العدسة: محمد العربي

مازالت أصداء زيارة وزير الخارجية ورئيس المخابرات العامة المصريين للخرطوم قبل أيام، تثير علامات استفهام عن السبب من ورائها، وما زاد من غموض الموقف قيام رئيس البرلمان المصري علي عبد العال بإلغاء زيارة تم الإعلان عنها للخرطوم صباح السبت، ليتم إلغاؤها في مساء نفس اليوم، فهل حدثت في الأمور ما دفع النظام المصري لتغيير توجهه نحو دعم الرئيس السوداني عمر البشير.

التساؤلات التي خرجت عن زيارة المسئوليين المصريين، تنوعت بين أسباب الزيارة وهل هي كما أعلنته الخارجية المصرية، لتبادل وجهات النظر في إطار التشاور الدائم والمشترك بين الجانبين المصري والسوداني، أم أن كل من سامح شكري وعباس كامل حملا في حقيبيتهما حلولا للأزمة التي يواجهها البشير، وربما حملا أيضا رسائل من دول الجوار التي يتهمها السودانيون بأنهم وراء تفاقم الأزمة الأخيرة التي تكاد تعصف بحكم الإنقاذ وليس المؤتمر الوطني فقط.

إعلان فتراجع

وحسب المراقبون فإن القاهرة كانت من أول الدول التي بادرت بدعمها للبشير، سواء بالبيانات الرسمية، أو من خلال إجراءات عملية تمثلت في زيارة مسئوليين كبار بحجم شكري وكامل، وهو ما ساعد في قراءة موقف القاهرة من الأحداث الدائرة بالخرطوم، ودعم هذا التوجه إعلان رئيس البرلمان المصري علي عبد العال صباح السبت الماضي عن قيامه بزيارة للخرطوم تبدأ صباح الأحد، في إطار دعم النظام السوداني لمواجهة ما اعتبره المسئول المصري مؤامرة ضد بلاد وادي النيل، إلا أنه في مساء السبت كان الكلام مختلفا، والأطروحات تبدلت بعد إعلان عبد العال ببيان رسمي أنه لن يزور الخرطوم، وأنه لم يكن ضمن جدوله هذه الزيارة من الأساس.

هذا التراجع له العديد من الدلالات حسب رأي المراقبين، فهو تراجع من رأس السلطة التشريعية بمصر، بينما الأهم من ذلك أن عبد العال لم يكن يصرح بالزيارة إلا بعد استئذان رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الذي يدين له الأول بالولاء الكامل، وبالتالي فإن التراجع عن الزيارة جاء بأوامر من السيسي، ما يزيد من إرباك فهم المشهد المصري.

الملفت في الأمر أن النفي الذي صدر عن رئيس البرلمان، جزم بأن الزيارة لم تكن مطروحة من الأساس، رغم أن الأخبار التي سربها مكتب عبد العال نفسه حددت جدول أعماله في الخرطوم، وأن الزيارة سوف تستمر لمدة 4 أيام، وأنها كانت مقررة منذ عدة أسابيع.

وحسب مصادر إعلامية فإن عبد العال تلقّى دعوة رسمية من رئيس البرلمان السوداني، إبراهيم أحمد عمر، لزيارة الخرطوم بهدف المشاركة في احتفالات الخرطوم بعيد الاستقلال، الذي يوافق الأول من يناير/ كانون الثاني كل عام، وبحث تعزيز التعاون والتنسيق بين البرلمانين المصري والسوداني، فضلاً عن نظر الموضوعات المتصلة بتوقيع اتفاقية لإحياء برلمان وادي النيل”.

ووفقا لنفس المصادر فإن عبد العال علي سيزور الخرطوم على رأس وفد برلماني رفيع المستوى، يضم كلاً من الأمين العام لمجلس النواب، المستشار أحمد سعد الدين، ورؤساء لجان الدفاع والأمن القومي، والعلاقات الخارجية، والشؤون الأفريقية، والزراعة والري.

ما خلف السطور

وحسب ما أكده سامح شكري فإنه نقل للرئيس السوداني رسالة من السيسي، تؤكد على أهمية تحقيق الاستقرار في البلدين ومواجهة التحديات عبر العمل المشترك، وتعتبر أن “استقرار السودان، يصب بشكل مباشر في استقرار مصر، مؤكدا على أهمية دعم العلاقات واستمرار التواصل وتحقيق الاستقرار في البلدين، ومواجهة التحديات خلال العمل المشترك، وتفعيل كافة أطر التعاون والتنسيق على المستوى الثنائي.

إلا أن هناك تأكيدات أخرى بأن ما جرى في الغرف المغلقة لم يكن فقط مجرد رسائل الطمأنة، وإنما حملت رسائل أخرى بعضها من دول الجوار مثل السعودية والإمارات، والتي تشهد علاقة السودان بهما توترا نتيجة علاقة الخرطوم بكل من طهران وأنقرة والدوحة، وبالتالي فإن خطوة البشير التي قام بها نحو سوريا، كانت بمثابة رسائل طمأنة لأبي ظبي والرياض، في حال انسحبت القوات الأمريكية كما هو معلن من سوريا، وحلت مكانها قوات تركية.

وحسب الرأي السابق فإن البشير فوجئ بالمظاهرات التي جرت في بلاده بعد عودته من دمشق، معتبرا أن زيارته لبشار، لم تأت بثمارها المرجوة مع أغنياء الخليج رغم أنهم ساروا على نفس منهجه تجاه النظام السوري.

ودعم أصحاب هذا الرأي موقفهم بما نشرته عدد من الصحف السوادنية عن مسئولين نافذين بالخرطوم، والتي اتهموا فيها مباشرة دول بالخليج العربي بأنها هي التي تدير ما يجري من اضطرابات في أرجاء السودان.

ووفقا لصحيفةالسودان اليومالمقربة من النظام السوداني، فإن كلا من السعودية والإمارات، يقفان وراء الأحداث الأخيرة من أجل التضييق على الحكومة السودانية، وخنقها، وهو ما يتلامس مع أهداف أخرى إسرائيلية تسير في نفس الاتجاه.

وتشير “السودان اليوم” في افتتاحيتها الرئيسية أنه “لا يشك أحد في التقاء أهداف السعودية والإمارات والموساد، والرغبة في التضييق على هذه الحكومة وخلق المشاكل لها؟”، مشيرة إلى أن “الحاصل ما هو إلا انعكاس لبعض ما يدور في الخفاء”.

وأضافت: “لا يقولن لنا أحد إن السعودية مثلا، غير مطالبة بالدفع للسودان وتغطية نفقات الحكومة والصرف عليها، فإن الإخاء والمصير المشترك والالتقاء في الهدف العام الكبير، يدفع الكل للتكاتف ومؤازرة بعضهم وإسنادهم، وإلا فما معنى الزعامة والريادة التي تدعيها السعودية للعالم العربي والإسلامي، وهي تضن على إخوانها باليسير من كثير عندها حباها الله به”.

وأشارت إلى أنه في الوقت ذاته “تدفع لأمريكا أضعاف أضعاف ما يكفي لسد حاجة الأشقاء مجتمعين وليس السودان فحسب، ووصفت ما تقوم به السعودية بالسفه وعدم الحكمة والبعد عن الأخلاق وعدم الاتصاف بالقيم والمروءةـ في أوضاع يسهل وصف كل الأشقاء المقتدرين بها وفي مقدمتهم السعودية”.

كما هاجمت الصحيفة الإمارات وقالت إنها في الوقت الذي كانت “قادرة فيه على تقديم العون الواجب لإخراج الأشقاء من أزماتهم الخانقةـ راحت تطبع مع العدو الغاصب وتتفرج عليهم بما يعانون وتتمنى أن يسقطوا”.

وحسب المتابعون فإن القاهرة أرادت تهدئة مخاوف البشير الذي وجد نفسه وكأنه قد تمت خيانته، رغم كل ما قدمه في حرب اليمن والتصدي للنفوذ الإيراني الذي تزايد مؤخرا في بلاده.

أهداف أخرى

ويلفت مراقبون للزيارة أن القاهرة عرضت من خلال رئيس المخابرات المصرية عباس كامل على الخرطوم أن تقدم لها مساعدات لوجستية وخبراتها في مواجهة المظاهرات التي شهدتها مصر بعد الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن هذه الخطوة من القاهرة كانت متوقعة، حتى لا تمتد المظاهرات من الخرطوم لجارتها الشمالية، وبالتالي أتخذت القاهرة عدة إجراءات أخرى داخلية واضح في ظاهرها أنها لدعم النظام السوداني البشير، مثل تحذير وسائل الإعلام الحديث عن الأوضاع في السودان، باعتباره يمس الأمن القومي المصري، وكذلك توجيه تحذيرات شديدة اللهجة للسوادنيين المقيمين بمصر، بعدم القيام بأية مظاهرات، أو فعاليات احتجاجية ضد حكومة الخرطوم، وخاصة من الذين ينتمون لفصائل المعارضة سواء بدارفور أو كردفان أو من تبقى من أحزاب المعارضة الشمالية بالقاهرة.

ويجزم المراقبون بأن هذه الخطوة من القاهرة، لا تمثل دعما للبشير بقدر أنها تمنع وصول العدوى السودانية للقاهرة التي تعيش فوق بركان غاضب، رغم الإجراءات الأمنية القاسية التي ينفذها نظام السيسي ضد معارضيه بمختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية.