العدسة – ياسين وجدي :

في ظل ظروف معقدة ، يتصدرها أزمة مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، أطلقت وزارة الخارجية الكويتية بالون اختبار مليء بالتفاءل في نجاح القمة الخليجية التي تنعقد في 9 ديسمبر المقبل في لم الشمل بحضور الجميع.

السؤال الذي يطرح نفسه بشدة : “هل يكفي التفاؤل في تحقيق النتائج في ظل الظروف الحالية التي تقف فيها منصة فضائية الجزيرة بالدوحة في مواجهة منصات كثيرة ، بالسعودية والموالين يتبادلون التراشق مع استمرار الذباب الالكتروني السعودي بالهجوم على سياسيات الدوحة في القضية؟!”.

“العدسة” يتوقف عند ما وراء التفاؤل الكويتي ويستشرف مآلات الواقع في ضوء الظروف الحالية في سياق هذا التقرير..

وعد “الجار الله” !

صاحب التفاؤل الجديد هو نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجارالله، وهو يعتبر الرجل الثاني في الوزارة ، وكانت تصريحاته واضحة ترتكز على رسالتين هما : حضور الجميع للقمة وأن يكون مستوى التمثيل في القمة عال ويليق بتجربة مجلس التعاون ويجسد حرص قادة دوله في الحفاظ على هذه التجربة الرائدة بحسب وصفه.

المسئول الكويتي رجح انهاء الأزمة الخليجية ، وكشف عن مسار ذلك بحسب توجيهات أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وهو أن “نضع الخلاف الخليجي في إطار وأن نسعى إلى أن نواصل آليات عملنا الخليجي” مشيرا إلى “أن اللجان الوزارية تجتمع في أكثر من مناسبة في دولة الكويت وبالتالي الحرص على استمرارية وإبقاء آلية مجلس التعاون موجودة وفعالة ومستمرة ومتواصلة”، مؤكدا أن هذه القمة “تمثل بارقة أمل في إعادة إحياء الجهود الهادفة لاحتواء الخلاف الخليجي الذي طال أمده”.

هذه المرة ، غاب الحديث الكويتي عن القائمة التي سلمتها السلطات الكويتية رسميا لقطر في يونيو 2017 ، والتي وصفتها وقتها بقائمة “تسليم قطر للسعودية والامارات”، وتحدثت عن 13 شرطا لاستعادة العلاقات المشتركة ، في انتصار واضح للارادة القطرية على فريق الحصار.

الذي يعزز هذا التفاؤل الاعلان الكويتي الذي اطلقه الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح خلال لقاء القمة الذي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض مؤخرا حيث أكد أنه بحث سبل التعاون مع واشنطن لحل الأزمة الخليجية، معربا عن تطلعه للتوصل لحلها، وهو ما قد يفسر تأجيل القمة الخليجية الأميركية إلى ديسمبر المقبل كذلك، بالتزامن مع تصريح أدلى به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان  عن قوة الاقتصاد القطري خلال مؤتمر للاستثمار عقد في 25 أكتوبرالماضي، فسر على أنه محاولة للتقارب مع الدوحة.

لماذا التفاؤل؟!

مؤشرات التفاؤل الكويتي فيما يبدو تأتي في سياق عملية اغتيال “خاشقجي” ، ووفق وكالة “رويترز”، تقاوم السعودية دعوات من الولايات المتحدة لإصلاح العلاقات مع قطر،  وانهاء حرب اليمن، حيث تريد الولايات المتحدة أن تستغل نقطة القوة تلك لإنهاء ما يحدث في اليمن وإعادة بناء موقف خليجي عربي موحد في مواجهة إيران .

هذا ما سجلته بوضوح هيذر ناورت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية بقولها : إن واشنطن تدعو إلى حل منذ بدء الأزمتين القطرية واليمنية ، فالوحدة في الخليج ضرورية لمصالحنا المشتركة المتمثلة في مواجهة النفوذ الخبيث لإيران ومكافحة الإرهاب وضمان مستقبل مزدهر لكل شركائنا في الخليج”.

وفي نهاية أبريل الماضي كانت أولى المؤشرات الأمريكية عندما طالبت أمريكا السعودية بإنهاء الحصار على قطر، وفق ما قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في سياق رصد زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، للسعودية في ذلك الوقت.

ويبدو أن العجلة الكويتية لا تتوقف لانجاز الأمر بصورة تحمل تفسيرات ايجابية ، وبحسب مصادر صحيفة “الرأي” الكويتية  فإن آمال نجاح القمة الخليجية في انهاء الحصار كبيرة، ومبرر ذلك أن “المنطقة على أعتاب تطورات تصعيدية في المجال الإقليمي تتطلب وحدة الصف والكلمة”، في ظل “مساعي قائمة على قدم وساق من أجل الوصول الى نقاط مشتركة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة الخليجية”

ولم تستبعد الجريدة الكويتية البارزة إمكانية عقد اجتماعات ولقاءات تمهيدية قبل القمة حتى ولو من دون إعلان تجمع بين مسؤولين رفيعي المستوى من مختلف دول الخليج لوضع مسودة اتفاق للمرحلة المقبلة قائمة على قاعدة المصارحة والمكاشفة بحسب وصفها ، وهو ما يعني أن الكواليس ستحكم الفترة المقبلة التحضيرات للقمة وهي من ستحدد النجاح من عدمه وفق مراقبين.

مؤشرات لا تكفي !

ولكن مراقبون دوليون  يرون أنه رغم هذه المؤشرات لم تطلق الرياض أو أيا من حلفائها اقتراحات جديدة ولا خطوات ملموسة لإنهاء الخلاف مع قطر،  خاصة أن طبيعية ولي العهد السعودي الشخصية ، تدفعه لاتخاذ أي خطوة قد تفسر على أنها ضعف لدى محاولته احتواء تداعيات دبلوماسية لمقتل خاشقجي.

وفي نفس السياق يقف الأكاديمي الإماراتي الموالي للنظام ، الدكتور عبد الخالق عبد الله الذي أكد مؤخرا استمرار ازمة قطر وأنها دخلت مرحلة الاستعصاء على الحل وأصبحت في دائرة اللاعودة في المقاطعة والقطيعة بحسب وصفه.

الأمر كذلك يتخطى دول الحصار ، فموقف قطر واضح في أنها تخطت عمليا الحصار ، وتذهب إلى اعادة صياغة المنطقة بطريقة ايجابية ، وبالتالي فهي لا تتسارع في تقديم أي تنازلات مع اعلان شكلي لانهاء الحصار ، وفق المراقبين .

وهو ما أشار إليه ضمنا في مقال له مؤخرا نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ، مؤكدا أن القضايا التي تواجه دول شبة الجزيرة العربية تتطالب منصة أوسع للحوار والتفاوض، واتفاقية إقليمية جديدة -غير مرتبطة بالخلاف الحالي- لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، في ظل الجمود الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي.

 

الأمر عززه خطاب أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني مطلع نوفمبر الجاري حيث أطلق انتقادا لاذعا لمجلس التعاون الخليجي ، مؤكدا أن استمرار الأزمة الخليجية يعكس فشل مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه وأن بلاده نجحت في تجاوز آثار الحصار الرباعي.

وفي السياق ذاته تبرز منصات سعودية رسمية تبنيا واضحا لخطاب الحصار واستمرار الأزمة، وهو ما ظهر في متابعات تحريضية ضد قطر وأميرها ، ومحاولات مستمرة في التشويه بحسب رصد لما نشرته صحيفة عكاظ في الأيام الماضية .

اصرار السعودية على التراشق ، يؤكد أنه رغم أن الوساطة الكويتية “ما زالت موجودة، غير أن فرص الحل أصبحت بعيدة ، كما أن العلاقة لن تعود إلى سابق عهدها مع هذه الدول، حال انتهت الأزمة؛ وهو ما برره مسئولون قطريون بأنه نتيجة للمواقف العدائية من دول الحصار وعدم وجود بوادر ايجابية للحل، عززها تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من أن مقاطعة قطر خيار لا مفر منه!!.