العدسة – ياسين وجدي:

أرادتها الكويت قمة للمصالحة .. ومكرت الرياض بليل حتى تخرج كدرع جديد يحمي ولي عهدها محمد بن سلمان من الدماء ، فغابت قطر عن الفخ ، وأسقطت ورقة التوت عن مجلس بات كجثة هامدة وفق مراقبين .

قمة لم تستغرق وقتا طويلا ، فجاءت وذهبت كأنها لم تنعقد ، فقد كان الهدف هو إثبات البقاء لشخص بعينه ، ولكن ذهبت النتائج لتكشف وجود “جثة هامدة” لا ينفع معها غرف الإنعاش أو حتى استغلالها كبوق خصوصي للبعض.

إنها القمة “39” لمجلس التعاون الخليجي، والتي أكدت مجددا من الرياض أن المجلس على شفا جرف هار ، أو بالأحرى أن وجوده بات كعدمه ، وأن الفترة المقبلة قد تشهد إسدال الستار عليه ما لم يحدث تغييرا جذريا ، وهو ما نرصده ونتوقف عند مؤشراته التي تسيطر على المشهد الخليجي برمته.

قمة ملاكي !

أعلنت الكويت بتفاؤل مبالغ أن الحصار على قطر قد ينتهي في ديسمبر ، ولكن سقطت مؤشراتها بجدارة بعدما استمرت أجواء التحريض ضد الدوحة ، بالتزامن مع  غياب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد ورئيس سلطنة عمان قابوس بن سعيد  للقمة، لتنتهي بتأكيد وزير خارجية السعودية عادل الجبير تمسكه وحلفائه بالحصار في ضربة واضحة لمساعي الكويت المستمرة.

ما جرى في قمة 2018 ، يعزز الحقيقة الواضحة بحسب المراقبين ، لشكل المجلس الذي ظهر بوضوح في قمة الكويت التي عقدت في ديسمبر 2017، وكانت الأولى في ظل الأزمة الخليجية، حيث شكلت كذلك غياب للمجلس ، وذلك بعد أن حضر أميري الكويت وقطر، وسط تمثيل منخفض من باقي الدول، مع استمرار الأزمة وتوابع الحصار.

وكانت المؤشرات كافية بشكل دفع وزير الخارجية السعودي إلى اظهار الخوف على تجميد المجلس للعلن ، حيث أكد في تصريحاته عقب قمة الرياض ، أن “أعضاء المجلس حريصون جدا على أن لا يكون لأزمة قطر أي تأثير سلبي على مجلس التعاون الخليجي”.

ولكن عمليا حولت السعودية المجلس إلى بوق لها وتجاهلت حصار قطر لتأكيد محاولات إنقاذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من ملاحقات عديدة ، وخرج البيان الختامي للمجلس مساء الأحد، يؤكد رفضه ما أسماه أي “استغلال” لقضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، للمساس بسيادة المملكة العربية السعودية، ودعمه وتأييده للمملكة فيما اتخذته من إجراءات تجاه التعامل مع ملف قضية مقتل خاشقجي، وما قامت به من جهود بهذا الشأن، وحرصها على تلقي كافة المعلومات للوصول إلى حقيقة ما حدث، وهو ما يبدو أنه كان فخا دبلوماسيا وإعلاميا نجا منه خاصة أمير قطر.

 

الأمر استدعى رد قطرى ، تصدى له  مسؤول في وزارة الخارجية، الذي انتقد البيان الختامي للقمة ، بسبب عدم مناقشة المجتمعين، لحيثيات الأزمة الخليجية وسبل معالجتها، حيث كتب مدير المكتب الإعلامي في الخارجية القطرية أحمد الرميحي في “تويتر”: “ما سبب عدم مناقشة القمة للأزمة الخليجية؟ وما هذا البيان الختامي الذي لم يناقش حصار قطر وسبل معالجته”؟ على من تضحكون كفاكم هذا التسطيح  والقفز على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها هذا المجلس”.

هذا المشهد المتنافر ، أعطى الفرصة لإيران لإطلاق رصاصة الرحمة على المجلس الخليجي ،  حيث اعتبر المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة على تويتر، أن مجلس التعاون الخليجي “لم يبق منه لا مجلس ولا تعاون”

وكتب عبد اللهيان: “البحرين غارقة في أزمة غير شرعية.. والسعودية في أزمة خاشقجي، الرياض وأبوظبي في أزمة الهزيمة في اليمن.. لامتلاك منطقة قوية وآمنة، يجب أن يكون هناك تعاون بناء من قبل السعودية والإمارات، وإيجاد ترتيبات جديدة إقليمية بمشاركة إيران والعراق”.

ولكن في المشهد بقايا أمل يتمسك بها وحيدا ، فيما يبدو في الصورة الخليجية ، أمير الكويت صباح الأحمد، حيث أكد في كلمته بالقمة ، حرص بلاده على دعم المجلس وسعيه المتواصل إلى الحفاظ علیه، ودعا لوقف الحملات الإعلامية ” تجنباً لمصیر مجھول لمستقبل العمل الخلیجي”، وكان واضحا للغاية ويقرأ مستقبل تجميد المجلس الخليجي ، حيث أقر في كلمته بأن “الحملات الإعلامیة بلغت حدوداً مست القيم والمبادئ وزرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف الأبناء وستدمر كل بناء أقمناه وكل صرح شیدناه” في إشارة إلى مجلس التعاون الخليجي.

 كيانات موازية !

أبرز المؤشرات على غياب مجلس التعاون الخليجي ، ظهور كيانات موازية وربط مراقبون بين نية القضاء على المجلس الخليجي ، وبين ظهور مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي، بعد سنوات من العمل الثنائي السرّي بعيدًا عن مجلس التعاون الخليجي، والذي أضرت سياقاته ونتائجه بدول أخرى في مجلس التعاون وفي مقدمتهم الكويت وقطر.

كريستيان كوتس أرليتشسين، الخبير في معهد بيكر، رصد مبكرا أن المجلس السعودي الإماراتي الجديد، يدقّ ناقوس الموت لمجلس التعاون الخليجي، مؤكدًا أن هذا المجلس الثنائي بمنزلة نهاية أي آمال معلقة على بقاء مجلس التعاون الخليجي، مبينًا أن المجلس ومع كل أزمة تحصل بين أعضائه يغيب تمامًا، ولا يكون له أي فعل يذكر.

الباحث الأمريكي الشهير سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن، أكد في مقال نشره بموقع المعهد أن ذلك المجلس “قد يكون بمثابة المسمار الأخير في نعش “مجلس التعاون الخليجي” الذي تأسس كآلية لحماية دول الخليج العربي .

ينضم للمجلس السعودي الإماراتي ، تشكيل “حلف ناتو عربي” بدعم الولايات المتحدة والذي جرت مناقشات واسعة حول في حوار المنامة مؤخرا، بمشاركة قطرية ، بالتزامن مع تأكيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بأن التنسيق العسكري مع قطر مستمر، برغم الخلاف السياسي بين البلدين.

الحلف يجرى تشكيله على قدم وساق ، وأكد ذلك مسؤولون أمريكيون وعرب ، مشيرين إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمضي قدما خفية في مساع لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج العربية ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، وفقا لـرويترز.

ويراهن البعض على تذويب الحلف للخلافات بين قطر ومجموعة دول الحصار ، ما يجعل مجلس التعاون الخليجي مجمدا لفترة ما ، وهو الرأي الذي يذهب إليه المحلل السياسي ديفيد ديس روشز، من مركز جنوب شرق آسيا للدراسات الاستراتيجية، حيث يرى أن المجلس الخليجي لم يمت بشكل نهائي، حيث أن الأجهزة البيروقراطية لا تختفي كليًا، ولكن تمر بحالة سُبات، إلا أنه يمكنه العودة مرة أخرى بشرط منع تدحرج الأزمة حتى لا تدخل مرحلة أسوأ من مرحلتها الحالية.

توابع رسالة “أوبك” !

وفي إطار المشهد الخليجي المتأزم الذي يهدد مجلس التعاون ، إعلان قطر انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، وهو ما صنفه البعض بأنه مقدمة لانسحاب آخر.

ووفق موقع بلومبيرغ الأميركي فإن المؤاشرات التي تجمعت لديه لا تستبعد انسحاب قطر أيضا من مجلس التعاون الخليجي، موضحا أن “المبررات التي قدمتها قطر لانسحابها من منظمة أوبك بعد عضوية دامت 57 سنة، يمكن بسهولة -بل وبشكل أكثر إقناعا- أن تستخدم لتبرير الخروج من مجلس التعاون الخليجي.

وأضاف الموقع أن رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قال في تغريدة إن منظمة أوبك تُستخدم فقط لأغراض تهدف إلى الإضرار بمصالح بلاده، واعتبر الكاتب أن هذا يطبق بشكل مضاعف داخل مجلس التعاون الخليجي، حيث تعد السعودية والإمارات المحركين الرئيسيين لحصار قطر”، فيما رأى أن قطر ليس لديها ما تكسبه من بقائها في المجلس.

وفي هذا الإطار أيضا ، وبحسب صحيفة الراي الكويتية، تقول مصادرها :” إن نقاشا يدور في قطر حول البقاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي أو الخروج منها، ولم يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن وما زالت الفكرة مطروحة للبحث”، مضيفة أن “الأشقاء في قطر يبدون في كل فترة حرصهم على بقاء منظومة التعاون خدمة لشعوب المنطقة، لكنهم يتساءلون دائما عن الآلية التي تجعل هذه الشعوب بمنأى عن الخلافات السياسية، ويعتبرون هذا الأمر أساسا قويا لبقاء المجلس واستمراره على قواعد مؤسساتية”.

 

 

 

.