العدسة – ياسين وجدي :

من تأجيل إلى تأجيل ومن تعتيم إلى تعتيم ، حتى تبخر حلم افتتاح ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأول مفاعل نووي  على بعد نحو 300 كلم غربا، عند الضفة المقابلة لإيران في محطة براكة النووية.

نسلط الضوء على أسباب التأجيل الجديد ، والتي كشفت عن عدة أسباب هي الأزمة الاقتصادية المتصاعدة بالإمارات ، وتوابع ضربة الحوثيين للمفاعل في ديسمبر 2017 مع استمرار جهل العاملين بالملف النووي وكيفية إدارته على نحو آمن بجانب تأثير انخفاض أسعار النفط على القرار الإماراتي.

ليس التأجيل الأول!

وفق ما هو معلن رسميا ، كان من المفترض أن يبدأ المفاعل النووي الإماراتي في توليد الطاقة في 2017، لتصبح الإمارات أول دولة خليجية نووية، إلا أن “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية”، المسؤولة عن تشغيل المفاعلات، أعلنت التأجيل إلى 2018؛ لأسباب تقنية .

الشركة الإماراتية أوضحت وقتها أن العمليات من المفترض أن تبدأ ما بين نهاية العام الحالي ومطلع عام 2020 ، وتوقعت بدء تحميل حزم الوقود النووي اللازمة لبدء العمليات التشغيلية للوحدة الأولى في التوقيت المقترح ، ونقلت وكالة رويترز عن مصادرها أن بدء تشغيل المشروع تأجل حتى العام الحالي بسبب تأخيرات في عمليات التدريب .

وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، أعلن الأربعاء، تأجيلا جديدا في رحلة تشغيل المفاعل الذي كان مخططا له بنهاية 2019 – بداية 2020، قائلا  في تصريحات صحفية نشرتها وسائل الإعلام المحلية: “تأخر بدء عمل محطة الطاقة النووية الإماراتية قليلا”؛ دون الإفصاح عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأجيل.

ولكن مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ذكرت، في يوليو 2018، أن بدء تشغيل مفاعل في محطة الطاقة النووية، سيعتمد على نتيجة مراجعات أخرى للمشروع، ما يعني تأجيله بالفعل، موضحة أن فريق مراجعة البنية التحتية النووية المتكاملة أنهى المرحلة الثالثة من مراجعة المشروع النووي الإماراتي، لكنه حدد مجالات تحتاج لمزيد من العمل قبل بدء التشغيل، لتذهب أحلام الافتتاح مجددا مع الريح.

الأزمة الاقتصادية !

“فتش عن الأزمة الاقتصادية في التأجيلات”، هكذا يرى مراقبون ومختصون استنادا إلى تصريحات سابقة لوزير الطاقة الإماراتي “سهيل المزروعي” في العام 2017 تحدد جدولا زمنيا واضحا حيث زعم أن “المفاعل الأول اكتمل بنسبة 96% ، ومن المتعين أن يتحمل المفاعل الجديد نحو 25% من استهلاك الإمارات للطاقة بحلول 2021، و50% بحلول 2050” ، وهو الأمر الصعب حدوثه في ظل التأجيلات المتكررة والفشل في إنهاء البناء.

البعد الاقتصادي يظهر في مشهد التأجيل خاصة مع الرقم المعلن من مركز الإمارات للدراسات والإعلام “أيماسك” حول التكلفة المتوقعة حيث كشف عن أن تكلفة محطة براكة النووية للطاقة 24,4 مليار دولار، نظرا لأنها أكبر مشروع نووي تحت الإنشاء في العالم وستكون الأولى في العالم العربي.

وبحسب مختصين اقتصاديين فإن كلفة الطاقة النووية لا تتوقف عند المبالغ المدفوعة لشراء المفاعلات بل تشمل أيضاً مصاريف التشغيل والتفكيك والحوادث،وقد يحصل ارتفاعا في فترة الإنشاء خاصة ، وهو ما يتشابك مع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في الإمارات.  

ووفقا لتقرير مشترك حديث أعدّته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة النووية فإن التقنيات النووية تكون كثيفة الرأسمال مقارنةً مع الغاز الطبيعي أو الفحم الحجري، فضلا عن أنها ترتفع بوتيرة سريعة نسبيّاً.

وفي إطار الأزمة الاقتصادية يمكن فهم سياق التأجيل في ظل التكلفة الباهظة للإنشاء الذي تأخر ، خاصة مع سرعة الانهيار الذي تشهده إمارة دبي؛ قاطرة وعنوان الاقتصاد الإماراتي، والتي وصفها رجل المال والاقتصاد العالمي مير محمد علي خان الذي عمل مديرًا تنفيذيًا للعديد من المشروعات الكبرى بدبي، بأنها “تذوب مثل ذوبان حبة مثلجات في حرّ الصيف على شاطئ الجميرة”.

ويربط كثيرون بين الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مدينة دبي، وسياسات ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” الداخلية والخارجية والتي تسبب في تكبيد الاقتصاد الإماراتي المزيد من الأعباء وتحول في إنهاء المشروعات الكبرى مثل المفاعل النووي وفق البعض.

توابع ضربة الحوثيين!

ويرجح مراقبون أن التأجيلات المتتالية في الانتهاء من المشروع النووي يرجع إلى فشل الحلف السعودي -الإماراتي في اليمن ، واستمرار تهديدات الحوثيين في حال عدم الانتهاء من مباحثات السلام الجارية بعد ضرب المفاعل في وقت سابق.

ويستند هذا الفريق إلى إعلان الحوثيين في ديسمبر 2017 ، إطلاق صاروخ بالستي على المفاعل النووي القيد الإنشاء، ولكن الإمارات نفت وقتها ، ولكن المؤشرات تتأكد مع استمرار التأجيل أن المزاعم قد صحّت، وأن الضربة كانت قاسية وتحتاج إلى وقت لإعادة الترميم دون الاعتراف بصحة ما أعلن الحوثيين.

مساعد الناطق باسم قوات الحوثيين عزيز راشد تحدث لقناة “الميادين” الموالية لهم مؤكدا أن  إرسال صاروخ كروز إلى مفاعل أبو ظبي رسالة سياسية وعسكرية، كاشفاً  أن الصاروخ أصاب هدفه العسكري.

مختصون يرون أنه لا توجد محطة نووية في العالم يمكنها الصمود أمام الأسلحة الحديثة والثقيلة التي لم تعد حكراً على الحكومات، بل باتت في بعض الدول العربية مملوكة أيضاً لمليشيات ، وهو ما يجعل احتمالات تفجير محطة نووية مستقبلية في أية دولة عربية قائمة وجدية رغم ما قد يرصد لها من وسائل دفاعية عسكرية متطورة تتطلب أموالا طائلة، وهو ما يعزز إصابة الصاروخ الحوثي للمفاعل.

الخوف الإماراتي قد يستند في هذا السياق إلى أن كلفة الحادثة الخطيرة لا تقل عن أربعين مليار دولار، بل هنالك تقديرات تصل إلى أكثر من عشر مرات هذا المبلغ، وهو ما لم تتحمله أي موازنة لأي دولة عربية وفق التقديرات المرصودة، وبالتالي فهو ينتظر ما تسفر عنه مباحثات السويد .

الجهل بالملف!

وبجانب هذين البعدين الاقتصادي والعسكري، فلازال البعد التقني والتدريبي ذا حضور في التأجيلات وهو ما تم الكشف عنه في المرة السابقة ، ولكن حجب هذه المرة دون نفي لذهابه وهو ما يرجح استمراره كدليل فشل إداري آخر لمنظومة “محمد بن زايد” الإدارية في أول مفاعل نووي عربي حال اكتماله.

“الشركة المحلية المشغلة ليست جاهزة لإدارة المفاعلات” هذا ما كشفه مصدر في قطاع الطاقة النووية في التأجيل الأول ، بحسب رويترز ، التي أكدت أن شركة نواة للطاقة، التي ستدير المحطة تواجه صعوبة في الحصول على ترخيص للتشغيل .

وتعمل “نواة “منذ سنوات على تدريب العمال على تشغيل المحطة النووية لكن الحصول على رخصة تشغيل يحتاج لإثبات أنها تملك المهارات الإدارية اللازمة وقادرة على السيطرة بإتقان على جميع أنظمة تشغيل المفاعلات.

وبحسب أحد المتابعين للملف النووي للإمارات فإن الجهل مازال سيد الموقف ، حيث أن الإمارات “بلد لم تكن لديه ثقافة نووية من قبل ويجب عليه الآن أن يطور اقتصاداً نووياً كاملاً، وهذا يستغرق وقتاً”

ويأتي سعر النفط كعامل محدد ، بحسب مراقبين مختصين ، لتشغيل المحطة النووية من عدمها ، حيث يدفع انخفاض أسعار النفط لجعل تشغيل المحطة أقل إلحاحا من المنظور الإماراتي، وهو ما يجعل قرار تشغيل المحطة النووية الأولى عربيا في الثلاجة حتى إشعار آخر.