العدسة – ياسين وجدي:
باسم المساواة ، أطلق الباجي قايد السبسي رئيس تونس النار على قوانين الميراث في الدين الإسلامي، فيما أطلق قرينه “عبد الفتاح السيسي” من عرش مصر المخطوف وفق خصومه ، النيران على السنة النبوية تحت لافتة تجديد الخطاب الديني.
تطرف علماني هنا وهناك ، ولكن بين “السبسي ” و”السيسي ” خيط رفيع يمسك بتلابيب هذه الموجة المتصاعدة وسط شكوك فيها بالتزامن مع أزمات إقليمية وعربية ودولية وتردي اقتصادي كبير في مصر وتونس على وجه الخصوص ، وهو ما يلقي بمزيد من علامات الاستفهام والتعجب وراء ذلك التطرف ، وهو ما نتوقف عنده .
تصفية حسابات !
سياسية تصفية الحسابات ، تحكم المشهدين المصري والتونسي بامتياز ، وتقف وراء التطرف الجاري وفق مراقبين.
في تونس تتصاعد أزمة سياسية أطاح فيها رئيس الوزراء يوسف الشاهد بمرشده الأسبق رئيس الجمهورية التونسي ، وأجرى تغييرات حكومية ذات دلالة وسط دعم من حزب حركة النهضة ذو التوجه الإسلامي الحضاري وتيارات سياسية متباينة داعمة ، جعلت تمرير قانون المساواة في الميراث ضربة لتحالف “الشاهد” الجديد ومحاولة لتوريطه في مزيد من الأزمات ، وإحراج حركة النهضة على وجه التحديد بحسب مراقبين ، بما يؤدي إلى الإطاحة بالشاهد في مرحلة مقبلة بعدما فشل فيها السبسي وأنصاره في ذلك.
وفي مصر ، لازالت عبارة “تعبتني يامولانا” التي أطلقها رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي في مواجهة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ، تحكم المشهد المتنافر بينهم منذ العام 2017 ، حيث تجري موجة جديدة من تصفية الحسابات بينهما في إطار محاولات السيسي الإطاحة بكل من شاركه في الانقلاب في العام 2013 ، وهو ما ظهر بحسب مراقبين في حفل الاحتفال بالمولد النبوي الأسبوع الماضي ، من تراشق ضمني بين السيسي ووزير أوقافه من جهة وبين شيخ الأزهر من جهة أخرى حول تجديد الخطاب الديني، وما تبعه من موجة هجوم حادة ضد الأزهر وعلمائه خاصة إمامه الأكبر ، تصدرتها منصات محسوبة على النظام بشكل واضح وصريح، في محاولة لإثنائه عن تصديه لمحاولات تبديد الخطاب الديني كما يسميها شيخ الأزهر في خطابه المتكرر في الفترة الماضية.
التغطية على أزمات!
ويرى بعض المتابعين أن القرار التونسي ، والهجوم المصري ، من أنظمة البلدين الحالية ، محاولة للتغطية على أزمات تتصاعد داخليا ، بغرض الإلهاء.
الأزمة الاقتصادية في تونس ، باتت شبح يخيف “السبسي” بجانب الأزمة السياسية ، واللاعب الرئيسي في مواجهتها ميدانيا ، هو اتحاد الشغل المحسوب على اليسار والداعم لقانون المساواة في الميراث ، ولذلك يرى كثيرون أن تمرير القانون المشبوه في تونس ، جاء هدية على طبق من ذهب لليسار ، في محاولة لكسب وده والتغطية على البعد الاقتصادي بالبعد الديني وإشعال معركة فكرية جديدة ، حذر منها أحزاب ونخب تونسية كثيرة في الفترات الماضية، خاصة مع اتجاه اتحاد الشغل إلى التصعيد بعد نجاح إضرابه الأول.
وتحولت الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها التونسيون إلى سلاح مشترك في المعركة التي اندلعت أخيراً بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، بحسب المراقبين، وهو ما عزز من تقدم “السبسي ” بقراره المشبوه في ظل صراع ميداني ظهر مبكرا ضد القانون الذي اعتبره رافضوه يهدد الدستور والتماسك المجتمعي والهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي.
ولم يكن “السيسي” أفضل حالا من “السبسي” ، فالأزمات تلاحقه من عدة جوانب، والتي دفعته على المستوي الاقتصادي إلى الإعلان عن عدم وجود منح للعمال كما هو معتاد سنويا ، وعدم وجود العلاوات الدورية للموظفين مطلع العام المقبل ، وذهب إلى أبعد من ذلك ، عندما طالب المصريين بالاختيار بين حل أزمة “البطاطس“ وتنمية الوطن ، وسط توقعات بتصاعد الأزمة الاقتصادية مطلع العام المقبل مع رفع دعم جديد عن الوقود وفق ما هو رائج عن الأوساط التنفيذية ، فضلا عن فشله في تمرير مضمون خطاب ديني جديد فسره كثيرون بأنه مناهض للدستور ، رغم إعلانه القيام بذلك منذ العام 2014.
حملة مبيتة !
“الحملة مبيتة “.. هكذا قال شيخ الأزهر د.أحمد الطيب في آخر تصريحاته الرسمية ، مؤكدا أن هناك محاولات مبيتة بليل للنيل من تراث المسلمين ، لم تعدم دعاوي زائفة للتدليس على شباب المسلمين، في إشارة غير مباشرة لأفكار اليمين الغربي -خاصة الأميركي- التي تدعو لتفريغ الإسلام من مضمونه السياسي، خصوصا ما يتعلق بنصوص الجهاد، وهي الأفكار التي تلقى رواجا إقليميا منذ سنوات وخُصصت لها مراكز أبحاث برعاية ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الداعم الرئيسي للسيسي، وهو ما استجاب له أيضا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وخلال احتفالات المولد النبوي الشريف الاثنين بمصر ، هاجم شيخ الأزهر ما وصفها بـ”الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها”، كما هاجم الدعوات “المطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب”، أتبعه بمقال نشر الخميس 22 نوفمبر في صحيفة “صوت الأزهر”، وجريدة “الأهرام” الحكومية تحت عنوان “نعم للتجديد لا للتبديد“، حذر من “الصراع” ونفي الآخر، واحتكار الحقيقة .
هذه الحملة ، ظاهرة في تونس بشكل لافت ، ووصل المد العلماني المتطرف ، إلى اعلان المفكر التونسي العلماني يوسف الصدّيق أهمية التوقف عن تعليم الدين الإسلامي للأطفال، كما انتقد الخلفاء الراشدين، كما توقع حدوث “حرب أهلية” في تونس قد تتسبّب بها الأحزاب الدينية بحسب مزاعمه ، وهو ما يروج له العلمانيون بكثافة في محاولة لتمرير مشاريعهم المتعارضة مع الدين الاسلامي والدستور التونسي.
في المقابل ، تقف رابطات قرآنية وجمعيات دينية وعلماء زيتونيين، في مواجهة تلك الحملة ، متهمة أعضاءها بالتعدي على المقدسات الدينية والقرآن وتقويض ركائز المجتمع، وأعلنت مبكرا “التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة” في بيان، عن رفضها القاطع لما تردد عن قانون الحريات الفردية ومن ضمنه “مواد الميراث” متهمة إياه بالتعدي على المقدسات الدينية للشعب التونسي وتهديد السلم الاجتماعي، وتغذية الإرهاب، كما وصفته “الجمعية التونسية للعلوم الشرعية” بأنه يمسّ الضوابط الشرعية، ويتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ سواء في ما له علاقة بمسألة المواريث أو العدّة أو الحضانة أو الولاية أو المهر أو تجريم الزنا أو المساحقة أو اللواط أو النسب، وسائر الأحكام الشرعية قطعيّة الدلالة.
سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة كان كشف عن هذا المخطط في وقت سابق عن أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة.
“بن سلمان” مستفيد !
يستفيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من تصعيد أزمات دينية جدلية في المنطقة رغم أنها قد تكون محسومة وفق مباديء الدساتير التي تنص على تقديم الشريعة الإسلامية في التشريع ، في محاولة كي تحل محل لعنة دماء الكاتب السعودي جمال خاشقجي .
ووفق مراقبين فقد باتت دماء “خاشقجي” تطارد” بن سلمان ” بشكل كبير، ما يعني أن صعود مثل هذه الأزمات في هذا التوقيت يعد خدمة مجانية لجذب الأنظار بعيدا عن القضية الأبرز التي تهدد عرش ولي العهد السعودي.
وفي هذا الإطار تقول صحيفة صنداي تايمز البريطانية :”إن ولي العهد السعودي لازال يواجه مهمة شاقة في مؤتمر قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين، أثناء محاولته إعادة الاعتبار لنفسه في خضم الغضب الدولي على اغتيال “خاشقجي” وتقطيع أوصاله”.
اضف تعليقا