العدسة – ياسين وجدي:
بعد تقدم الموجة الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا ، كان لافتا صعود اليمين المتطرف في أمريكا اللاتينية بعضها بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، ما يضع العالم في خطر على مستويات عدة.
الثمن باهظ والأضرار كبيرة خاصة ضد العرب والمسلمين ، وفق رصد “العدسة” في ظل تأثيرات سلبية لن تذهب بسهولة على المدى القريب ، وقد تشعل العالم فوضى بحسب المراقبين.
صعود مقلق !
التحقت أمريكا اللاتينية بالقارة البيضاء ، في صعود اليمين المتطرف في مشهد دولي معقد ومرتبك يسوده الإسلاموفوبيا ووصم الإسلام بالإرهاب، وهو ما ظهر مؤخرا في عدد من الدول.
ففي البرازيل ، فاز أواخر الشهر الماضي مرشح اليمين المتطرف المدعوم أمريكيا جايير بولسونارو بمنصب الرئيس بعد حصوله على 56 بالمئة من أصوات الناخبين في الجولة الثانية من السباق ، ليتولى مهامه رسميا في يناير المقبل،وسط مخاوف واسعة كونه يشيد بحقبة الدكتاتورية (1964-1985) في البرازيل.
وفي كولومبيا ، تغلب المرشح اليميني المتطرف إيفان دوكي على منافسه اليساري غوستافو بيترو في الانتخابات الرئاسية الكولومبية التي جرت في يونيو ، لتنضم إلى الأرجنتين، التي يتصدر مشهدها الرئيس اليميني المتطرف ماوريسيو ماكري، بعد تنصيب اليميني المتطرف سيباستيان بينيرا، رئيسا لتشيلى للمرة الثانية على التوالي في مارس الماضي.
جاء ذلك بالتزامن مع تمكن مرشح يميني متطرف آخر هو ميلوراد دوديك بالفوز بالمقعد المخصص للصرب في المجلس الرئاسي الثلاثي لجمهورية البوسنة والهرسك، كما شهدت السويد في سبتمبر الماضي ، تمكن حزب “ديمقراطيو السويد“ اليميني المتطرف من تحقيق أفضل نتيجة انتخابية في تاريخه حيث حل ثالثا في البرلمان بعد حزبي اليمين واليسار التقليديين، ليفرض نفسه قوة أساسية في الحياة السياسية للبلاد.
وفي إيطاليا ، تمكن حزب “رابطة الشمال” اليميني المتطرف من قيادة تحالف، لتصدر نتائج الانتخابات البرلمانية الإيطالية، التي جرت مارس 2018، بينما تمكنت حركة خمس نجوم المتطرفة من الحصول على 33 بالمئة من الأصوات ، وفي النمسا ، شهد شهر أكتوبر الماضي ، انتصار كبيرا لحزب الحرية اليميني المتطرف حيث حل ثانيا خلف الحزب المسيحي الديمقراطي، وهو ما تكرر في ألمانيا عندما تقدم حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر الماضي ليدخل البرلمان للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالتزامن مع عودة الحزب اليميني المتطرف “فلامز بيلانج” بقوة في الانتخابات البلدية البلجيكية ، وتصدره المرتبة الثالثة بين الأحزاب.
وشهد شهر ديسمبر من العام الماضي عقد مؤتمر لعدد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تحت شعار من “أجل أوروبا للأمم ذات السيادة” كما التقت هذه الأحزاب في بداية العام الماضي في اجتماع مشترك ودعت خلال المؤتمرين إلي وضع حد لتجربة الاتحاد الأوروبي في شكلها الحالي، واعتبرتها تشكل “تهديدا وجوديا” لدول أوروبا كما نادت بضرورة وقف استقبال المهاجرين واللاجئين وفي مقدمتهم العرب والمسلمين.
أسباب الصعود
وبحسب المراقبين ، فقد تسبب التراجع الخطير في المؤشرات الأمنية في أمريكا اللاتينية مع عجز اليسار عن طرح حلول في صعود القوى اليمينية والشعبوية ، بجانب المخاطرة الاجتماعية الناتجة عن قوانين مناهضة للأخلاق ومعززة للصراع بين المرأة والرجل، في ظل موجة من الفساد لم تسلم منها دولة في أميركا اللاتينية.
ويشير البعض إلى أن الأحزاب اليمنية المتطرفة بدأت تتمدد في أميركا اللاتينية -وإن كان بدرجات متفاوتة- كما حصل في الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وباراغواي وبيرو، لكنها ترى كذلك أن هذه التيارات لم تصل إلى حد التطرف كما في البرازيل، مؤكدين أن أزمه المهاجرين وعدم المساواة الاقتصادية وتنامي خيبه الأمل لدى الاتحاد الأوروبي والشعور بفقدان الهوية الوطنية هم أسباب صعود الأحزاب اليمينية في عدد متزايد من البلدان الأوروبية .
وربط مراقبون كثيرون بين فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، والصعود الجديد لليمينين والشعبويين ، ووصف موقع سكاي نيوز الأمريكي صعود نجم ترامب بأنه بالنسبة لليمين الشعبوي في أوروبا “قوس قزح يميني”، يحمل معه بشارات رياح تهب بقوة نحو قيم ترفض التسامح، وتؤكد الانغلاق، وتعزز الخوف من الآخر.
إنها الحالة “الترامبية” التي تغزو أميركا اللاتينية وأوروبا ، بحسب وصف شبكة “سي أن أن” التي ترى أن انتعاش الحالة “الترامبية”، يرجع إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتبنى مواقف أقرب إلى أقصى اليمين.
تأثيرات سلبية !
تأثيرات سلبية عديدة ينتظرها العالم من استقرار الوضع لليمين المتطرف في بقعتين مهمتين في العالم ، خاصة ضد العرب والمسلمين، حيث تتشابه أحزاب اليمين المتطرف في الأهداف والشعارات التي ترفعها من حيث التشدد والعدوانية.
العنف والإرهاب أبرز التداعيات بحسب مراقبين ، وقد وجهت محكمة مكافحة الإرهاب في باريس السبت الماضي الاتهام لأربعة أشخاص من “مناصري اليمين المتطرف” بتشكيل “عصابة إجرامية” وحيازة أسلحة غير مرخصة والارتباط بمنظمة إرهابية، على خلفية تخطيطهم لاعتداء ضد الرئيس إيمانويل ماكرون خلال إحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى.
وبحسب المتابعين فإن كثير من التحليلات والمتابعات والأحاديث تشكك في مستقبل الديموقراطية في أمريكا اللاتينية، مع صعود الخطاب الشعبوي فيها ووصول اليمين المتطرف إلى السلطة في العديد من البلدان منها، وهو ما يجعل الديمقراطية على المحك: إما الانتصار للقيم والمبادئ التي رسختها على مدار العقود التي خلت وتقليص فاتورة وصول اليمين المتطرف فيها، أو دخول هذه التجربة في أزمة ربما يكون التعافي منها مستقبلاً صعباً.
الإسلام والعرب باتا مستهدفين تماما خاصة في أوروبا ، التي يقول أحد أحزابها اليمنية الصاعدة في ألمانيا ” البديل من أجل ألمانيا ” ، أن “الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا”، ويدعو إلى فرض حظر على بناء المساجد، فيما يناهض حزب “من أجل الحرية”، في هولندا الإسلام، ودعا صراحة إلى إغلاق كافة المدارس الإسلامية، فيما تشهد ايطاليا نزعة عنصرية شديدة، تجاه المسلمين واللاجئين، وتسود نزعة عنيفة ضد المسلمين في ظل مخاوف اليمين الأوروبي من تهديد هوية أوروبا من قبل اللاجئين، وفي فنلندا شكَّل متطرفون جماعة أطلقوا عليها “جنود أودين”، يجوبون الشوارع لحماية المواطنين الفنلنديين من خطر المهاجرين وما أسموهم “الغزاة المسلمين”.
وفي دراسة تحليلة حديثة فإن ما يواجهه المسلمون في أوروبا في المستقبل المنظور لا يتمثل في “ممارسات عنصرية لليمين المتطرف” قدر ما يتمثل في أخطار أخرى منها توجيه ضربات محتملة إلى مكامن قوة الوجود الإسلامي في الغرب، لا سيما في ميادين التنظيم والتواصل مع البلدان الإسلامية والميدان المالي، ونشر موجة جديدة من المخاوف من الوقوع في شبهة “الإرهاب” في أوساط المسلمين، وتوظيف “شبهة الإرهاب” في تعزيز التناقضات القائمة من الأصل بين تلك الحكومات لأسباب عديدة معروفة وسواد القائمين على العمل الإسلامي على مستوى الوافدين إلى الغرب خلال العقود الماضية.
وتوقعت دراسة صادرة عن المركز الديمقراطى العربى استمرار صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وكسبه أرضية قوية خلال الفترة المقبلة، مع تعزز تكتلاته في البرلمان الأوروبي لتمرير قوانين متشددة، ومقيدة للحريات في أوروبا .
ووفق صحيفة ديلي ميل فإن الأحداث تظهر توجها مقلقا لظهور وجهات النظر اليمينية المتطرفة، ويتوقع الكاتب أندريا أموني بحسب ما كتبه في موقع الجزيرة الإنجليزية أن هذا التوجه يعني انتهاء تعدد الثقافات، وهو ما يلقي بظلاله على العالم في ظل توقعات بمواجهة مفتوحة بين الجميع.
اضف تعليقا