العدسة: محمد العربي

فجرت الأنباء عن تدهور الحالة الصحية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي، الجدل مرة أخرى عن خليفة المرشد الثاني للثورة الإيرانية التي انطلقت عام 1979، وهل تشير تزايد الوعكات الصحية لخامنئي الذي يبلغ من العمر 78 عاما ويعاني من سرطان البروستاتا، في أن أجل الرجل قد اقترب من الدنو، ليقترب معه أهم اختبار للنظام الإيراني، الذي يواجه مشاكل سياسية وعسكرية واقتصادية في أكثر من مكان.

ولا يمثل خامنئي فقط المرجعية الأكبر للنظام الإيراني، ولكنه يمثل كذلك نهاية الجيل الرائد الذي مهد وقاد الثورة الإيرانية واستطاع أن يكون الأفضل في خلافة الإمام الخميني مفجر الثورة وقائدها، وهو ما جعل كل من يأتي بعده متساوون في الفرص، خاصة بعد رحيل المرشح الأكبر لخلافة خامنئي، الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني قبل ثلاثة أعوام.

ليست الأولى:

وتشير المتابعات للحالة الصحية لخامنئي أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض لأزمة صحية تثير التكهنات والتخوفات من رحيله، حيث سبق وأن تعرض لأزمة عام 2014، ثم أزمة أخرى عان 2015، وثالثة في عام 2017، والتي بسببها أغلقت السلطات الإيرانية صحيفة قانون التابعة لها، بعد نشرها خبرا يشير لوفاة خامنئي، وتأتي المرة الرابعة يوم الأحد الماضي بعد تداول نشطاء صورا لخامنئي وهو على فراش المرض نتيجة وعكة صحية مرتبطة بمرض سرطان البروستاتا، الذي سبق وأن خضع بسببه لجراحة خطيرة.

ووفقا للمتابعات نفسها فإنه في كل مرة تنتشر أخبار تردي الحالة الصحية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، تخرج على سطح الأحداث تكهنات حول خليفته، في ظل حالة من الضبابية تحيط بهذا الملف الشائك.

رد فعل رسمي:

ويرى متابعون أن السلطات الإيرانية ردت على الأخبار الأخيرة المتعلقة بحالة خامنئي، بتصعيد خطابها ضد دعوات خاصة بمنعها من تصدير نفطها، تطبيقا لقرار المقاطعة الاقتصادية التي تفرضه الولايات المتحدة من جانب، ومن جانب آخر قيامها بتجربة صاروخ بالستي قصير المدى، ما أحدث ردود أفعال دولية.

ووفقا للمتابعين فإن تحذير الرئيس الإيراني، حسن روحاني بأنه حال تم منع بلاده من تصدير نفطها فإن هذا يعني منع دول المنطقة من ذلك، يعني أنه يوجه رسالة تحذير بأنه سيمنع كذلك تصدير نفط في دول الخليج الذي يمر عبر مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران.

وقد وجه الرئيس الإيراني خلال كلمته ألقاها الثلاثاء بمدينة “شاهرود”، رسالة لأمريكا مؤكدا أنه يجب عليها أن تعلم أنها إذا أرادت أن تقف حائلا دون بيع النفط الإيراني فإن ذلك يعني أنها ستمنع بيع نفط المنطقة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة عاجزة عن قطع علاقات إيران التجارية مع المنطقة والعالم، مؤكدا أن طهران ستحافظ على علاقاتها مع كل الدول، وستعمل على تنميتها وتطويرها.

وفي نفس الإطار قامت وزارة الدفاع الإيرانية بالتزامن مع انتشار خبر الحالة الصحية لخامنئي، بالإعلان عن إطلاق مدمرة محلية الصنع أطلقت عليها لقب “شبح”، وفي اليوم التالي لهذا الإعلام قامت بتجربة صاروخ بالستي بمدى قصير محلي الصنع، ووفقا لتصريحات نقلتها وكالة فاس الإيرانية عن قائد الجيوش فإن تجربة الصاروخ كانت بتعليمات مباشرة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، ردا على التحذيرات الأمريكية التي اتهمت إيران بإشعال المنطقة، ما دفع بكل من فرنسا وانجلترا بالدعوة لعقد جلسة سرية لمجلس الأمن لمناقشة هذه التطورات.

ويلفت المتخصصون إلى أنه يجب قراءة تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي حول أزمة الصواريخ، بأنها من باب الدعاية السياسية ضد الولايات المتحدة، وإنما يجب وضع توقيتها الزمني، والظروف المحيطة بها في الاعتبار كذلك.

وكان قاسمي أكد في مؤتمر صحفي الاثنين بأن قضية البرنامج الصاروخي الإيراني واضحة جدا وهي جزء من سياستها الدفاعية الردعية ولا يحق لأحد التدخل في هذا الشأن، منتقدا تهديدات برايان هوك رئيس مجموعة العمل حول إيران، مشيرا إلى انها عبارة عن ترهات لا تستحق الرد لأنها بلا أساس  ومخالفة للمنطق والاستدلال، واتهامه للولايات المتحدة بأنها تقوم بتصدير الأسلحة الفتاكة لدول المنطقة وتساعد في إثارة الأزمات في العالم ولا يحق لها أن تملي توصياتها، خاصة وأن الحديث الأمريكي عن الخيارات العسكرية ضد إيران انتهت فترة صلاحيته وأن أمريكا كررته مرارا خلال العقود الماضية فهو غير مجد وغير عملي.

صراع العمائم

وتشير دراسات متعددة أنه منذ رحيل رفسنجاني عام 2015، وهناك صراعا ساخنا بين آيات الله لخلافة المرشد الأعلى، وأن هذا الصراع يتدخل فيه العديد من الجهات والهيئات، وخاصة الحرس الثوري الذي سوف يحدد بشكل كبير الاسم المرتقب لخلافة خامنئي، إن لم يكن قد استقر عليه بالفعل.

وتشير دراسات ذاتها أن فكرة اختيار الخليفة من أصحاب الاتجاه المتشدد تقف وراءها الهيئات التابعة لخامنئي، سواء الحرس الثوري أو مجلس تشخيص مصلحة النظام، أو مجلس الخبراء، وكذلك المجمع العلمي في حوزة قم، باعتبار أن أي قادم من هذا الاتجاه لن يمثل أزمة لسيطرة هذه الجهات على مقاليد الحكم.

كلمة السر:

ووفقا للمتابعين فإن الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الحرس الثوري، جعلته كلمة السر في اختيار المرشد الكبير، في ظل أن سيطرة الحرس الثوري ليس فقط مرتبط بالناحية الأمنية أو حماية الثورة من أعداء الخارج، وإنما أيضا حماية الثورة من أعداء الداخل، وهو ما جعل الحرس الثوري القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بل وكذلك الدبلوماسية، الأكبر في إيران.

وتعد العلاقة المباشرة بين الحرس الثوري والقائد الأعلى للثورة نموذجاً لا نظير له بين القوات المسلحة المختلفة، سواءٌ كانت من باقي قوات الجيش، أو المخابرات، أو قوات الأمن الإيرانية.

وتشير دراسات مختلفة أن سيطرة الحرس الثوري على مفاصل الاقتصاد الإيراني الرسمي، مع صعوبة الرقابة عليه ومحاسبته، مثَّل قوة دفع قوية لانتشار الفساد بين عناصره، خاصةً أنه انتقل من مجرد كونه قوة عسكرية تحمي الثورة ومبادءها إلى إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي واسع النطاق.

ويتقاسم الحرس الثوري السيطرة الاقتصادية مع عدد من المؤسسات التي يديرها رجال الدين، وفي مقدمتهم خامنئي نفسه الذي يشرف على مؤسسة خيرىة أخرى تعرف باسم هيئة تنفيذ أوامر الإمام “ستاد”، وهي مؤسسة بدأت كهيئة لإدارة العقارات والأصول التي تركها ساكنوها في أعقاب الثورة الإسلامية، وتحولت لاحقا إلى إمبراطورية اقتصادية شديدة الضخامة يديرها خامنئي نفسه مع محفظة أصول قدّرتها  وكالة رويترز بـ 95 مليار دولار.

ويرى خبراء أن خامنئي أسس سيطرته غير التقليدية على أصول السيطرة المغرقة في التقليدية، من خلال صناعة تحالف قوامه المال والسلاح، مع غطاء أيديولوجي محكم وفرته مبادئ الثورة الإسلامية والمكانة الرمزية للمرشد العام والحرس الثوري. مما مثل تحالفا يدرك معارضوه حتمية تفكيكه أولا من أجل ضمان منافسة عادلة حول معركة الخلافة، وهو ما فشل رفسنجاني في تحقيقه قبل وفاته، ويسعى وريثه حسن روحاني اليوم لفعله.

من القادم

وتكاد معظم الكتابات التي تناولت موضوع خليفة خامنئي أن الأسماء المرشحة تنحصر بين عدة أشخاص، وقد أشارت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، مع بداية مرض خامنئي عام 2017 أن هذا الأمر لا يمثل جديدا حيث يعاني الرجل من سرطان البروستاتا المتنشر في جسده بعد أن دخل مرحلته الأخيرة، ولكن الجديد طبقا للصحيفة الفرنسية فيمن يخلف الرجل.

وطبقا لـ “لو فيغارو” فإن فرص كل من صباح يزدي وصادق لاريجاني هي الأكثر؛ لكونهما يحظيان بعلاقات واسعة وقبول جيد من قيادات الحرس الثوري ، بالإضافة للفقيهان محمد تقي مصباح اليزدي وأحمد جنتي المحسوبان على التيار المحافظ، ويمثلان بعبعا للإصلاحيين، بالإضافة لمجتبي خامنئي نجل المرشد المريض.