العدسة: محمد العربي

كما كان متوقعا، واصل الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس إثارة الجدل حول قراراته المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية، بعد أن قرر حل المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي كان الاتفاق على إجراء انتخاباته بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية محل توافق بين الفصائل الفلسطينية في كل المبادرات التي شهدتها المصالحة الفلسطينية، سواء التي تتبناها القاهرة، أو التي تحاول أطراف عربية وإسلامية أخرى التي تحاول تقريب وجهات النظر بين كل من فتح وحماس.

القرار الذي اتخذه أبو مازن، مثَّل عدة رسائل للأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية، وخاصة القاهرة وغزة وتل أبيب، حيث يعتبر القرار إهانة واضحة لجهود القاهرة، كما أنه يقضي على آمال أهل القطاع لإنهاء الخصام مع الضفة الغربية، كما جاء القرار ليفضح ممارسات عباس الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بعد أن انتقد الرجل صراحة، موافقة نتنياهو على وصول الأموال لأهل القطاع المحاصرين، مؤكدا أن قوات أمن السلطة منعت 90% من عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

وكان عباس قد أعلن بشكل رسمي حل المجلس التشريعي الفلسطيني خلال اجتماع بمقر الرئاسة الفلسطينية هاجم خلاله حركة حماس والعمليات الأخيرة في الضفة ووصف منفذيها بالقتلة.

ويتكون التشريعي من 132 مقعدًا تمتلك “حماس” 76 مقعدًا منها مقابل 43 مقعدًا لحركة “فتح” و13 مقعدًا لأحزاب اليسار والمستقلين، ووفقا للقانون الأساسي الفلسطيني فإن الانتخابات البرلمانية تجري كل 4 سنوات إلا أن آخر انتخابات برلمانية شهدها الفلسطينيون كانت عام 2006.

مخالفة قانونية

ووفقا لخبراء القانون الفسلطينيين فإن القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 وتعديلاته لم يمنح الرئيس بالمطلق صلاحية حل المجلس التشريعي الفلسطيني سواء في الظروف العادية وذلك حينما حدد صلاحيات رئيس السلطة الوطنية على سبيل الحصر في الباب الثالث منه, وسار على ذات المنوال السابق وطبقه في الظروف الطارئة ,حيث لم يعط للرئيس صلاحية حل البرلمان في الظروف الاستثنائية – كوجود تهديد للامن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح او حدوث كارثة طبيعية.

ويشير الخبراء إلى أن ما سبق يعني أن القاعدة لدى المشرع الفلسطيني هي عدم جواز حل المجلس التشريعي في الظروف العادية والاستثنائية حتى في حالة الطوارىء، التي تبيح ما هو غير مباح, علاوة على أن المجرى الدستوري التي سارت عليه النظم البرلمانية هو أن النصوص الدستورية الناظمة لحل البرلمان يتم النص عليها بشكل معين,حينما يحجب البرلمان الثقة عن الحكومة , فتقوم الحكومة ممثلة برئيس السلطة التنفيذية في إجراء مضاد بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة وهذا ما لم ينتهجه المشرع الفلسطيني بالمطلق.

ردود أفعال

ويري المتابعون أن القرار الذي اتخذه عباس لم يكن يحتاج لمزيد من الوقت لكي تواجهه الفصائل الفلسطينية، بموجة رفض واسعة، وحسب ما نشرته وكالة الشهاب الخبرية القريبة من حركة حماس، فإن الفصائل الفلسطينية حذرت من التبعات الكارثية لحل المجلس وغياب السلطة التشريعية، كونه سيزيد من تعزيز الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني.

مؤكدين أن عباس خلفف بقراره المادة 47 من القانون الأساسي المعدل التي تنص على أن ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية، وهو ما ذهبت إليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي اعتبرت المحكمة الدستورية التي أقرت حل المجلس “غير قانونية” وأحكامها منعدمة، باعتبار أن تشكيلها مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني.

ووفقا لماهر مزهر عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية فإنه كان الأجدر بعباس أن يذهب إلى إنجاز المصالحة وفق اتفاقات 2011 و2017، وليس تعميق الانقسام، لأن من يريد تأسيس شراكة وطنية لا يذهب إلى تمزيق النسيج الفلسطيني، وتساءل مزهر عن الوضع إذا فشلت الأطراف الفلسطينية انجاز المصالحة قبل 6 أشهر وفقا للمهلة التي حددها عباس، فمن يضمن أن تكون انتخابات نزيهة وسلسلة وفق النظام والقانون الفلسطيني.

وحسب ما نقلته وسائل الاعلام الفلسطينية فقد حذرت حركة الجهاد الاسلامي من التداعيات الخطيرة لقرار حل المجلس التشريعي من قبل السلطة الفلسطينية، حيث اعتبر مصعب البريم المتحدث باسم الحركة أن خطوة حل التشريعي لا تحل الاشكال الفلسطيني وتزيد من حدة الانقسام وتعمق افرازاته الخطيرة على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والنفسية، داعيا السلطة لتغيير سلوكها بما يتناسب مع حجم تضحيات أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة،

بينما أعتبر النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، بأن المجلس التشريعي “سيد نفسه” ولا يمتلك أحد حله، مؤكدا أن كلام عباس مكرر ويتم استخدامه عند كل مناكفة سياسية، لأنه وفقا للقانون الأساسي فإن وولاية التشريعي ممتدة الى حين تسلم مجلس جديد، مشددا على أن حل التشريعي تجاوز قانوني خطير.

وهو نفس ما ذهب اليه القيادي في حركة فتح ديمتري دلياني الذي إن حل المجلس التشريعي سيدخلنا في اصطفافات قانونية وإحراجات دولية ودبلوماسية وسيؤدي الى تعزيز الانقسام، فضلا عن مخالفته الواضحة للقانون الأساسي الفلسطيني.

وتشير تصريحات دلياني فإن العديد من الدول تدعم السلطة لأنها قائمة على نظام ديمقراطي، فإذا انحل التشريعي فإن هذا ضربة أخرى لتراجع القضية الفلسطينية.

من جانبها دعت حركة حماس المسئولين بمصر بالوقوف أمام إجراءات عباس التي يضرب بها كل الجهود الرامية إلى حماية وحدة الشعب الفلسطيني وضرورة احترامه لمؤسسات شعبنا وعدم العبث بها.

ووفقا لبيان من الحركة فإن عباس أنشأ المحكمة الدستورية لتمرير وحماية قراراته التعسفية بحل المجلس التشريعي، وأنه رغم عدم قانونية القرار فإن الحركة جاهزة ومستعدة لخوض الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بالتزامن وبالتوافق الوطني، على أن تحترم حركة فتح نتائجها، في الوقت الذي تتعهد الحركة باحترام النتائج والالتزام بها والعمل وفقها.

تداعيات خطيرة

وحسب التحليلات التي تناولت القرار فإن عباس، بهذا القرار يريد سحب أية شرعية رسمية فلسطينية عن حركة حماس التي تسيطر على الأغلبية بالمجلس التشريعي، كما أن عباس يريد بهذه الخطوة، إلقاء حجر في المياه الراكدة بينه وبين الجانب المصري، والذي يعتبر عباس منتهي الصلاحية، وبالتالي تمضي السلطات المصرية في طريقها لوقف التصعيد الإسرائيلي ضد القطاع من خلال تواصل مباشر بين تل ابيب وغزة، دون الاعتداء بأي وجود لعباس.

وحسب الخبراء فإن ما قام به عباس لن يغير من الأوضاع على الأرض شيئا، خاصة وأنها ليست المرة الأولي التي يتخذ فيها عباس مثل هذه القرارات، وهو ما دفع بالفلسطينيين أنفسهم لوصف الخطوة بأنها من باب المناكفة السياسية التي اعتاد عليها عباس، الذي يريد ترسيخ انفراده بالقرار الفلسطيني واقصاء جميع الفصائل من المشاركة فيه على خلاف ما تم التوصل اليه في اتفاقيات المصالحة التي تشهدها الساحة الفلسطينية منذ 2007 وحتى كتابة هذه السطور.