الشرق الأوسط في مجلة فورين بوليسي فيذهب أن التغير ظهر مبكرا ، حتى قبل الانتهاء من فرز الأصوات الأخيرة في انتخابات الكونجرس الأميركي، حيث أعلنت الإدارة الأميركية عزمها على وقف إعادة تزويد طائرات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بالوقود، وتوقع أن يصاب الرئيس ترامب بخيبة أمل إذا كان يأمل بأن تُثني خطوته هذه مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، عن تحدّي سياسته اليمنية.

 

 

وأضاف أن الخطوة الملموسة التي يمكن لديمقراطيي مجلس النواب الأميركي اتّخاذها، هي وقف مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الرياض، حيث أن صفقة الأسلحة مع السعودية أُقرَّت العام الماضي بغالبية ضئيلة، ولكن، وعلى ضوء مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وفوز الديمقراطيين بغالبية مقاعد مجلس النواب الأميركي، قد يواجه السعوديون عداء غير مسبوق داخل الكونجرس الحالي.

وأوضح أن ما ينبغي أن يقضّ مضاجع السعوديين هي التداعيات الأقل وضوحاً للانتخابات النصفية الأميركية، فقد بات بإمكان مجلس النواب الأميركي الآن عقد جلسات استماع حول اليمن، وبلورة موقف مناهض للحرب التي تشنّها السعودية في صفوف الرأي العام والنخبة، وهو ما يعني أنه قد يأتي يومٌ نرى فيه أن العلاقة الأميركية-السعودية لم تعد ثمرة توافق حزبي داخل الكونجرس، بل أصبحت مسألة خلافية كُبرى بين الحزبين.

مواجهة مفتوحة !

وفي هذا السياق أكد جيفري أرونسون  الخبير الاستراتيجي أن الأغلبية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب الأميركي نفسها في مواجهة مروحة من قضايا السياسة الخارجية المتعلّقة بالشرق الأوسط.

وتوقع أنه مهما كانت المسألة – بدءاً من العقوبات على إيران، مروراً بتوسّع النفوذ الروسي في المنطقة ووصولاً إلى العلاقات العربية-الإسرائيلية – سيكون الهجوم السياسي الواسع على الرئيس دونالد ترامب والحزب الجمهوري في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 2020 هو السياق الغالب الذي سيقولب ويحدّد هذه المسائل.

 

 

وأضاف أن كل هذا يشي بتموضع من طرف اليمين، باتجاه انتقاد مبادرات ترامب السياسية بكونها لاتتسّم بقدر كافٍ من “الصرامة” نحو الرئيس السوري بشار الأسد وإعادة إعمار سورية، وحزب الله، و”النهج التوسعي” الروسي، وإيران، مع كل ماتتضمّنه هذه القضية من أبعاد، وهو ما يعني أن يكون دعم تقليص أو وضع حدّ للتعاون الأميركي مع السعودية والإمارات في الحرب في اليمن استثناء جديراً بالاهتمام، حيث قد تجد الأغلبية الجديدة في المجلس قيمة سياسية في تحدي السياسة العامة انطلاقاً هذه المرة من اليسار.