أحمد حسين

ليس غريبا على العرب والمسلمين أن يظهر “أفيخاي أدرعي” المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، متحدثا بلغة رصينة ومستشهدا بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ومهنئا بمناسبات وأعياد المسلمين.

هذه الصورة الودية التي يحاول أدرعي رسمها، تفضحها مئات الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بشكل شبه يومي بحق الفلسطينيين العزل.

الظهور هذه المرة كان مثيرا للجدل كعادته، لكنه لفت الأنظار إلى دور آخر يؤديه الرجل، محاولا صرف أنظار العرب والمسلمين عن جرائم الاحتلال، وتوجيهها نحو عدو آخر، وربما لم يجد أفضل من إيران لهذا الغرض.

طريقة حديث أدرعي في الفيديو المنشور مؤخرا، واستشهاده بأقوال علماء المنهج السلفي، أماط اللثام عن تشابه يصل إلى حد التطابق بين موقفه وموقف قادة السلفية أمثال الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر.

أدرعي “السلفي”!

في المقطع سالف الذكر، يحذر أدرعي بشدة من “الخطر الإيراني” على الدول العربية والإسلامية، متهما حركة حماس الفلسطينية باتباع طهران على حساب الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك.

ووجه خطابه لحماس، قائلا: “بأي بدعة مذمومة تأتون وبأي حق تتبعون إيران اتباعا أعمى لصبغ المنطقة بصبغة النظام الإيراني المحظور”، وتابع: “قادة حماس أنتم تتشبهون بملالي إيران وأمثالهم من حزب الله وغيرهم.. أنتم متشيعون رسميا وفق الحديث النبوي الشريف وعلى أسس النظام الإيراني”.

وكأنما تجسد أدرعي ببرهامي لكن دون لحية، تساءل مستنكرا: “ألم تقرءوا نصوص أهل الذكر من العلماء والفقهاء آباء الشريعة المحمدية الذين حذروكم بشكل واضح وصريح من خطورة الشيعة في نسخة النظام الإيراني هذه عليكم وعلى شعبكم؟”.

ونقل متحدث جيش الاحتلال عن “مجدد الدعوة السلفية محمد بن عبدالوهاب” تحذيره من “خطورة أهل البدعة على الدين الإسلامي”، قوله: “انظر إلى كلام هذا الملحد تجده من كلام الرافضة، فهؤلاء أشد ضررا على الدين من اليهود والنصارى”.

وواصل أدرعي محاضرته: “ألا ترون خطورة الإيرانيين عليكم من خلال هذا القول فتنهالون بالشتم واللعن على من ينصحكم ويهاديكم بينما هو من غير دينكم، وأقصد أنا؟ وتتبعون الإيرانيين الذين هم أخطر من أي إنسان آخر ومن أي جهة أخرى عليكم؟”.

ولم يكتف بذكر ابن عبدالوهاب مؤسس المدرسة السلفية الوهابية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حتى وصل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحد أئمة السلف المعتبرين لدى أهل السنة خاصة أتباع المنهج السلفي.

فقال أدرعي: “كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة مفسرا الخطر الشيعي كما سماه على السنة وأنا أجده مناسبا للخطر الإيراني على المنطقة”.

برهامي الأصل

على الطريق ذاته سبق ياسر برهامي “تلميذه” أدرعي في التحذير من الخطر الإيراني القائم على الأمة الإسلامية، وكأن الشخصان اندمجا في جسد واحد ولسان واحد.

حساب “أنا السلفي” التابع للدعوة السلفية في مصر، نشر في 2016 مقطع فيديو لبرهامي يتحدث فيه عن خطر المد الشيعي، ويلمح بشكل غير مباشر لحركة حماس، في تلقيها الدعم من إيران.

يقول برهامي في الفيديو: “لاشك أن إيران عدو حقيقي لكل البلاد السنية، لها مطامع قومية فارسية ودينية طائفية شيعية، ومطامع اقتصادية.. السيطرة على المنطقة”.

وتابع في حديثه عن إيران: “قوى عالمية كبرى تؤيدها وتراها الأنسب لكي تكون القوة الثانية بعد إسرائيل في المنطقة على حساب مصر ودول الخليج وباقي الدول الأخرى التي لم تعد دولا، حجمها وثقلها لا يمكن أن يسمح لها بمقاومة المشروع الشيعي الفارسي”.

وأكد نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر أن “أحلام الإمبراطورية (الفارسية) واضحة جدا”، وأن “التدخل في شؤون المنطقة، محاولات الغزو الفكري الشيعي مستمرة” في العالمين العربي والإسلامي وأفريقيا وآسيا وكل العالم.

ووضع برهامي عدة خطوات رأى أنها ضرورية “من أجل مقاومة هذ الخطر”، موجها نصائحه للساسة وأصحاب القرار في الوطن العربي والإسلامي ولعامة المسلمين، بضرورة الحذر منه وتعلم معتقداته ومعرفة ما تقوم عليه عقيدتهم التي رآى أنها “دينا آخر غير الإسلام”، لكنه في الوقت ذاته لم يكفر متبعيها.

التلميح إلى حماس كان حاضرا في كلمة المرجع السلفي في قوله: “أول شيء لتحجيم الخطر هو إدراكه، لكن البعض لا يزال يعاملها (إيران) بحميمية ويتلقى منها الدعم..”.

هل هناك فارق؟

ولعل التساؤل الذي يفرض نفسه الآن، ما هو الفارق بين سلفية برهامي وما يمكن أن نسميه سلفية أدرعي؟، أليست اللغة واحدة واللهجة تبدو مشتركة والغرض يظهر موحدا إلى أبعد مدى؟.

اللافت أن الحدة التي تحدث بها برهامي عن خطورة المد الشيعي الإيراني – رغم اتفاق كثيرين حوله – ربما لم تقابلها حدة مشابهة في الحديث عن الاحتلال الإسرائيلي وخطورة المشروع الصهيوني في فلسطين ومخططاتهم في العالمين العربي والإسلامي.

هي إذن نقطة اتفاق بين “السلفيتين”، حيث يؤمن كل منهما بأن الخطر الإيراني على العرب والمسلمين يفوق ما عداه، ومهما وصل الآخرون في جرائمهم تجاهنا، فإن عدونا الأكبر هو إيران لا غيرها.

الغرض الأسمى الموحد الظاهر في هذه المقاربة، ربما يكمن في محاولة صرف الأنظار عن جرائم الصهاينة في الأراضي المحتلة تحت لافتة دينية عاطفية وهي الخطر الإيراني، مستغلين في ذلك عاملين مهمين.

العامل الأول هو البعد الديني العاطفي لدى المسلمين، وما تستدعيه أذهانهم عند الحديث عن المد الشيعي والمعتقدات التي تصطدم بيقينيات أهل السنة، كسب الصحابة والطعن في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وغيرها من المسائل التي تؤجج غضب المسلمين بمجرد سماعها.

أما العامل الثاني فهو تدخلات طهران السافرة في شؤون دول المنطقة، والجرائم التي ارتكبتها ميليشياتهم في سوريا والعراق، والتي لا يمكن غض الطرف عنها، وبالتالي تجد تلك التوجهات المشتركة زخما على أرض الواقع يغذيها ويؤكدها ويثبت مقاصدها.