العدسة – ياسين وجدي:

مؤامرة تدبر بليل ، تظهر مؤشرات الغدر فيها يوما بعد يوم لتأكد المخاطر التي تستهدف الشعب الفلسطيني في الشتات ، وبخاصة المخيمات الفلسطينية في لبنان التي يبدو أنها ستكون حديث العام المقبل في ظل السعي الحثيث لتهجير الفلسطينيين بشكل مشبوه ومريب.

“العدسة” يرصد في هذا التقرير ، مستقبل العلم الفلسطيني على الأراضي اللبنانية في ظل الأوضاع الراهنة التي تشكل صفقة القرن الأمريكية أكبر معالمها في ظل تطبيع علني مع الاحتلال الصهيوني ومحاولات مستمرة لتجريم المقاومة وحصار الشعب الفلسطيني.

معاناة لا تتوقف !

باتت المعاناة شعار المرحلة الفلسطينية في لبنان رغم أنه وفق إحصاء وكالة الغوث الدولية (الأونروا) فإنه لدى لبنان 10 مخيمات أبرزها عين الحلوة ونهر البارد وشاتيلا المية ومية ، يقطنها حوالي 11% من مجموع سكان البلاد، فيما بلغوا مؤخرا بحسب إحصائيات رسمية  12 مخيما و156 تجمعا سكانيا .

هذه الأرقام كانت صادمة للبعض بحسب المراقبين بسبب المبالغات السابقة في هذا المجال، حيث ردت على من يحاولون التهويل لزيادة معاناة الفلسطينيين هنالك، تحت زعم أن الفلسطينيين في لبنان يشكلون عبئا أمنيا وديموجرافيا واقتصاديا، رغم أنهم يشكلون جالية صغيرة فضلا عن أن ما يقارب ملياري دولار يقوم الفلسطينيون العاملون في الخارج بتحويلها سنويا لعائلاتهم في لبنان مما يساهم في تعزيز الاقتصاد اللبناني، وهو ما دفع مراقبون إلى المطالبة بتخصيص وزارة لبنانية خاصة تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين.

ورغم ذلك فإن منع الفلسطينيين من العمل في أكثر من 77 مهنة مستمر في لبنان وأيضا منعهم من التملك مع  فتح أبواب الهجرة لهم إلى السويد وألمانيا والدانمارك خصوصا، بجانب شح المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية وغياب الخدمات الإنسانية والاجتماعية، وتعرض بعضهم لحملات عنصرية وتحريضية وفق تقارير غربية ، بجانب غياب فرص الشباب في العمل ، فحتى من يحصلون على شهادات جامعية لا يعملون إلاّ بالكاد وفي غير اختصاصاتهم غالباً، وهو ما يدفعهم إلى محاولة الهرب من لبنان عبر مراكب الموت، وهو ما كان مصير بعض العائلات.

مغادرة كبيرة وممنهجة خلال 3 سنوات ماضية ، عززت المخاوف فلسطينياً من محاولات إفراغ المخيمات من لاجئيها، ويكشف في هذا الإطار عضو قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤولها في صيدا فؤاد عثمان عن أن ما يتجاوز 13 ألف فلسطيني غادروا مخيمات لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، منهم حوالى 4 آلاف خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، بالتزامن مع “صفقة القرن” التي تنطلق في مضمونها من مبدأ إلغاء قضية اللاجئين وشطب حق العودة، وهو ما أكد لنا أن هذا مشروع سياسي يهدف لإفراغ المخيمات .

يزيد من تلك المعاناة الاشتباكات التي جرت في صيف وخريف العام الجاري ، في مخيم المية ومية ، بين “الأمن الوطني الفلسطيني” التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، وبين جماعة “أنصار الله” التي يتزعمها جمال سليمان، وفي مخيم عين الحلوة ، بين حركة فتح ومجموعة بلال بدر، وفي مخيم الرشيدية على  قضايا تهريب المخدرات، لكنها ربطت جميعا باستهداف الوجود الفلسطيني في لبنان خاصة مع تكرار التهجير في كل وقعة .

مؤامرة تتزايد !

وفي ظل المعاناة التي تبدو ممنهجة ، هناك أبعاد سياسية عربية ودولية ولبنانية محلية تعزز من استهداف اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان ، ومن أبرزها بحسب دراسة حديثة لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات المعني بالشأن الفلسطيني ، عمق التعاون الأمريكي الصهيوني بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، الذي دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرارات خالفت التفاهمات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، باعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ثم وقف الدعم عن وكالة الأونروا، المسؤولة عن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وإزالة المخيمات، بهدف إسقاط حق العودة، مع ظهور صفقة القرن ، وتسريع عملية التطبيع بين الدول العربية ودولة الاحتلال.

المؤامرة لها أبعاد لبنانية محلية بحسب الدراسة ، أبرزها القبول الرسمي بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى المخيمات، وهي من الأسلحة النوعية التي استخدمت في معركة المية ومية، بجانب قيام جنرالات أمريكيين بثلاث جولات خلال عام واحد في أعالي مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وسط حديث عن سعي أمريكي لإزالة هذين المخيمين كمقدمة لإزالة باقي المخيمات، مع ارتفاع موجات الهجرة الجماعية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عبر قنوات ترحيل منظمة، بالتزامن مع إعلان رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس أكثر من مرة استعداد السلطة لتسليم سلاح المخيمات، بجانب إجراءات أمنية مشددة قامت بها السلطات اللبنانية تجاه المخيمات، يصعدها وصول معلومات لأكثر من طرف فلسطيني عن رغبة الدولة اللبنانية، خلال أشهر قليلة، نشر وحدات من الجيش اللبناني في كل أحياء المخيمات.

مصير مقلق !

متابعون للشأن الفلسطيني في لبنان ، يرون أن سنة 2019 سنة مهمة في مستقبل قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في ظل توقعات باستمرار الاشتباكات الممنهجة لدفع الفلسطنيين إلى الهجرة القسرية ، خاصة في مخيمات عين الحلوة والمية ومية والرشيدية والبداوي، تحت عناوين “مكافحة الإرهاب”، أو “التطرف”، فضلا عن استمرار تسهيل الهجرة خارج لبنان مجاناً أو بتكاليف مادية، وسط حديث خافت عن احتمالات بإصدار لبنان قوانين تحت ضغوط لتوطين المتبقي خاصة أن  هذا الأسلوب استخدم بعد مؤتمر مدريد سنة 1991 مع بعض الشرائح، لكن يبقى سيناريو التهجير تحت واقع الاشتباكات مرجحا بحسب مراقبين.

 

 

 

 

ولكن يرى محللون كذلك أن مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرتبط بشكل أساسي بمصير قضية الصراع العربي- الصهيوني ، وبدور النخب السياسية اللبنانية واستعدادها لاحترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين المقيمين داخل أراضيها، وعدم استغلال مخيماتهم في تصفية الحسابات اللبنانية الداخلية، والإقليمية مع ايمان النخب السياسية اللبنانية بأن وجود اللاجئين الفلسطينيين يشكل عنصر قوة في معادلة الأمن الوطني اللبناني، وعمل القوى الفلسطينية في لبنان مجتمعة من أجل منع الاقتتال بين الفلسطينيين أو بين الفلسطينيين واللبنانيين ، وهو الدور المطلوب كذلك من الجهات اللبنانية الرسمية والحزبية لتجنب التوترات الأمنية .

دراسة مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ذهبت في قراءتها للمستقبل إلى ضرورة  توحيد الموقف الفلسطيني لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان، وتوفير الأمن والاستقرار، وحماية حق العودة، ورفض التوطين والتهجير، وإجراء حوار لبناني فلسطيني عاجل، يهدف إلى الاتفاق على الرؤية السياسية للعلاقة المشتركة، ومنع استخدام العنف بأي شكل، والاتفاق مع الدولة اللبنانية على حق عودة اللاجئين، ورفض عمليات التوطين والتهجير مع إقرار تفاهم لبناني فلسطيني حول الحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين، والضغط على الأونروا والمجتمع الدولي للقيام بواجبهم تجاه مجتمع اللاجئين، وإزالة الإجراءات الأمنية حول المخيمات وبدء المعالجة الاجتماعية، وتشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة لحفظ الأمن داخل المخيمات، ولكن يبدو أن الواقع قد يفوق الدراسات والتخوفات ، وهو ما يترقبه الجميع في لبنان في ظل غياب الحكومة اللبنانية عن الوجود.