أحمد حسين

يبدو أن رياح الغضب الشعبي تلوح في سماء الجزائر، بعد حادث الشاب “عياش محجوبي” الذي سقط في أنبوب بئر ارتوازية، وفشلت أجهزة الحماية المدنية في إنقاذه رغم مرور 5 أيام، حتى الآن، وبقي مجهول المصير.

ويبقى الرهان معقودا على متغيرين كبيرين، أولهما: هل يمكن أن يشعل الحادث غضبا يشبه ذلك الذي أشعل به الشاب التونسي “محمد البوعزيزي” شرارة ثورات الربيع العربي؟، والثاني: إلى أي مدى تستطيع السلطات تحجيم ذلك الغضب والسيطرة عليه وتجنب تحوله إلى رياح عاتية؟.

فشل وإهمال رسميين

ولعل قضية الشاب “محجوبي” تحولت إلى قضية رأي عام تجاوزت مدينة المسيلة (240 كيلومتر شرق العاصمة)، وتساءل كثيرون عن كيفية سقوطه داخل أنبوب لا يتجاوز قطره 35 سنتيمترا ونزوله إلى عمق 40 مترا، وكيف عجزت فرق الحماية المدنية على مدار أيام عن إنقاذه؟.

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا اتهامات للسلطات المحلية بالمدينة وتلك المركزية بالتهاون والإهمال، وتداولوا معلومات تقول إن كل آلات الحفر الموجودة في الموقع تعود إلى شركات خاصة صغيرة وليست تابعة للدولة.

المعلق الرياضي الجزائري الأشهر “حفيظ دراجي” دوّن عبر حسابه على فيس بوك قائلا: “هل يعقل أن يستمر اختفاء مواطن جزائري في ولاية المسيلة منذ 4 ايام إثر سقوطه في بئر ارتوازي طوله 30 متر دون أن نتمكن من إنقاذه، تضامن المواطنين وإمكانيات السلطات المحلية والخواص لم تكفي لحد الأن لإنقاذ الرجل !! فأين هي إمكانيات القوة الإقليمية يا ترى؟. لطفك يارب”.

هل يعقل أن يستمر اختفاء مواطن جزائري في ولاية المسيلة منذ 4 ايام إثر سقوطه في بئر ارتوازي طوله 30 متر دون أن نتمكن…

Opublikowany przez ‎Hafid Derradji – حفيظ دراجي‎ Piątek, 21 grudnia 2018

 

فيما قال كثيرون إنه كان بالإمكان الاستعانة بإمكانيات كبيرة ومتطورة، وطلب مساعدة من شركات أجنبية موجودة في الجزائر ومختصة في الحفر والتنقيب، وحتى طلب مساعدة من الخارج.

رد الفعل والتفاعل الرسمي جاء متأخران فبعد عدة أيام انتقل والي المسيلة (المحافظ) مقداد الحاج، إلى موقع الحادث، معلنا رفض كل الاتهامات التي وجهت له بالتقاعس، مؤكدا أنه يتابع هذه القضية منذ أول يوم، وأنه أوفد مدير ديوانه لمتابعة عمليات الإنقاذ.

شقيق الضحية الذي يتمتع بقدر كبير من التعاطف الشعبي يزداد زخما يوما بعد الآخر، رفض هو الآخر سماع تبريرات الوالي.

لماذا لن تثور الجزائر؟

ولعل الحديث حول إمكانية أن يتحول هذا التعاطف الشعبي إلى غضب كبير بجميع أنحاء البلاد على نحو يعيد إلى الأذهان ثورات الربيع العربي، يصطدم بالأسباب التي منعت تصدير الحالة التونسية أو الليبية أو حتى المصرية إلى الجزائر.

بحسب الباحث السياسي “خالد ربوح” فإن الربيع العربي لا يمكن أن يكون له موطئ قدم في الجزائر لخمسة أسباب، أوجزها فيما يلي:

1- تجربة العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي والمواجهات التي خاضتها الدولة مع المجموعات المسلحة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 200 ألف جزائري، ومما لا شك فيه أن الجزائريون على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم لا يودون أن تتكرر عليهم مآسيها وآلامها ولا حتى تبعاتها، مهما كان الواقع الذي يعيشونه سواء الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي.

2- طبقة سياسية واعية: وهو ما أفرزته احتجاجات واسعة في 2017 شابها العنف، حيث سارعت كل النخب السياسية للتنديد بها واستنكار أعمال التخريب التي طالت مؤسسات الدولة والشغب الذي جرى في الشوارع.

3- مأساة سوريا: وهي التجربة الأكثر دموية وبشاعة بين دول الربيع العربي، حتى أصبحت عبرة للشعوب التي تريد التغيير.

4- شعرة السلطة: السلطة في الجزائر تستعمل شعرة معاوية فكلما كان هناك احتقان شعبي، دفعت بعدة إجراءات سياسية واقتصادية لامتصاص الغضب الشعبي، وهو ما حدث بحزمة من الإصلاحات الاقتصادية في 2011.

5- علاقة مميزة ببين الجيش والشعب والتي لعبت دورا مهما في تحقيق الاستقرار، باعتبار أنه سليل جيش التحرير الذي حرر البلاد من الاستعمار الفرنسي، كما ساهم في حماية الجزائر أثناء العشرية السوداء.

“بعبع” التحديات الأمنية

وبحسب دراسة نشرها “مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط” فإن تخوفات الجزائريين من التحديات الأمنية المترتبة على أية انتفاضة شعبية على غرار ثورات الربيع العربي هي التي دفعتهم لعدم التصعيد.

وقالت الدراسة إنه: “بعد انهيار الأنظمة الحاكمة (في دول الربيع العربي) ظهرت طائفة من التهديدات والأخطار الأمنية مع المرحلة الانتقالية، مثل نشاط المليشيات المسلحة في ليبيا والجماعات الجهادية في مصر وأيضا نشاط القاعدة الذي تزايد بوتيرة سريعة، إضافة إلى غياب المؤسسات الأمنية أو ضعفها.. هذا إضافة إلى الصراعات السياسية أو الحزبية والأيديولوجية..”.

وأشارت إلى أن القدرة المالية للدولة جعلتها تركز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المحفزة لأي احتجاج، رافضة الخوض في الأبعاد السياسية، أي شراء الأمن الاجتماعي بقرارات اقتصادية دون القيام بإصلاحات سياسية أو مؤسسية حقيقية.

لم تغفل الدراسة أيضا بعض إجراءات الإصلاح السياسي بمبادرة من النظام، حيث تم الإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ، كما تم تخفيف بعض القيود على الإعلام الرسمي، وإصلاحات أخرى تمت من خلال إصدار قوانين تعيد النظر في القوانين السابقة مثل: نظام الانتخاب، والجمعيات، وقانون متعلق بترقية المرأة.