العدسة – ياسين وجدي:

ثاني تغييرات لحاشية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فترة قصيرة بدأت في أكتوبر وتكررت في ديسمبر قبل أن يرحل العام الحالي تاركا خلفه لعنة اغتيال الصحفي السعودي البارز “جمال خاشقجي” تخنق القصر المرتبك من جموح ولي عهده.

التغييرات حملت توقيع العاهل السعودي الملك سلمان ولكنها وفق البعض حملت بصمات نجله الذي يحاول الإفلات من حصار دولي يتصاعده ضده ، كما حملت عناوين جديدة لمرحلة جديدة تحاول التخلص من آثار جرائم تلاحق العائلة المالكة في كل مكان.

“العدسة” تقف على أبعاد التغييرات ومؤشراتها التي تقول أن في الأفق أمراً يدبر بليل قد تكشفه الأيام المقبلة.

“خاشقجي” حاضر !

التغييرات الواسعة التي جرت للمرة الثانية بعد اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي ليست بعيدة عنه، وفق مؤشرات مبدئية واضحة .

 

 

 

“عادل الجبير” أصابته لعنة “خاشقجي”، حيث أن اغتيال الأخير في القنصلية السعودية في اسطنبول، فتح النار على “الجبير ” وهو ما يتطالب بحسب مراقبين أن يظهر أن شيئا ما قد تم فعله بعد هذه الجريمة ، كون أن القنصليات تقع تحت مسؤوليته والجريمة وقعت تحت عين رجاله .

ورغم بقاء “الجبير” وزير دولة للشؤون الخارجية وعضواً في مجلس الوزراء إلا أنه تخفيض بدرجته الدبلوماسية ، يرجح أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يشأ أن يتركه بعيدا عنه خاصة أن الجبير، السفير السابق لدى الولايات المتّحدة ووزير الخارجية منذ أبريل 2015، أحد أشدّ المدافعين عن “بن سلمان”، ومن المرجح أن يكون وزير الخارجية الخاص بولي العهد ولكن في الظل.

هي محاولة إذن ، لعلاج ما أثر سلبا على صورة المملكة في الخارج وأدخلها في أتون أزمة علاقات عامة بحسب إذاعةمونت كارلو ، وذلك عبر الإطاحة برجل “القنصليات والسفارات  ” في محاولة لتخفيف الضغوط الدولية على الرياض.

 

إبعاد “تركي آل الشيخ” من هيئة الرياضة ، إلى الترفيه ، قد يكون مرتبطا كذلك بقضية “خاشقجي” وفق ما يرى البعض ، حيث حضر اسمه في الإعداد للترتيبات التي جرت لاغتيال الصحفي السعودي الراحل في القنصلية السعودية باسطنبول، خاصة أن تغريداته عقب إعلان القرار وتجريده من إمبراطوريته الرياضية ، كررت أسلوب المستشار الإعلامي الموقوف سعود القحطاني في التأكيد أنه يسير وفق توجيهات ولي العهد دائما.

الملمح الآخر في شكل مجلس الوزراء المرتبط بـ”خاشقجي” هو تكليف العاهل السعودي نجله بذات مناصبه في رد واضح بحسب المراقبين على الهجوم العالمي ضده ، والذي وصل صراحة لتحميله مسئولية الاغتيال ، عبر إعلان وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي ايه” ومجلس الشيوخ الأميركي، وهو ما يراه جيمس دورسي الخبير البارز في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة مؤكدا أن التغييرات جاءت لتعزز وضع ولي العهد في المملكة ، لكن في المشهد رسالة لازالت غامضة بتصعيد الملك سلمان نجله البالغ من العمر 62 عاما الأمير سلطان بن سلمان برتبة وزير.

 تجميل واقتصاد !

الأزمة المالية الكبيرة التي تعيشها السعودية بعد اغتيالها “خاشقجي” خاصة في ظل الحصار الاقتصادي الذي تصاعد ، رشح إبراهيم العساف الذي ظل رجل مال طوال حياته ووزيرا للمالية لنحو عقدين في الانتقال إلى تولي مسئولية حقيبة “الخارجية” استنادا لعقليته المالية البارزة.

 

نزيل فندق “ريتز-كارلتون” بالرياض في نوفمبر 2017 للتحقيق من قبل لجنة مكافحة الفساد، بات رجل الدولة المخلص المنتظر للأزمة الاقتصادية وفق ما يرى البعض ، حيث له علاقات واسعة في مجال الاقتصاد ، ومثل بلاده في عدة مؤسسات قادرة على التأثير على القرارات السياسية منها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسات مالية عربية.

ويعزز هذا الرأي أن إعلان المملكة قبل أسبوع موازنتها للعام 2019، التي اعتبرت الأكبر في تاريخ المملكة، لكنّها توقّعت عجزا جديدا للسنة السادسة على التوالي بقيمة 35 مليار دولار، خاصة أن الرجل يحسب له أنه لعب دورا في تجنيب العائلة المالكة في السعودية موجة الربيع العربي بعد أن خصص العساف، بأوامر ملكية، عشرات المليارات من الدولارات على صالح المواطنين، لشراء السلم الاجتماعي، وتفادي موجة الغضب الشعبي التي يبدو أن لها أسباب جديدة في هذه الفترة بعد استنزاف الاقتصاد السعودي في الحروب والمؤامرات خاصة في اليمن،وهو ما دفع العاهل السعودي إلى إعادة تشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فيما يبدو.

خطب ود الغرب !

التغييرات استهدفت كذلك  بحسب مراقبين تحسين الصورة الذهنية بخطب ود الغرب ، بعد سقوط الحملات التحديثية الأخيرة عن وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، والتي صورته في صورة منقذ السعودية من الوهابية وقائدها إلى الحداثة والتغريب.

الملمح الأول في هذا الإطار هو اختيار امرأة ذات استايل عصري في التغييرات وهي إيمان بنت هباس بن سلطان المطيري في منصب “مساعد وزير التجارة والاستثمار بالمرتبة الممتازة”.

ويتوزاى مع ذلك تحريك “تركي آل الشيخ” من موقعه الرياضي إلى موقع الترفيه ، وسط توقعات بإحداث صدمات للمجتمع السعودي المحافظ في ظل علاقات الرجل بالوسط الفني المصرى على وجه التحديد ، الذي يحتفظ بمقعده فيه عبر كتابة الأغاني بعدما غادر الوسط الرياضي المصري بعد هتافات مسيئة تقدمها وصفه بـ”طال عمره”، كما لازال اسم الرجل متداولا في أحاديث الوسط الفني المصري بسبب ما جرى بينه وبين الفنانة آمال ماهر في موقف اختلطت به الأوراق ووصلت إلى العنف والأقسام بمصر .

 

 

وجاء التغييرات وسط حملة مشبوهة تلقي بظلالها على عناوين محتملة في الفترة المقبلة بقوة من أجل جبر خاطر الغرب ، حيث تصاعدت حملة “النقاب تحت رجلي” في المملكة وسط تجاهل حكومي رغم تحركه في قضايا الحريات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي بقوة وعنف ، وهو ما دفع نائب سعودي إلى التلميح بذلك ، وهو عضو مجلس الشورى بالسعودية، عيسى الغيث متسائلا عن موقع المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية في المملكة، معتبرا أن ما يحدث ” تطرف واعتداء” يستلزم الملاحقة القانونية.

الدوحة وطهران !

وفق الاهتمام الأمريكي البارز خلال هذه الأيام بالاستعداد لمواجهة محتملة مع إيران ، يقرأ البعض في التغييرات استعداد سعودي لهذه المرحلة ، بإزاحة عادل الجبير من منصبه بالخارجية بعد ملاسناته المتكررة مع الدوحة خاصة بعد قمة منظمة التعاون الخليجي الأخيرة في السعودية وهو ما يؤخر إغلاق هذا الملف.

 

 

يعزز هذا السياق نقل آل الشيخ من موقعه الرياضي بعد مناوشاته المستفزة لقطر ، خاصة مع قدوم كأس العالم في الدوحة 2022 والذي يستلزم تدفئة الأجواء في إطار المحاولات المستمرة لتصحيح المسار في البيت الخليجي التي تقودها الكويت وتحرص الولايات المتحدة على إنجاحها في أسرع وقت للتفرغ إلى طهران.

سقوط الإعلام السعودي أمام القطري كان سببا واضحا في الإطاحة بوزير الإعلام واستحضار تركي الشبانة وزيراً للإعلام، في خطوة للمرحلة المقبلة أن تتطالب تغيير الأشخاص الذين رسبوا في مرحلة اليمن و”خاشقجي”، خاصة أن الشبانة له دوائر إعلامية واسعة بحكم تأسيسه لقنوات وشركات إعلامية بارزة.

 

المواجهة مع إيران قد تبدو الخيار الأنسب لولي العهد السعودي ، في ظل الأزمة الدولية التي تحاصره ، واستعداد البيت الابيض لخوض محتمل لهذه الحرب للتغطية على أزمته الداخلية والتحقيقات الدائرة معه ، ولذلك جاءت التغييرات وفق البعض لتأسس لما حلم به بن سلمان في فترة سابقة من مواجهة مع إيران تعيد له بريقا فقده بدماء “خاشقجي”.

إعادة تنظيم

التغييرات مكشوفة في الغرب كذلك ، وبحسب  فرانك غاردنر ، مراسل الشؤون الأمنية في بي بي سي فإن التغييرات التي جرت هي جزء من إعادة تنظيم جذرية للوسط الأمني والاستخباري السعودي في أعقاب فضيحة اغتيال “خاشقجي”.

كما يرى البعض أنها تعني عودة الحرس القديم لقيادة دفة الأمور في البلاد، بعد أن واجهت المملكة في الفترة الأخيرة عدة صدمات، نتجت عن الاندفاع في معالجة بعض ملفات أبرزها إعادة المعارضين بالقوة التي وصلت للعنف القاتل في حالة “خاشقجي”.

وفي هذا الإطار يرى نيل كويليام الباحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية البريطانية أن وزير الخارجية الجديد “سيتبع الأوامر بالأساس” مضيفا أنه يعتبر شخصية أساسية في إعادة بناء صورة المملكة المتضررة بما له من صورة دولية إيجابية، لذلك “استهل العاهل السعودي العام الجديد ببداية جديدة لكن دون تغيير حقيقي”.