العدسة: محمد العربي
كشفت مؤسسة رجل الأعمال والملياردير السوداني البريطاني “محمد إبراهيم” أن القارة الإفريقية تشهد تقدما كبيرا في مجال الحوكمة والتنمية، ووفقا لتقرير مؤشر” إبراهيم للحكم الرشيد” لعام 2018 م” فإن القارَّة الإفريقية تشهد تقدما في مجال الحكم العامّ، وخاصةً فيما يتعلَّق بتلبية احتياجات وتوقُّعات السكان، كما أظهرت 34 دولة تحسُّنًا في جميع المؤشرات هي: موريشيوس (المركز الأول)، سيشيل (المركز الثاني), ساحل العاج (المركز الثالث), ناميبيا (المركز الرابع) وبوتسوانا (المركز الخامس)، وقد لحقت كل من غانا وجنوب إفريقيا ورواندا وتونس والسنغال،ـ بقائمة العشر الأوائل في القارة من حيث معدلات التنمية وفقا لتقرير البنك الافريقي للتنمية.
ووفقا لتوقعات المؤسسة فإن معدلات النمو الاقتصادي بالقارة آخذة في النهوض، وهو ما كان مبررا قدمه المختصون لحالة الهرولة الدولية نحو القارة الافريقية، سواء من جانب روسيا أو الصين، وإسرائيل، مقابل تركيا وإيران ودول الخليج العربي.
التحرر المتنوع
وحسب الخبراء فإن الأعوام السابقة شهدت تحولا جذريا في سياسة معظم دول القارة السمراء، بالتحول نحو التنمية الحقيقية واستغلال الموارد الطبيعية، والإمكانيات التي مازالت مدفونة في باطن القارة الأكثر فقرا، وهو ما كان سببا مباشرا في ظهور مؤشرات جيدة لمؤشرات النمو الاقتصادي بدول مثل مورشيوس وكينيا وبوتسوانا، ورواندا، وساحل العاجل، ما جعلها قبلة للمستثمرين غير الأفارقة، وهو ما نقل الصراع من شمال الكرة الأرضية لجنوبها في ظل صراع سياسي واقتصادي وكذلك ديني وثقافي.
وتشير دراسة قيمة للباحث الافريقي أب وبكر يعقوب بارما أن القارة الإفريقية بدأت تتحرر من استراتيجية اليد الممدودة، مستدلا بالتقرير السنوي الذي نشرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ((OCDE بأن ميزانية المساعدة العامة للتنمية بافريقيا، شهدت استقرارًا نسبيًّا خلال عام 2017م؛ حيث ارتفع حجم نسبة الدعم المادي للدول الإفريقية إلى 3% مقارنة بميزانية عام 2016م، وذلك وِفقًا لتقرير المنظمة عن الأموال التي تمنحها الدول المتقدمة لأقل البلدان نمُوًّا والتي يشكل الجزء الرئيسي منها للمساعدة العامة والقروض للدول أقل تطورًا لا سيما في إفريقيا؛ وقد سجَّل نصيب إفريقيا ارتفاعًا في هذه السنوات الأخيرة.
ووفقا للدراسة فقد ارتفع حجم القروض الممنوحة للبلدان النامية في إفريقيا بنسبة 13% بدلا من المعونات التي كان يتم صرفها لدول القارة، وهو ما يعني أن الدول الإفريقية بدأت تستغل هذه القروض في عمليات التنمية بعد أن كانت قاصرة على تلبية احتياجاتها من الغذاء والصحة فقط.
وفي نفس الإطار يشير تقرير”Doing Business 2009″ الصادر عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية(FIC)، إلى أن 28 دولة إفريقية قامت بإدخال 58 عملية إصلاحية خلال عام 2007/2008م؛ حيث صُنِّفَتْ ثلاث دول إفريقية ضمن العشرة دول الأولى في العالم التي أدخلت إصلاحات لتشجيع الاستثمارات خلال العام المذكور، وهذه الدول هي السنغال وبوركينا فاسو وبوتسوانا، وتزايدت الإصلاحات أيضًا من دول خارجة من الحرب الأهلية مثل رواندا وسيراليون وليبيريا، كما احتلت موريشيوس المرتبة 24 في قائمة الدول المُصنَّفة في العالم وفق معيار توفير التسهيلات المشجِّعَة للاستثمار، وهي في رأس القائمة على المستوى الإفريقي.
اين العرب
وحسب الخبراء فإن الدول العربية وخاصة الخليجية بدأت التعاطي مع أهمية الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الإفريقي التي ترتبط كثيرا بمصلاحها التجارية، وأن الكيان الذي أسسته السعودية مؤخرا مع الدول المطلة على البحر الأحمر كان الهدف الأساسي منه حماية التجارة البينية التي تمر عبر البحر الأحمر الذي تقع على أحد شزائطه خمس دول إفريقية من إجمالي ثماني دول تطل عليه وهم دول مصر والسودان والصومال وجيبوتي وإيرتريا.
وتشير دراسة موسعة للباحثة الأريترية ثريا سليمان محمود إلى أن القارة الإفريقية تتمتع بموارد اقتصادية كبيرة ومتنوِّعَة؛ في مجالات الطاقة، والمواد الخام، زالتربة الصالحة للزراعة، والثروات المعدنية والطبيعية، بالإضافة إلى الموارد البشرية وغيرها، وهو ما دفعالدول العربية للتوجه نحو القارة منذ عام 1977 الذي شهد إنطلاق أو قمة عربية افريقية بالقاهرة، والتي قدمت القمة من خالها العديد من المساعدات العربية للدول الإفريقية، ثم تطورت إلى تعاونٍ مشترك في المجالات التجارية والاستثمارية، وأُنشئت خلال فترة السبعينيات العديد من الصناديق العربية التي تدعم مجال التنمية في القارة الإفريقية.
وتشير الباحثة نفسها إلى أن العديد من الدول الإفريقية، اتخذت إصلاحات إدارية لتسريع إجراءات إنشاء الشركات الاستثمارية بأحجامها المختلفة، وتخفيض رسوم تكاليف الواردات والصادرات، وإصلاحات في مجالات حماية حقوق الملكية وحرية تحويل رؤوس الأموال ورفع القيود على الصرف الأجنبي، وتخفيف النُّظُم الضريبية، وهي الاصحلات التي استفاد منها دول مثل الصين والهند، والدول ذات النفوذ التاريخي في القارة مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بينما كانت الدول العربية أكثر تباطئوا في هذا الإطار.
إلا أنه وفي السنوات الأخيرة تزايدت الاستثمارات الخليجية بشكلٍ كبير وخاصةً الاستثمارات الإماراتية في مجالات البنية التحتية والعقارات وقطاعات الضيافة، والنقل والاتصالات في منطقة القرن الإفريقي، وفي هذا الإطار حصلت موانئ دبي العالمية على امتيازات لإدارة سلسلة من الموانئ تحت سيطرة الحكومة الوطنية في جيبوتي، وأرض الصومال، وكيسمايو التابع لسلطة جوبالاند المؤقتة، وفي الآونة الأخيرة في باراوي جنوب الصومال، كما يقدم صندوق أبو ظبي للتنمية قروضًا ومِنَحًا لتمويل مشاريع البنية التحتية في الصومال وكينيا، كما أن كينيا تستورد من الإمارات الجزء الأكبر من احتياجها من النفط، وفي المقابل تُصَدِّر كينيا إلى الإمارات بعض المنتجات مثل القهوة والشاي والمنسوجات.
تننافس روسي
ويري خبراء آخرون أن روسيا تعد من أكثر الدول التي تحاول السيطرة على القارة الافريقية، سواء من خلال المشروعات الاقتصادية، أو ببناء القواعد العسكرية، وينافسها في ذلك كل من تركيا وإيران، واللتان ينطلقان بأهداف إضافية في إطار الصراع السني الشيعي المتوسع حول العالم.
ويري المتابعون للتحرك الروسي في إفريقيا أنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي خسرت روسيا حضورها الإفريقي في مجالات متعدِّدة ولا سيما المجال العسكري. على الرَّغْم من عملها الدؤوب على اكتساب أصدقاء جُدُد في القارة الإفريقية خلال العقدين الماضيين، إلا أنَّ جهودها كانت تصطدم غالبًا بالمصالح الغربيَّة الْمُنافسة تارة، وبالمصالح الأوروبية والفرنسية المستعمرة لكثير من الدول الإفريقية تارة أخرى. ولعلَّ أبرز أمثلة الصدام؛ هو تدخُّل حِلْف “الناتو” في ليبيا عام 2011م، وإسهامه الحاسم في إسقاط نظام العقيد معمَّر القذافي، مما حَرم موسكو من عقود شملت قطاعات الطاقة والتسليح والبنى التحتيّة.
ووفقا لدراسات عديدة فإن، روسيا بدأت تعود للقارة رويدًا رويدًا من منافذ جغرافيَّة مختلفة، وتبنَّت أساليب ومناهج تعاون يتداخل فيها النشاط الاقتصاديّ بالعسكريّ، والتعاون الحكوميّ العام بالخاصّ، مستفيدة من تراجع القوى الغربيَّة والأوروبية من ناحية، ومن ازدياد الصراعات الطائفية والإثنية والسياسية في كثير من دول القارة الإفريقية من ناحية أخرى، وقد أبرمت روسيا في هذا الإطار عدة اتفاقيات حول التعاون العسكري التقني -مع إمكانية التسلُّح- مع العديد من الدول الإفريقية. مثل النيجر، ونيجيريا، وتشاد. والكاميرون، وبنين، وتونس، ورواندا، وموزمبيق، وزمبابوي.
كما شهد عام 2018 توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري مع غينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا. أما مع شركاء روسيا التقليديين في إفريقيا كأنغولا ومصر، فلا تزال المعاهدات الموقَّعة في التسعينيات من القرن الماضي مفعّلة ومستمرة.
وقد كشفت دورية Africa Intelligence عن أحد الأهداف الروسية الحقيقية في إفريقيا، بأنّ روسيا اتفقت مع حكومة افريقيا الوسطي على تطوير منجم الذهب انْداسِيمَا “Ndassima” الذي يقع على بعد 60 كيلو مترًا شمالي مدينة بامباري (العاصمة الاقتصادية لجمهورية إفريقيا الوسطى سابقًا). والذي كان مملوكًا للشركة الكندية (3) AXMIN،
أمريكا والصين
وتشير التحليلات إلى أن منطقة القرن الأفريقي تشهد صراعا ساخنا بين الولايات المتحدة والصين بهدف ريادة العالم الجديد، حيث تسعي الصين لإثبات وجودها العسكري والسيطرة على أبرز الممرات الملاحية في العالم من أجل حماية مصالحها التجارية المتنامية بشكل سريع حول العالم، ووفقًا لهذه الاستراتيجية فقد أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في العالم بدولة جيبوتي بمنطقة القرن الإفريقي، لتتحول من شريك إقتصادي إلى حليف استراتيجي.
اضف تعليقا