العدسة: محمد العربي

تعد احتجاجات الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أيام، واحدة من أكثر الاحتجاجات المقلقة، خاصة وأنها خرجت عن نطاق الحرم المقدسي إلى المدينة التي يحكمها الاحتلال بالحديد والنار، كما أنها تزامنت مع احتجاجات أخرى ولكنها هذه المرة لأصحاب السترات الصفراء الإسرائيليين الرافضين للسياسات الاقتصادية الحكومية، ما وضع نتنياهو في النهائية بين فكي المقاومة من جانب، ومتظاهروا كيانه من جانب آخر.

وما يؤكد أن احتجاجات فلسطيني الضفة مغايرة هذه المرة، أنها كسرت حاجز الخوف والإرهاب التي يصدرها الجانب الإسرائيلي طوال السنوات الماضية، والذي مارس كل صنوف الإرهاب ضد مقاومي الضفة لكسر شوكتهم وشل حركتهم، ليعيشوا مثل إخوانهم في قطاع غزة، حصار ولكنه من نوع مختلف.

أما الجانب الآخر لقوة هذه الاحتجاجات فلأنها كسرت حاجز آخر وهو حاجز العمالة الذي تمارسه السلطة الفلسطينية، وجهازها الأمني ضد أبناء الضفة والقدس الشريف في إطار التعاون الأمني المشترك بين السلطة وجيش الاحتلال.

هي الأخطر:

ويشير العديد من المراقبين إلى أن تصعيد الفلسطينيين ضد الاحتلال في الضفة الغربية القدس الشريف، يمثل الأكثر خطورة على أمن إسرائيل، لأن الاحتجاجات هذه المرة في قلب الديار، حتى ولو كان هنال جدار الفصل العنصري، إلا أن احتكاكات الحياة اليومية، تجعل الإسرائيليين أكثر عرضة للخطر.

وفي نفس السياق فإن كسر حاجز الخوف لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، يبعث برسالة للكيان الإسرائيلي بأن خططه بالقضاء على روح المقاومة لدى أبناء الضفة، سواء بالإرهاب أو الاعتقال والسجن أو إجراءات الاحتلال الأخرى، قد تأكد فشلها وأن روح المقاومة مستمرة من جيل إلي جيل.

وحسب مقال للباحث في الشأن الفلسيطيني معاذ العامودي، فإن كل من حماس والاحتلال الإسرائيلي يعلمان أن الضفة الغربية هي أخطر الجبهات الثلاث -غزة جنوباً ولبنان شمالاً- لاعتبارات كثيرة أهمها قدرة الانغماس والاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال ومستوطنيه على الحواجز والطرق المؤدية للمستوطنات، وقد كانت الضفة  الجبهة الأكثر سخونة، حيث قتل فيها خلال عام ٢٠١٨ لوحده ١٣ جندياً ومستوطناً من الاحتلال الإسرائيلي.

ووفق صحيفة ”إسرائيل اليوم“ أرسل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتيناهو رسالة شديدة اللهجة لقادة حماس في غزة خصوصاً لاعتقاد المستوى الأمني الإسرائيلي أن عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية يتم التنسيق لها من قطاع غزة، قائلاَ: ”أنه لن يكون وقف إطلاق نار بغزة، بالتوازي مع تنفيذ العمليات بالضفة الغربية“.

ووفق العامودي فإن المقاتلين الجدد في الضفة لا يحتاجون للوقت الكبير لتشكيل خلايا منظمة بسيطة، ليست عالية التسلح والتدريب، ولا يحتاج في كثير من الأحيان لخلايا بل عمليات فردية، بحيث لا يمكن الوصول لحجم عالي من التوقع لزمان ومكان حدوث عملياتها، كما أن الحصول على السلاح في الضفة الغربية بات أمراً أكثر سهولة في الفترة الأخيرة بعد تكديسه من قبل تجار السلاح في الداخل والضفة الغربية وعبر قيادات في الأجهزة الأمنية الفلسطينية لضمان الفوز في سباق خلافة الرئيس عباس.

أين السلطة؟!

ووفق الرأي السابق فإن السلطة الفلسطينية هذه المرة في قلب الحدث، وليس وضعها كما هو الحال في قطاع غزة، فهل تقوم السلطة بمساعدة إسرائيل في القضاء على المقاتلين الجدد فتنال لعنات الفلسطينيين، أم أنها سوف تغض الطرف فتنال غضب إسرائيل.

وحسب المراقبون فإن مبادرة السلطة بتحذير إسرائيل من التصعيد ضد أبناء الضفة، كان أمرا لا مفر منه، خاصة وأن السلطة تعيش على صفيح ساخن في ظل الصراع والسباق على من يخلف محمود عباس الذي بات عبئا على كل الأطراف المعنية بالمشهد الفلسطيني.

وانطلاقا من ذلك قرأ المراقبون التصريحات الصادرة عن السلطة خلال اليومين الماضيين سواء من حيث اللهجة ضد إسرائيل أو لغة الخطاب الموجه للداخل الفلسطيني، ولعل وصف السلطة على لسان وزير العدل الفلسطيني على أبو دياك، للسياسات الإسرائيلية المتعلقة بهدم المنازل هو إرهاب دولة، واصفا كذلك حكومة الاحتلال بالمتطرفة التي تعمل على التصعيد وتخوض حملة إعدامات ميدانية، وترتكب جرائم قتل يومية، وتصعد من الاقتحامات وهجمات المستوطنين خلافا للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية.

كما دعا المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية يوسف المحمود بتدخل دولي عاجل وتوفير حماية دولية فورية للشعب الفلسطيني الذي تتعرض حياته وممتلكاته للخطر على أيدي الاحتلال، كما دعا الدول العربية والإسلامية والصديقة إلى تحمل مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية التي تتعرض إلى محاولات تصفية، حسب تعبيره.

ويرى المراقبون أن حركة فتح والسلطة يعيشون حالة من التخبط في التعاطي مع تفاعل الأحداث بالضفة، ورأوا هذا التخبط في قيام الصفحة الرسمية لحركة فتح يوم الخميس الماضي بنشر اعتذار وحذف خبراً نشرته حول إصدار رئيس السلطة محمود عباس قراراً بالتصدي للمستوطنين الذين يهاجمون السكان الفلسطينيين وإطلاق النار عليهم حال تطلب الأمر ذلك، وقالت أنه تم اختراقها ونشر الخبر، ثم عادت وحذفت الاعتذار واستبدلته بمنشور دعت فيه أقاليم حركة فتح في الضفة الغربية لصلاة الجمعة في ميادين المدن، وتصعيد على كافة مواقع التماس.

وحسب الرأي السابق فإن فتح بتحركاتها نحو التصعيد تسعى لتحقيق عدة مكاسب سياسية جديدة وإعادة تدفق المال مع تسهيلات على الأرض عبر الحواجز، وكذلك تريد ضمان السيطرة على حالة الغضب المشتعلة في الضفة الغربية منذ عدة أشهر.

لماذا الوقت عصيب؟!

ويجيب على هذا التساؤل مقال للكاتب الأردني محمد سويدان، الذي يرى أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة تاريخية صعبة، نتيجة تصاعد القرارات والمخططات التصفوية، حيث يعتبر الاحتلال الفرصة مواتية لتنفيذ كل مخططاته، أو أكثرها خطورة، في ظل الأوضاع الفلسطينية التي يسودها الانقسام، والدول العربية المنشغلة بظروفها وأزماتها الداخلية وكذلك الأوضاع العالمية التي تساعد إسرائيل في تنفيذ مخططاتها.

وحسب رأي سويدان فإن الكلمة جاءت هذه المرة وكما هو الحال الدائم من المقاومة الشعبية، التي اعتبرها الكاتب يمكن أن تمرض ولكنها لن تموت، مستدلا بما قام به أبناء الضفة بعد ساعات من اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي للشهيدين صالح عمر البرغوثي وأشرف وليد سليمان نعالوة، كما أنه يعتبر أن هذه العمليات التي تنفذها المقاومة بالضفة رسالة واضحة لسلطات الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية التي تستعد للإعلان عن “صفقة القرن” والتي تعتبر فلسطينيا خطة لتصفية القضية الفلسطينية، إن هذه الصفقة لن تمر، ولن تلقى أي نجاح على الصعيد الفلسطيني.

سيناريوهات!

وتشير تحليلات أخرى إلى أن سيناريوهات استمرار التصعيد الذي تشهده الضفة تسير اتجاه الاستمرار، خاصة في ظل حرص فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس بالعمل على استمرار التصعيد، وهو ما أعلنته إسرائيل صراحة باتهامها  لحماس بتمويل الحركات الاحتجاجية في الضفة خلال الآونة الآخيرة، بالإضافة لاستمرار حالة الانسداد التي تشهده عملية التسوية السياسية وما ينجم عن ذلك من توتر في العلاقات السياسية بين السلطة والاحتلال، ويضاف لما سبق فشل الاحتلال في وقف موجة العمليات الأخيرة والتي وصلت وفق الإحصائيات الإسرائيلية لعشرة عمليات خلال ثلاثة أشهر، وإحباط 250 عملية منذ بداية 2018 و اعتقال أكثر من 400 فلسطيني.

خارج الحدود

وتشير تحليلات أخرى إلى أن وصول احتجاجات السترات الصفراء الفرنسية، لعدد من دول المنطقة مثل تونس والأردن وكذلك إسرائيل، وتزامنها مع الأوضاع المشتعلة في الضفة الغربية، من شأنها أن تفجر الأوضاع السياسية الداخلية بالشرق الأوسط، والتي يمكن أن تكون سببا في موجات غضب ضد الأنظمة العربية، وخاصة تلك التي لها مصالح وعلاقات خاصة مع إسرئيل، ما يجعل عام 2019 على صفيح ساخن، فلسطينيا وإسرائيليا وعربيا.