العدسة – ياسين وجدي :

كما يفعل اللصوص ، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلاد الرافدين وخرج سرا ، ليذكر العالم مع أعياد الميلاد بجرائم جنوده الملطخة بدماء الشعب العراقي بعد سقوط بغداد في العام 2003 .

اللافت في هذه الزيارة مشاركة الأبواق الإيرانية (أنصار الاحتلال منذ يومه الأول) ضد الغضبة العراقية  في مواجهة الزيارة ، وهم الذين تجاهلوا جرائم الاحتلال الأمريكي حتى تاريخه ، ما يطرح مزيدا من علامات الاستفهام حول السبب هذه المرة ، ولكن يبدو أن عيون إيران هى قد تغنى عن الإجابة!!.

غضبة عراقية

منذ العام 2003 ، كان للعراق كيانات محافظة على رفض الاحتلال الأمريكي وتسميته بذلك على عكس كثيرون خاصة من الأبواق الايرانية ، ولكن مع الزيارة السرية اصطف الجميع في الرفض .

هيئة علماء المسلمين في العراق الممثل الأبرز للسنة في البلاد التي تعتبر واجهة رفض الاحتلال ، اعتبرت أن الزيارة تأكيد على استمرار نهج الاحتلال الأمريكي ، وضربة لحكّام المنطقة الخضراء الذين لم يَعرف أحد منهم بهذه الزيارة ، وتكشف أكذوبة الانسحاب المزعوم، والسيادة المتوهمة وزيف المتنطعين بإنهاء الوجود الأمريكي وانسحابه من العراق.

ووصفت الهيئة ما حدث بأنه استخفاف من الرؤساء الأمريكان بأدوات الاحتلال والتصرف بها كيفما يشاء أصبح معتادا؛ ويدل هوانهم وضعفهم وكونهم مجرد دمى للتغطية على حقيقة أنّ الاحتلال الأمريكي للعراق لم ينته، وأنّ الحكومات  المتعاقبة فيه كانت سببًا في استباحة أرض العراق وحدوده ودماء أبنائه.

النائب العراقي فالح الخزعلي كشف عن أن البرلمان في دورته السابقة أصدر أمرا بـ “جدولة خروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، إلا أن الأمر لم يحصل بسبب الفساد”، ولكنه دعا رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى تحمل مسؤولياته بما ينسجم مع المادة 50 من الدستور العراقي، موضحا أن زيارة ترامب للقوات الأمريكية في العراق تدل على أنها قوات غير استشارية ولا تدريبية وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها .

وعتبر رئيس كتلة الإصلاح والإعمار النيابية الشيعية صباح الساعدي، الزيارة دليل استهتار واشنطن ورئيسها واستخفافهم بالسيادة العراقية، وكأن العراق ولاية من ولاياته ، وطالب بعقد  جلسة طارئة لمجلس النواب لبحث هذا الانتهاك الصارخ لسيادة العراق وإيقاف هذه التصرفات الهوجاء من ترامب الذي يجب أن يعرف حدوده زاعما أن الاحتلال الأمريكي للعراق انتهى.

رئيس الحكومة ​العراقية الأسبق ​حيدر العبادي​، ركز على رفض الطريقة الّتي تمّت فيها زيارة الرئيس الأميركي ​للعراق ، مؤكدا أنها لا تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات مع الدول ذات السيادة”!

  لعيون ايران !!

ويرى مراقبون أن الأبواق الايرانية أحست بالخطر من استهداف المشروع الايراني في داخل العراق حيث تصنف الزيارة السرية على أنها إعلان أمريكي بأن ​الولايات المتحدة الاميركية​ لن تترك هذه الجغرافيا، وانّ سحبها قواتها من ​سوريا​ لا يعني هزيمة مُنيت بها بل امتداد في موقع آخر وادارة للحرب من مكان آخر.

 

ولذلك كانت نبرة حركة “النجباء” الشيعية عنيفة ، حيث قالت :” إن زيارة الرئيس الأميركي إلى قاعدة عين الأسد في الأنبار لن تمر دون عقاب”، وجاء الرد سريعا ، حيث تعرضت ما تسمى المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، بعد 24 ساعة من الزيارة لهجوم باربع قذائف هاون سقطت بالقرب من السفارة الامريكية.

التصريحات الأمريكية ، دفعت الأبواق الايرانية إلى التصريح بموقف جديد وهو مطالبة الخكومة العراقية بعدم السماح بأن يصبح العراق قاعدة أميركية لتهديد دول الجوار، بل وطالبت بطرد القوات الأميركية من البلاد، على اعتبار أن وجودها على الأراضي العراقية يمس بسيادة البلاد رغم الصمت في الفترات الماضية.

الأمين العام لحركة عصائب “أهل الحق” الشيعية ​قيس الخزعلي​ هدد بوضوح بأن “​القوات​ الأميركية إذا لم تخرج من ​العراق​ بقرار من البرلمان، فإنها ستجبرها على الخروج ذليلة مثلما جرى ذلك سنة 2011″، في قراءة ايرانية مبكرة لما يدور في الكواليس في ظل الحرب المتوقعة.

( تحالف البناء ) الممثل لأغلب فصائل الحشد الشعبي الشيعية والقريب من إيران انتقل بالمعسكر الايراني من التلميح إلى التصريح ، حيث أكد في بيان له أن الزيارة تضع الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة التواجد العسكري الأمريكي والأهداف الحقيقية له وما يمكن أن تشكله هذه الأهداف من تهديد لأمن العراق ، وطالب باستدعاء السفير الأمريكي في بغداد، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث طالب “الأطراف السياسية جميعا بالتوحد ووضع حد للتواجد العسكري الأمريكي المشبوه على الأرض العراقية”!!.

وبحسب معلومات موثقة فإن المخاوف تتركز على تحرك الجيش الأميركي قرب مدينة القائم العراقية المحاذية لمدينة البوكمال السورية، لإنشاء قواعد عسكرية في صحراء الأنبار، على أن تكون القاعدة هي الأولى في مدينة الرطبة غرب مدينة الرمادي المحاذية للحدود السورية، والثانية في ناحية الرمانة التابعة لقضاء القائم والمحاذية للحدود الأردنية.

المخاوف الايرانية لم تقرأ في العراق فقط ، بل على نفس الخط ، دخل محمد علي الحوثي، رئيس جماعة الحوثي في اليمن، معلقا على زيارة ترامب إلى العراق، وحرض الحوثي ، بعد طول تعايش شيعي أمريكي في بلاد الرافدين وفق ما هو مرصود ، الحكومة العراقية والجيش العراقي، لإبقاء العراق حرا باتخاذ موقف حازم، مما قاله “ترامب”حول عدم نيته الانسحاب على الإطلاق من العراق.

جرائم لم تلاحق !

علامات استفهام وضعها مراقبون من التصعيد المتأخر من الأبواق الايرانية ضد الاحتلال ، والمطالبة برحيل القوات بعد طول صمت وتستر ، وتفتح ملف جرائم الاحتلال الأمريكي منذ غزوه البلاد في 2003 ، والتي يتصدرها اقرار رئيس الوزراء البريطانى السابق ” تونى بلير” نفسه فى مقابلة حديثة بأن غزو العراق كان له دور فى ظهور تنظيم داعش الارهابي .

وبحسب تقرير “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”  فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا في الشهر الذي وقع فيه غزو العراق، أي مارس من عام 2003، أكثر الفترات دموية، فيما أشارت تقارير غير رسمية إلَـى أن عددَ الاشخاص الذين قُتلوا خلال الحرب بـ 1.3 مليون شخص ، وهو ما دفع البعض للمطالبة بمحاكمة قادة الحرب الأمريكان كمجرمي حرب.

وتلاحق قوات الاحتلال الأمريكي تقارير متواترة كشفت تورط الجنود الأمريكيين وهم يتلذذون بتعذيب وتعرية سجناء عراقيين ومعاملتهم كالكلاب وجرهم بحبال ربطت بأعناقهم وسراويلهم التحتية ملفوفة على وجوههم واغتصاب النساء ، فضلا عن نهب المتحف العراقي الوطني في بغداد في أكبر عملية سرقة في التاريخ، فهل تغضب أبواق ايران لدماء العراق كما تخشى على مشروعها ؟ ولكن يبدو أن الاجابة تحتاج مزيد من الوقت وإن كانت المؤشرات بحسب المراقبين تقول : أن ضرب ايران من عدمه هو من سيحدد الاجابة.