العدسة: محمد العربي

تعيش دول المغرب العربي الثلاث (تونس والمغرب والجزائر) موجات مختلفة من الاضطرابات السياسية والشعبية، ورغم أن لكل دولة ظروفها إلا أن توالي الغضب الشعبي والأزمات السياسية بالدول الثلاث، تؤكد أن قادم الأيام ربما لا تحمل هدوءً أو استقرارا.

وطبقا للمتابعين فإن الأزمة السياسية القديمة المتجددة بالجزائر، حول خلافة الرئيس العجوز عبد العزيز بوتفليقة، تشهد صراعا طاحنا بين الأجهزة الأمنية والتيارات العلمانية والاشتراكية، بعد أن أصبح التيار الإسلامي خارج المعادلة، سواء الإخوان المسلمين، أو حركة جبهة الانقاذ التي قلبت الطاولة السياسية قبل سنوات عديدة دخل بعدها الجزائر نفق العنف، ليخرج على تواؤم سياسي مازال الجميع يحاول المحافظة عليه.

وربما كان الوضع عند جارتي الجزائر مختلفا كما يرى المتابعون، فالمغرب يبدو فيه الصراع أقل حدة من جيرانه، في ظل المواءمات السياسية التي يحافظ على ثباتها الملك محمد الخامس، والذي يقدر جيدا خطورة انفلات الأوضاع السياسية والاقتصادية عن حدودها الآمنة، وهو ما يؤكده حرصه بشكل كبير في احترام التجربة الديقراطية التي تعيشها المغرب منذ الربيع العربي، ولكنه في النهاية يصدر الأزمات للحكومة الإسلامية التي اختارها الشعب، والتي ما أن تخرج من أزمة حتى تلاحقها أختها.

وتشير الأوضاع في تونس إلى أن اليأس لم يتغلب حتى الآن على محاولات الإجهاز على ثورة الياسمين، ولكن الوضع في في تونس يختلف عن جارتها المغرب، فالأزمة التي تم تصديرها قبل سنوات لحزب النهضة من أجل إفشال التحول الديمقراطي الذي أنتجته الثورة، أصبحت الآن في ملعب نداء تونس ورئيسه الباجي السبسي، والذي يبدو أن قدرتهم على المناورة أقل بكثير من خصومهم الإسلاميين، لتظل التجربة التونسية رغم اضطراباتها، متميزة وفريدة سواء في دائرة الربيع العربي أو فيما يخص التيارات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

تقلبات وعواصف

ورصد المتابعون لتطور الأحداث في تونس أن الإضطرابات التي شهدتها البلاد على فترات متقاربة، تؤكد أن الأزمة السياسية دخلت نفقا مظلما، ولم يعد باستطاعة أحد التكهن بمجريات الأحداث خلال الأشهر المقبلة وحتى الانتحابات التشريعية والرئاسية المقبلة في 2019، بعد أن وصلت القطيعة بين أكبر شخصيتين بالبلاد لمرحلة اللاعودة، وهما الرئيس التونسي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي

واعتبرت العديد من الكتابات التي تناولت العلاقة بين الشيخين، أن استقبال السبسي لرجل الأعمال المصري المعادي للتيارات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان نجيب ساويرس، في قصر قرطاج، كان رسالة للغنوشي بأنه تحالف حركته مع السبسي هو سبب بقاءها حتى الآن، وعدم وصولها لمصير الإخوان بمصر.

وقد اعتبر السبسي أن تحالف النهضة مع رجله السابق يوسف الشاهد، رئيس الحكومة المتمرد، وتحالفهما في عزل رئيس الدولة داخل القصر الرئاسي ونقل مركز القرار فعليا إلى مقر الحكومة، كما جرى في التشكيل الحكومي الأخير الذي أجراه الشاهد ورفضه السبسي

ويرى المتابعون أن ما دفع النهضة للتخلي عن السبسي هو تقدمها في الانتخابات البلدية الأخيرة، على نداء تونس الذي يتزعمه السبسي، ما يمنحها فرصة أفضل في الانتخابات التي تجري العام المقبل، وهو ما دفع التيارات اليسارية لتفعيل حربها ضد النهضة ورئيسها، من أجل فرملة أي عودة لهم مرة أخرى لصدارة المشهد السياسي.

وتشير التحليلات كذلك إلى أن الرئيس التونسي استغل عدم توصل الاتحاد العام التونسي للشغل لأية تفاهمات مع الحكومة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، فقام بدعمه من أجل تنفيذ دعوة الاتحاد للإضراب العام في المصالح الحكومية كوسيلة ضغط على الحكومة وحليفتها حركة النهضة، ورغم أن قيادات الاتحاد أعلنت عدم صحة هذه التحليلات، إلا أن ارتباط التصعيد مع تفاقم الأزمة السياسية بين السبسي من جهة والشاهد والغنوشي ممن جهة أخرى، يؤكد أن الأول يلعب بالنار مستغلا تردي الأوضاع الاقتصادية وفشل الحكومة في تقديم حلول تنهي هذه الأزمة.

من الرئيس القادم؟

وحول السؤال السابق تحدث العديد من المتابعين للشأن الجزائري، والذين باتوا على قناعة بأن أزمة اختيار رئيس الغرفة الأولى للبرلمان التي شهدتها الجزائر قبل شهر، لن تكون الأخيرة، وهي أزمة تعبر عن المعضلة السياسية التي تعيشها بلد المليون شهيد، والذي لا يعرف أهله حتى الآن من هو خليفة بوتفليقة الذي من المقرر أن تنتهي ولايته الحالية مطلع 2019.

وطبقا للمتابعين فإن النظام السياسي الحاكم في الجزائر يعيش أشد أوقاته حرجا وحيرة حيث يرى الكثيرين أنه لم يعد هناك أي مبرر لبقاء بوتفليقة في منصبه لولاية خامسة نظرا لظروفه الصحية التي لا تسمح له بإدارة دولة بحجم الجزائر ومكانتها الإقليمية والدولية، رغم مطالب أحزاب الموالاة و المنتفعين بترشيحه للانتخابات المقبلة.

ويتوقع أصحاب هذا الرأي أن تتكرر تجربة تونس في جارتها الجزائر، في ظل الحالة المتردية لبوتفليقة، وعدم مقدرته الفعلية على إدارة شئون الحكم، في تكرار واضح للحالة الصحية التي كان عليها الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، والذي كانت مفاجأته بثورة الياسمين لا تقل في قوتها عن مفاجأة الشعب التونسي بإعلانه التنحي.

وطبقا لهؤلاء المتابعين فإن غياب بوتفليقة عن إدارة شئون الدولة، أدى لصراع ساخن بين الأجهزة الأمنية التي تسيطر على المشهد، والتي كلما وجدت في إحدي الشخصيات القدرة على خلافة بوتفليقة، شنت عليه حربا شرسة، وأن حملتها لتطهير الجيش، لم يكن الهدف منها تطهيرا حقيقيا بسجن عدد من القيادات الكبرى، وإنما بإرسال رسالة لجميع الأطراف التي تفكر في خلافة الرئيس العجوز، بأن الأمور لن تمر إلا من تحت عباءة هذه الأجهزة.

ويرى المتابعون أن المشاكل التي تحيط بجيران الجزائر في ليبيا وتونس والمغرب، وكذلك موريتانيا ومالي والنيجر، يجعل الأمور أشد تعقيدا خوفا من أن تعود الجزائر لنفق العنف الذي خرجت منه بتكلفة باهظة قبل سنوات، ما يجعل الجميع معرض للخطر نتيجة تراكمات الأزمة السياسية وغياب المعارضة الجادة التي تستند لقواعد شعبية متينة وليس مصالح ضيقة، وهو ما ينطبق على الإسلاميين أو القوميين واليسارين أو الليبراليين، حيث لا يوجد من بين هذه التيارات من لديه القدرة على أن يحل مكان النظام الحالي.

وتشير تقارير صحفية إلى أن عودة الجيش للمشهد خلال الأشهر الماضية، وتزامنها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، ربما تحمل جديدا في المشهد، بأن يمارس الجيش ضغوطا على الرئيس من أجل الاكتفاء بالمدد السابقة، خاصة وأنه تجاوز الثمانين عاما ويعاني من مشاكل صحية بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2013، جعلته ملازما للكرسي المتحرك، ويأتي في مقدمة المطالبين للجيش لأن يقوم بهذا الدور جماعة الإخوان المسلمين، وحركة مواطنة ، بينما يعتبر حزب جبهة التحرير الحاكم أن مسألة مرشح الحزب عبدالعزيز بوتفليقة، خط أحمر لا يمكن تناولها أو التشاور بشأنها، لأنها خيار استراتيجي للحزب.

بينما دعت حركة مجتمع السلم لوفاق وطني من أجل التوصل لاتفاق بين السلطة والمعارضة على مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، من أجل انتقال سياسي واقتصادي آمن في البلاد.

المغرب المتقلب

ورغم أن المغرب هو الأقل من حيث سخونة الأحداث السياسية والاقتصادية إلا أن الاحتجاجات التي يشهدها البلد الهادئ من فترة لأخرى، تشير إلى أن السطح ليس هادئا بشكل تام، وأن ما تعيشه منطقة الشمال الإفريقي، يلقي هو الآخر بظلاله على شمال الأطلسي.

وطبقا للعديد من المحللين فإن الأزمة سياسية أكثر منها اقتصادية، نتيجة ضعف الحياة الحزبية التي لم تشهد اختبارا فعليا إلا في 2011، عندما سمح لها الملك بالمنافسة الانتخابية، ومنحها حق تشكيل الحكومة، بصلاحيات معقولة، إلا أن المواطن المغربي الذي لم يتفاعل حتى الآن مع الأحزاب القائمة ربما يكون له رأي مخالف، شرط ألا يكون ضد الملك صاحب الولاية العامة أو كما يطلقون عليه هناك أمير المؤمنين، الذي تجب طاعته، وهو ما يعول عليه الجميع هناك في ضبط الإيقاع حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.

ويرى المتابعون أن ارتفاع أعداد البطالة والتوزيع الغير عادل للثروات والتسريحات المتكررة للعمال وعدم احترام قانون الشغل، تؤكد أن الأزمة الاقتصادية واضحة وتبرهن على فشل الحكومة ونظامها الاقتصادي