أحمد حسين

من جديد اشتعلت معركة النفط في ليبيا، إثر إعلان المؤسسة الوطنية الليبية للنفط “حالة القوة القاهرة” على العمليات في حقل الشرارة النفطي جنوب البلاد، والذي يعد الأكبر، بعد أن أغلقته مجموعة مسلحة.

وتغلق الحقل مجموعةٌ من “الكتيبة 30 التابعة لحرس المنشآت النفطية (أغلب عناصرها من الطوارق) منذ نحو أسبوع لتلبية مطالب لهم، بينها صرف رواتب متأخرة، وتوفير فرص عمل بالحقل لسكان المنطقة وتنميتها، وتوفير وقود لسكانها.

وطرح المجلس الاجتماعي لقبائل الطوارق في البلاد (أعلى هيئة تمثلهم) مبادرة مشروطة لإنهاء أزمة إغلاق حقل الشرارة، تتضمن الاعتذار وتنفيذ تنمية حقيقية بالجنوب ووقف المتابعة الأمنية.

وندد المجلس بتصريحات رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، التي قال المجلس إنهما اتهما فيها الطوارق بـالخيانة، ووصفا المكلفين بحماية وحراسة الحقل بأنهم “مليشيات”.

ويقلص إغلاق حقل الشرارة إنتاج النفط الخام بنحو 315 ألف برميل يوميا (إجمالي إنتاج الحقل) و73 ألفا من حقل الفيل المعتمِد على إمدادات الكهرباء من حقل الشرارة.

كما يؤثر الإغلاق على عمليات إمداد مصفاة الزاوية بالنفط، ممّا سيكبّد الاقتصاد خسائر إجمالية بقيمة 32.5 مليون دولار يوميا، بحسب مؤسسة النفط.

تاريخ الصراع وقصة الهلال النفطي

الحادث أعاد للأذهان تاريخا من الصراع المسلح في البلاد الغنية بالنفط، والتي تعاني من حوادث مماثلة متكررة ضمن اضطرابات أمنية مستمرة منذ سنوات، في ظل وجود كيانات مسلحة متعددة تتصارع على النفوذ والسلطة.

ففي يونيو الماضي تمكنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي يدعي أنها الجيش الليبي في الشرق من استعادة منطقة الهلال النفطي، بعد أيام قليلة جدا من استيلاء إبراهيم الجضران على هذه المنطقة، التي سبق وطردته قوات الجيش الليبي في عام 2016 منها.

في 2015، قام المؤتمر الوطني السابق بإطلاق عملية “الشروق”، التي لم تدم أكثر من أسابيع واجهتها قوات قادها رئيس حرس المنشآت النفطية وقتها، إبراهيم الجضران.

في مارس 2016، وصلت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج إلى طرابلس، ومنحت قوات الجضران الشرعية واعتبرته آمرا شرعيا لحرس منشآت النفط، وطالبته بإعادة فتح الموانئ أمام حركة التصدير.

في مارس 2017، تمكنت قوات حفتر في الشرق من السيطرة على منطقة الهلال النفطي، وفى 14 يونيو 2018، أعلن آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران أن قواته أحكمت سيطرتها على مينائي السدرة ورأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي.

ثم اندلعت بعدها اشتباكات عنيفة بين الجانبين، وبعد ذلك أعلنت قيادة قوات حفتر يوم 21 يونيو، عن السيطرة على منطقة رأس لانوف والسدرة بالكامل.

الهلال النفطي حوض نفط ليبيا، يمتد من طبرق شرقا إلى السدرة غربا، على طول 205 كم، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وطبقا لإحصاءات منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) فإن ليبيا أغنى دولة نفطيا في القارة السمراء.

تحتوي منطقة الهلال النفطي الواقعة بين مدينتي سرت وبنغازي، على 80% من قطاع الطاقة الليبي، وحجمه مقدر بـ 52 تريليون قدم مكعب من الغاز، وأكثر من 45 مليار برميل نفط، ومن أكبر حقول النفط في الهلال؛ السرير، ومسلة، والنافورة، التي تنتج مجتمعة نحو 60% من مجمل الإنتاج العام للدولة، وفي منطقة الهلال أكبر مجمعات تكرير النفط وموانئ تصديره إلى العالم.

وتضم منطقة الهلال أربعة موانئ نفطية رئيسية: “موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة”.

ويعد “السدرة” و”رأس لانوف” أكبر مينائين لتصدير النفط في ليبيا “400 ألف و220 ألف برميل يومياً على التوالي”، وصادراتهما مجتمعين تبلغ قرابة ثلاثة أرباع صادرات البلاد البترولية.

وتبلغ احتياطيات ليبيا النفطية نحو 39 مليار برميل، ويكتسب نفطها أهمية في السوق العالمي لجودته، حيث إنه يحتوي على نسب منخفضة من الكبريت، قياسا بالخام المشحون بالكبريت.

ويدور الصراع الآن بين المؤسسة في الشرق والغرب، حيث يترأس المؤسسة في طرابلس مصطفى صنع الله، فيما يترأسها في الشرق فرج سعيد.

الشركات المتنافسة على نفط ليبيا

تتواجد على الأراضي الليبية عدد كبير من الشركات العاملة بالنفط، إلا أن أهم 5 شركات عالمية تشكل تفاصيل المشهد، خاصة أنها تعمل في البترول والغاز، وأعمال التنقيب والبحث والإنتاج، وذلك بحسب دراسة أعدها المركز الليبي للدراسات.

أولها “إيني” الإيطالية التي أكبر شركة نفطية تعمل في ليبيا، ويبلغ إنتاجها نحو 600 ألف برميل نفــط مكافئ يوميا (نفط خام، غاز طبيعي، مكثفات غازية من بروبان وبيوتان ونافتا)، وكذلك إنتاج نحو 450 طنا من عنصر الكبريت يوميا.

كما تدير عددا من الحقول النفطية البرية المنتشرة على الجغرافيا الليبية، وحقولا بحرية متمثلة في ثلاث منصات بحرية، وخزان عائم، فضلا عن شبكة خطوط أنابيب برية مختلفة الأحجام ممتدة لآلاف الكيلومترات.

الثانية “توتال” الفرنسية والتي تقوم بتشغيل وإنتاج حقل المبروك وحقل الجرف من خلال إحدى فروعها، وهي شركة “سي.بي.تي.إل”، ويصل متوسط إنتاج الحقلين معا، إلى 60 ألف برميل في اليوم، فيما تشارك الشركة في إنتاج بعض الحقول الأخرى مثل حقل الشرارة.

أما الشركة الثالثة فهي “إكسون موبيل” الأمريكية التي استأنفت نشاطها في ليبيا في عام 2005، عقب رفع العقوبات الأمريكية، وفي سبتمبر 2013، قالت الشركة إنها ستقلص عملياتها وعدد موظفيها في ليبيا، مبررة ذلك بأنه لا داعي  للإبقاء على نشاط كبير في ظل تدهور الوضع الأمني.

“أوكسيدنتال بتروليوم” الأمريكية بدأت أعمالها في ليبيا منذ عام 1965، وتعمل في مجال التنقيب، وتوقفت عن العمل أثناء فرض العقوبات الأمريكية على ليبيا عام 1986، وعادت مجددا 2004 بعد رفع الحصار، وفي عام 2008 وقعت الشركة خمسة عقود تنقيب وإنتاج بالمناصفة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، كما نجحت في تمديد آجال عقودها في البلاد.

في عام 2011، سحبت الشركة كوادرها من البلاد بسبب الأوضاع الأمنية، وفي أكتوبر من نفس العام كانت الشركة أول شركة أجنبية تعاود نشاطها بشكل فعلي في البلاد من خلال حقل النافورة.

والشركة الخامسة هي “بريتش بتروليوم” البريطانية التي وقعت اتفاقية مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عام 2007 للتنقيب، وتشمل امتيازات للتنقيب عن النفط على مساحة 54 ألف كيلومتر مربع في حوض غدامس على الأرض وحوض سرت قبالة الساحل الليبي.

وبعد عام 2011، قررت سحب طواقمها من البلاد وإيقاف أشغالها، وحاليا عادت للعمل مجددا.

خريطة الحقول النفطية

بحسب بوابة “الوسط الليبية” تتوزع أحواض النفط الليبية منها حوض سرت، وحوض غدامس، وحوض مرزق، ثم حوض تريبوليتانيا البحري، بالإضافة إلى حوضين آخرين غير منتجين، هما الكفرة في الجنوب الشرقي وحوض برقة المنبسط في الشمال الشرقي.

حوض سرت: يعد من أهم الأحواض وأصغرها عمرا، ويقع في مركز شرق ليبيا، ويضم 16 حقلا منتجا، ويبلغ إجمالي النفط القابل للاستخراج فيها أكثر من 500 مليون برميل، وما يزيد على 33 تريليون قدم مكعب من الغاز.

حقل السرير: وهو أكبر حقول ليبيا على الإطلاق، وهو تابع لشركة الخليج العربي للنفط، ويبلغ الاحتياطي العام في الحوض أكثر من 117 مليار برميل مكافئ.

حوض مرزق: يغطي مساحة واسعة في الجنوب الغربي، ويبلغ الاحتياطي به أكثر من 5 مليارات برميل مكافئ، ويقع حقل الشرارة ضمنه، الذي وصل إنتاجه في سبتمبر 2011 إلى 400 ألف برميل يوميا، وحقل الفيل النفطي الذي بلغ ذروة إنتاجه بوصوله إلى 125.7 ألف برميل يوميا في عام 2010.

حوض غدامس: مساحته 390 ألف كيلو متر مربع، ويقع إلى الشمال الغربي من ليبيا، ويحوي الحوض 3.5 مليار برميل مكافئ بقدرة إنتاجية وصلت في العام 2009 إلى حوالي 950 مليون برميل مكافئ، ويقع به حقل الوفاء المزود الرئيس للغاز في مشروع غاز غربي ليبيا.

حوض تريبوليتانيا البحري: ويقع في المياه الليبية إلى الشمال الغربي باتجاه مدينة صبراتة،  ويبعد 121 كلم عن طرابلس العاصمة، ويقع به حقل البوري البحري، الذي يبلغ الاحتياطي القابل للاستخراج فيه ملياري برميل نفط، ويعتبر أكبر اكتشاف في البحر المتوسط حتى الآن، وكان الحقل ينتج 45 ألف برميل يوميا بنهاية 2009.